صـرخة مـارى.. تعيد فتح ملف «طلاق الأقباط».. ومطالب بتدخل الدولة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: حسن حافظ

الأزمة تتفاقم بعد واقعتى مارى ومريم ومطالب بعودة لائحة 38

مارى مجدى توثق تعرضها للعنف الأسرى والقانون الحالى يمنعها من الطلاق

المفكر كمال زاخر: رهبان لم يختبروا الحياة الطبيعية يتحكمون فى تفسير النص

الحقوقي مايكل رؤوف: يجب اعتماد الزواج المدنى ووضع الملف فى يد الدولة فقط

 

فجرت صرخة مارى مجدى السيدة المسيحية التى تعرضت لضرب وصل لحد الشروع فى القتل على يد زوجها، ملف الطلاق عند المسيحيين، فما أن انتشر الفيديو الذى يسجل تفاصيل الاعتداء الوحشى من قبل الزوج على زوجته، وضربها بالشومة، حتى عاد الحديث عن ملف الطلاق عند المسيحيين إلى الواجهة، خصوصا بعد نحو شهر من تفجر هروب مريم وهيب من منزلها بسبب مشكلات مع زوجها وعدم قدرتها على طلب الطلاق، وهى الحالة التى كانت مثار حديث المجتمع بعدما قيل عن اعتناق مريم وهيب الإسلام لكى تتمكن من الحصول على الطلاق، قبل أن تنجح السلطات فى احتواء الأزمة وإعادة مريم الهاربة وتدخل الكنيسة لاحتواء الأزمة.

 

 

تنظر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى ملف الطلاق كأحد أكثر الملفات حساسية، وترفض عادة طرح الموضوع للنقاش، باعتبار الزواج وبالتالى الطلاق من الأسرار السبعة المقدسة للكنيسة، [فالذى جمعه الله لا يفرقه إنسان] (متى 19: 6 ومرقص 10: 9)، لكن حادثة الاعتداء الوحشى على مارى مجدى، التى تأتى بعد نحو شهر من واقعة مريم وهيب، كأحدث الوقائع فى سلسلة طويلة من الحوادث، تكشف أزمة تحتاج لتدخل عاجل لحل مشكلة الطلاق بين المسيحيين، ففى وقت تتمسك الكنيسة بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنى، تتعالى الأصوات المطالبة بعودة العمل بلائحة 1938، وبين من يطالب الدولة بإقرار الزواج المدنى ليكون أحد الحلول المطروحة أمام من يرغب.

 

واقعة مارى مجدى القاطنة فى منطقة الشرابية، نبهت الجميع إلى الحاجة لنظرة عاجلة لملف الطلاق فى المسيحية، إذ كشفت معاناتها بناتها الثلاث مع الزوج والوالد الذى تخلى عن دوره، ووضع زوجته وبناته فى حياة مهينة من العذاب والجحيم، فهو مدمن ويعمل فقط من أجل توفير المال الكافى لشراء المخدرات، وسبق له أن تعدى على زوجته وبناته أكثر من مرة وتم تحرير محاضر فى الشرطة ضده أربع مرات، لكن الأزمة أن مارى مجدى التى تجد الدعم من والد زوجها، لا تستطيع أن تحصل على حق الطلاق رغم كل هذه المعاناة التى تعيش فيها، والرعب الذى يصاحبها على الرغم من إلقاء الشرطة القبض على الزوج الجانى، وذلك لأن القانون بوضعه الحالى يمنع طلاق المسيحيين إلا لعلة الزنى أو تغيير ديانة أحد الطرفين.

 

إقرأ أيضاً | النيابة العامة تقدم زوج المجني عليها ماري مجدي للمحاكمة الجنائية

حقيقة أن مارى مجدى لا تستطيع الحصول على حق الطلاق لكى تنجو بحياتها وحياة بناتها، أمر أقره النائب إيهاب رمزى، عضو مجلس النواب، الذى أوضح فى تصريح إعلامى، إن القانون الحالى لا يسمح بالطلاق لمن تتعرض من المسيحيات للعنف من زوجها، قائلا: «شريعة الأقباط الأرثوذكس لا تسمح بالتطليق، ولا يجوز للسيدة المعنفة التطليق، والسبب الوحيد للطلاق هو الزنى سواء كان زنى فعلياً أو زنى حكمياً، وأن زوج مارى مجدى يحق له العودة إلى منزل الزوجية بعد أن ينتهى من تنفيذ العقوبة المتوقعة ضده، وهى لا تستطيع منعه»، لكنه لفت إلى أن هناك مشروع قانون معدا ومزمعا مناقشته فى مجلس النواب، يسمح بحالات الطلاق للضرر وحالات الطلاق للفرقة، وهو محل إجماع من الطوائف المسيحية، فى إشارة إلى قانون الأحوال الشخصية الجديد المنتظر.

 

أزمة طلاق الأقباط تعد المنغص الأول فى حياة المسيحيين فى مصر، إذ تشهد أروقة محاكم الأسرة آلاف القضايا المعلقة بسبب مرجعية الكنيسة، المتحكمة فى ضوابط الطلاق استناداً لأبدية العلاقة الزوجية وحصر إمكانية فسخ عقد الزواج فى ثبوت علة الزنى وجنون أحد الزوجين أو تغيير أحدهما لديانته، وهى الحيلة التى استخدمها العديد من المسيحيين للفرار من سلوك الطريق الطويل بين المحاكم والكنيسة، خاصة بعد إلغاء البابا شنودة لائحة 1938 التى كانت تبيح الطلاق لتسع حالات من ضمنها الإساءة والهجر، لكن البابا شنودة ضيّق أسباب الطلاق وقصره على الزنى أو الجنون أو تغيير الديانة، وهو الأمر الذى تطالب الكثير من الأصوات المسيحية حاليا بتعديله استجابة لتطور حركة المجتمع، لذا تتجه أنظار الآلاف من المسيحيين المصريين إلى رأس الكنيسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثانى، من أجل اتخاذ موقف يستمع لآلامهم.

