في عيدها الـ147.. رئيس الجمعية الجغرافية: لدينا متحف للعادات والتقاليد المصرية

تمتلك الجمعية ١٢ ألف خريطة لمصر والعالم
تمتلك الجمعية ١٢ ألف خريطة لمصر والعالم

أعلام العراقة المرفرفة فى آفق مصرنا العزيزة أكثر من أن تحصر فى حيز يشملها جميعا، ودلائل الريادة من الكثرة بحيث ترهق من يحصيها، والجمعية الجغرافية المصرية -التى احتفلت بذكرى مرور 147عاما على تأسيسها منذ أيام- أحد هذه الأعلام، وواحدة من تلك الدلائل التى تؤكد ريادة بلادنا فى العصر الحديث، فلم تكن مصر سيدة العالم القديم فقط، إنما تصدرت المشهد العربى والمتوسطى والإقليمى بأكمله فى أفق العصر الحديث، وهذا المعهد العلمى العريق دليل على ذلك، وقد تملكتنا مشاعر شتي: دهشة وانبهار وفخر حين دلفنا إلى مقر الجمعية الجغرافية، المجاور لمبنى مجلس الشيوخ، بشارع قصر العينى فى قلب القاهرة؛ حيث تتحدث جدران المبنى العتيق عن تضاريس مرسومة على خرائط الزمن، تماما كما تكشف قسمات وجه الجغرافى الكبير د. السيد الحسيني، مديرالجمعية، عن حدود فاصلة وخطوط طول وعرض، وبحار وأنهار، وتلال وجبال؛ وكأنها بانوراما «طبوغرافية» كاملة، والحديث عن الجمعية الجغرافية المصرية يحمل قدرا كبيرا من ذكريات الماضي، وتحديات الحاضر، وآمال المستقبل؛ فالجمعية التى أنشأها الخديو إسماعيل لتدعم اهتمامه بالبحوث الجغرافية بإفريقيا، خاصة منابع النيل، فى 19 مايو 1875، تعانى الكثير من المشكلات التى سنناقشها فى هذا الحوار:

 ما الغاية التى دعت الخديو إلى إنشاء الجمعية فى هذا الوقت المبكر من عمر النهضة المصرية؟


- بهدف دراسة الجغرافيا والقيام بالمسح فى إفريقيا، ولتكون دار محفوظات لما يُجمع هناك من الآثار والتحف، وليرجع إليها من يريد البحث والاستقصاء، حيث أسند الخديو رئاستها إلى عالم النبات والمستكشف الألمانى «غورغ أوغست شفاينفورت»؛ ثم تلقت الجمعية فى أول عهدها بحوثا مهمة من المستكشفين الذين جالوا فى مجاهل إفريقيا، أمثال: ستانلى وبرتون وبيكر وجسى وماسون وبياجا ورولفس وبوردي.

ونُشرت هذه الأبحاث فى مجلة كانت تصدرها الجمعية سنويا؛ كما اشتركت هيئة أركان حرب الجيش المصرى والقائمقام محمد مختار بك والأميرالاى محمد صديق بك ومحمود الفلكى باشا فى الاستكشافات الجغرافية، وأرسلوا نتائجها إلى الجمعية.


 وما قصة المبنى الأثرى للجمعية.. ولماذا لم يقم أحد بترميمه حتى الآن رغم مطالباتك المتكررة؟


- مبنى الجمعية الجغرافية تحفة معمارية على الطراز الإسلامي، وبه قاعة ملكية تضم 12 عمودًا صممت على طراز إسلامى رائع وتعد أيقونة معمارية من طراز ليس له مثيل، ويوجد به كم كبير من الخرائط، أهمها خرائط منابع النيل كاملة؛ كما تحتوى الجمعية على 1500 خريطة بعضها منذ عهد الخديو إسماعيل.

وعمر المبنى 150 عامًا، وتصدع فى زلزال عام 1992، وتزداد رقعة التصدع اتساعا مع الأمطار التى تؤدى إلى سقوط أحجار من المبنى، فضلا عن وجود مياه جوفية تضرب المقر من أسفله؛ فالجمعية تعانى من انهيار مبناها وتحتاج إلى تدخل وترميم لحفظ هذا التراث؛ خاصة أنه مسجل كمبنى أثرى منذ سنة 1995، ضمن الآثار المصرية الإسلامية، وقد خاطبنا وزارة الآثار للترميم، وأخبرناها بأننا لا نمتلك موارد مالية لترميمه..

وتمتلك الجمعية متحفا فريدا ذائع الصيت عالميا، ليس له مثيل هو «المتحف الإثنوغرافي» الذى يعرض للعادات والتقاليد المصريةخلال القرنين: 18 و19، وتزخر مكتبة الجمعية -بخلاف عشرات الآلاف من الكتب المراجع العلمية والموسوعات العربية والأجنبية والوثائق التاريخية- بما يربوعلى العشرين ألف خريطة وأطلس تمثل تراثا ضخما وثروة علمية وتاريخية ليس لها وجود فى أى مكان آخر؛ وكان للجمعية دورها البارز -ولايزال- فى خدمة الدولة فى مختلف القضايا (كبيت خبرة) حيث تتوافر الخرائط والوثائق الجغرافية.