 

الدكتور كمال زاخر، المفكر القبطى وأحد أصحاب الرؤى العميقة فى ملف طلاق الأقباط، قال لـ«آخرساعة»: «المشكلة الحقيقية فى التعامل مع النصوص بحرفية، مثل نص (الذى جمعه الله لا يفرقه إنسان)، الذى تتمسك به الكنيسة لمنع الطلاق، لكن السؤال هنا ما الدليل على أن كل هذه الزيجات جمعها الله؟ فزواج المصلحة أو الطمع من طرف لآخر هل هذا مما جمعه الله؟ فمقولة (ما جمعه الله) تحتاج إلى إثبات وتروٍ، فالمقولة تعود إلى البيت الذى أُسس على أساس الإيمان وبالتالى الله موجود فى البيت، لكن لو رأينا حالة مارى مجدى واعتداء زوجها عليها بوحشية غير مفهومة، فهنا الأولى بالرعاية النفس وليس النص، فهل نترك هذه الزوجة مع هذا الرجل الذى قد يتعدى عليها ويقتلها، من يتحمل دمها؟ من أقنعهم أن هذا ما جمعه الله».

 

وتابع: «المشكلة ليست فى القانون أو تعديله، المشكلة فى المفاهيم المستقرة عند قيادات الكنيسة حول المصطلحات، فهناك بعض الأمور الصريحة والواضحة ومع ذلك يحاولون الدوران حولها وتجاوزها، مثل مفهوم الزنى، للأسف من يفكر فى هذا الأمر هم الرهبان الذين يصبحون أساقفة، وبالتالى يتوقفون أمام النص ويتغاضون عن الواقع العملى الذى يعيش فيه الناس، فالأصل فى الزواج هو الاستمرار، وبالتالى الطلاق هنا هو الاستثناء، والأزمة الحقيقية التى لا يريدون أن يعترفوا بها أن للكنيسة دورا مسكوتا عنه، وهى مهمة رعاية كل هذه البيوت، وتأهيل الشباب لفكرة الزواج، فأين دور الكنيسة فى رعاية هذه الأسر؟ لو أجابوا عن هذا السؤال بمنتهى الأمانة فسينتهى جزء كبير من المشكلة».

 

وشدد زاخر على أن الحل فى العودة إلى لائحة 38، باعتبارها الأكثر قربا من مفهوم الزواج فى المسيحية، مستنكرا أن يتحكم فى تأويل النص مجموعة من الرهبان لم يختبروا الحياة الاجتماعية الطبيعية، ولديهم تصور نظرى للحياة، وبالتالى ما نراه من عدم القدرة على استيعاب وجود مئات وربما آلاف البيوت تعانى، ويلجأ الأزواج والزوجات إلى المحاكم من أجل الطلاق، لأن هؤلاء الرهبان بنوا القضية على أساس نظرى لا يمت للواقع بصلة، وهؤلاء لا أسر عندهم ليخافوا عليها، وهم يعبدون النص بأكثر من البحث عن الهدف الذى يسعى النص للوصول إليه.

 

من جهته، طالب مايكل رؤوف، المحامى الحقوقى، بضرورة اعتماد الزواج المدنى، وأضاف: «الكنيسة تأخذ موقف الدين، وهو أن لا طلاق إلا لعلة الزنى، فموقف الكنيسة غير خاطئ، السؤال الأصح هنا هو: لماذا يكون ملف الزواج والطلاق فى يد الكنيسة من الأساس؟ فالأصح أن يكون هذا الملف فى يد الدولة، هى من توثِّق الزواج، وهى من تنظم ذلك كله وفقا لما ترتئيه، أى بإقرار الزواج المدنى، وهنا يكون أمام كل شخص أن يختار، فمن يختار أن يذهب إلى الكنيسة لكى تزوجه وفقا للتقاليد الكنسية ويخضع لقانونها، أو أن يختار أن تزوجه الدولة بموجب الزواج المدنى الذى يجب إقراره، فهذا دور تنظيمى للدولة ولا أحد آخر، فهو ليس دورا للكنيسة ولا الأزهر».

 

وتابع: «يجب أن تعترف الدولة بالزواج المدنى بجوار الزواج الكنسى، ويجب أن ترفع الكنيسة يدها عن هذه النقطة، لأنه ليس من المعقولية أن نرى أزواجا وزوجات يضربون بعضهم البعض ويعتدون على بعضهم البعض، والكنيسة تقف فى موقف المتفرج، ومن يدفع الثمن هم الأفراد الذين لا يملكون تغيير القوانين، وهو نفس الوضع الذى كنا نعانى منه قبل إقرار قانون الخلع فى سنة 2000، فتم حل أزمة كبيرة لأن الكثير من السيدات قررن شراء أنفسهن بالخلع، وهو نفس حل الأزمة بالنسبة للطلاق فى المسيحية، فنحن نقف عاجزين أمام بديهيات يجب أن نقرها، وهى حرية الإنسان فى اختياره».