 كيف لا تجدون مالا لترميم المبنى رغم أن المشهور أنكم تملكون وقفا خيريا كبيرا.. ما قصة هذا الوقف؟


- قبل أن أحكى قصة الوقف، أؤكد أن وزارة التعليم العالى تعطينا خمسين ألف جنيه فقط كل عام، وأن وزارة الثقافة كانت تعطينا مائة ألف ولكنها توقفت منذ فترة؛ أما قصة الوقف ففى عام 1931 أوقف محمد راتب باشا الجركسى «سردار الجهادية المصرية» هو وزوجته «إكليري» هانم معتوقة الخديو إسماعيل وقفا خيريا للجمعية الجغرافية الملكية عبارة عن 538 فدانا من أجود الأراضى الزراعية فى قرية «كتامة الغابة» بمركز «بسيون» بمحافظة الغربية.

ومنذ ذلك الحين كانت تصرف الجمعية من ريع هذا الوقف على جميع أنشطتها ورواتب العاملين بها؛ولكن فى عام 2003 استولى مجموعة من المدعين على هذا الوقف بزعم أنهم أحفاد راتب باشا، وعزل وزير الأوقاف من نظارة الوقف.

وانقطع عائد الوقف للجمعية الجغرافية الذى تعتمد عليه فى تسيير نشاطها باعتباره المورد المالى الرئيسي؛ وبعد نزاع قضائى طويل استمر حتى صدر حكم قضائى نهائى بات عام 2017 بأحقية الجمعية فى هذا الوقف الخيري.

وإعادة وزير الأوقاف ناظرا للوقف، فالوقف الخيرى لا يخضع للميراث؛ كما أن راتب باشا كان عقيما، ومع ثبوت تزويرهم لمستندات تدعى قرابتهم لراتب باشا حكمت المحكمة بعقوبتهم بالسجن سنتين لكل منهم.


 وأين المشكلة إذن ما دمتم قد استرددتم كامل السيطرة على الوقف.. ولماذا لم تستفيدوا منه فى إدارة الجمعية؟د
- بعد استرداد أرض الوقف الخيرى بدأت إدارة الجمعية الجغرافية فى مخاطبة وزارة الأوقاف لصرف المستحقات المالية من ريع الوقف الخيرى لمباشرة نشاطها، وظلت وزارة الأوقاف تماطل ولا تستجيب لعشرات الخطابات من رئيس الجمعية.

وتردد موظفة الشئون القانونية للجمعية بشكل يكاد يكون أسبوعيا، ولا مجيب أو بارقة أمل فى الحصول على عائد الوقف الخيرى المخصص للجمعية، وبعد تصعيد الشكوى، وشروع بعض نواب مجلس النواب بتقديم طلب إحاطة للوزير.

ومخاطبة رئيس الوزراء، اضطرت الوزارة إلى تحويل بعض مستحقات الجمعية بداية هذا العام؛ ولم ترد على طلبنا بمعرفة العائد السنوى للوقف الخيرى ونصيب الجمعية منه والمبالغ المتأخرة فى تحصيلها من حائزى أرض الوقف؛ وحتى الآن هذه المطالب المشروعة لا تجد ردا أو تجاوبا.


 وما أبرز الأنشطة الثقافية التى تقدمها الجمعية إلى روادها؟د
- تنشر الجمعية أبحاثا علمية، وتلقى محاضرات وندوات؛ إضافة إلى نشاطنا العلمي، وتمتلك الجمعية آلاف الخرائط والكتب، ولدينا موسم ثقافى فى جميع الموضوعات المطروحة فى مصر والوطن العربي؛ وتصدر الجمعية مجلات سنوية، إحداها بالفرنسية، ومجلتين باللغتين العربية والإنجليزية.

ونحو 10 أعداد خاصة؛ ولدينا مكتبة للدوريات تضم 321 دورية من مختلف دول العالم، حيث تتبادل الجمعية مع عدد كبير من الجهات العلمية والجمعيات الجغرافية فى أكثر من 45 دولة عربية وأجنبية، وتصل أعدادها إلى عشرة آلاف عدد.


 وماذا عن مكتبة الجمعية وما أنواع الكنوز المعرفية التى تضمها؟د
- مكتباتنا تضم مجموعة قيمة من الكتب النادرة والمتخصصة، بالإضافة إلى الخرائط والمخطوطات، وفيها متحف لعلم الأعراق، ولدينا مكتبة للخرائط فى قاعة منفصلة تحتوى على عدد كبير من الأطالس الوطنية والتاريخية، مثل أطلس الأمير عمر طوسون لأسفل الأرض.

وأطلس الأمير يوسف كمال لمصر وإفريقيا، وأطلس الحملة الفرنسية؛ ويصل عدد الأطالس إلى 500 أطلس؛ كما تحتوى القاعة على 12500 خريطة لمصر والعالم، وكذلك سلاسل الخرائط الطبوغرافية ذات المقاييس المختلفة على الحاسب الآلي.. أما مكتبة الكتب، فقد كانت نواة هذه المكتبة مجموعات «باربين» العلمية، وهى عبارة عن 1200 كتاب.

وقد أهداها الخديو إسماعيل عند إنشاء الجمعية؛ كما تحتوى المكتبة على العديد من أمهات الكتب الجغرافية، وكذلك كتب الرحالة والمستكشفين الذين سجلوا اكتشافاتهم فيها.

ويصل عددها إلى 30 ألف كتاب بمختلف اللغات، مثل: العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والروسية والتركية والفارسية.

 كيف كان للجمعية دور كبير فى توفير الوثائق التى دعمت المباحثات الدبلوماسية فى عودة طابا؟


- خرائطنا أسهمت بالفعل من خلال د. يوسف أبو الحجاج، رئيس الجمعية وقتها، فهو من شرح للمحكمة النقطتين 90 و91 وتفاصيل موقعهما، الأمر الذى دعم بشكل كبير عودة طابا لمصر.

اقرأ ايضا

رئيس الجمعية التاريخية: إتاحة الوثائق ضرورة لكتابة التاريخ