جلسة صلح بين عائلتين بأسيوط تنتهي بخطف اثنين

الضحايا
الضحايا

محمود صالح 

اقتحم أكثر من ٢٠ رجلا البيت قبل أذان الفجر بقليل، يرتدي معظمهم ملابس شرطية، بدت غير متناسقة عليهم، لكن اقتحامهم البيت فجرًا والفزع الذي سببوه لأهل البيت، جعل من فيه يصدق أنهم فعلا قوات أمن، وقتها اصطحبوا اثنين من أهل البيت وهما «أحمد» و «أمين» وانطلقوا بهما، هذا الموقف لم يدم سوى دقائق، حتى عرف أهل البيت أن هؤلاء الزوار لم يكونوا رجال أمن، وأن اثنين منهم تم اختطافهم هكذا في لمح البصر من قبل خارجين عن القانون، تفاصيل تلك الواقعة التي شهدتها قرية الزاوية التابعة لمحافظة أسيوط ترويها السطور التالية.

قبل عامين، وتحديدًا في شهر رمضان المبارك، كان أولاد الحاج «محمد.أ» يعلقون زينة شهر رمضان أمام منزلهم كالمعتاد، ملأت الفرحة قلوبهم بقدوم الشهر المبارك، وجمعهم الذي اعتادوا عليه يفوح منه عطر المحبة والإيمان، لكن ما حدث حينها فجأة طرد الفرحة من قلوبهم وتلاشت معه السعادة وأخذت في طياتها المحبة.

 

كان الأولاد يعلقون الزينة في الوقت الذي يمر فيه «مجدي.أ.م»، وما حدث أن عقدا من عقود الزينة عطل الدراجة النارية التي كان يستقلها وهو ذاهب إلى بيته فنزل عن دراجته وقطع عقد الزينة من بين أيدي الأطفال، وقذفهم بأقظع الشتائم والألفاظ، إلى الحد الذي أخرج من في البيت على صوته واجتمع أهالى الشارع يشاهدون ما يحدث.

 

كانت تصرفاته حينها مبالغا فيها، أطفال يعلقون الزينة وهو يتشاجر معهم ويسّب آباءهم بهذه الطريقة، إلى الحد الذي جعل من في البيت يردون عليه وينهونه عما يفعله، لكنه لم يرضخ ولم يرتجع، بل تمادى إلى الحد الذي وصل أن حدثت بينهما مشاجرة.

 

كانت المشاجرة في بادئ الأمر بسيطة، لكنه بعد أن ذهب إلى بيته، عاد وهو يضع في ملابسه سلاحا ناريا، ووقف أمام بيت الحاج «محمد.أ» وأطلق بعض الأعيرة النارية صوب البيت، مما جعل أهل البيت يخرجون فزعًا من البيت ليعرفوا ما يحدث، وبدون أى نقاش، وبمجرد ما أن وجدهم خارجين من المنزل، أطلق نحوهم طلقات مسدسه وأصاب منهم أربعة بإصابات خطيرة، منها طلقة أخذها ابن شقيق رب الأسرة - الذي تصادف وجوده وقت الحادث -  أصابته بعاهة مستديمة، وطلقة أخرى أصابت ابنه «حسن»، كان منظر الدماء يثير فزع من في البيت بعد هذا الحادث، الذي بمجرد ما أن نفذت طلقات مسدس «مجدي» فر هاربًا وترك آل البيت ما بين جراح رجاله وصراخ نسائه. حينها لم يكن يتمالك أحد أعصابه، وبدلا من استقبال الشهر الكريم استقبلوا الدماء والحسرة بعد مشاجرة كان سببها «زينة رمضان».

 

حكم

هرب «مجدي» واختفى عن القرية بعد ما ارتكب جريمته، وعندما تم تحرير محضر بالواقعة في مركز ثان شرطة أسيوط، استطاعت الأجهزة الأمنية القبض على المتهم، الذي لم يدم هروبه طويلا، لكن بعد أن خرج تقرير الطب الشرعي بخصوص الإصابات، وأنه لم يقتل أحدًا، اعتبرت قضيته قضية مشاجرة أفضت إلى إصابات وحمل سلاحا ناريا بدون ترخيص، وقتها تم الإفراج عنه بعد كفالة مالية وبضمان محل سكنه.

 

لم ينته الوضع إلى هنا، قام كلا الطرفين بتوكيل محامٍ للترافع في القضية، وجاء الحكم بعد عام كامل، وتحديدًا في أوائل العام الماضي، بـ السجن لمدة ١٠ سنوات لـ «مجدي.أ» صاحب الـ ٣٧ عامًا، قبل صدور الحكم استطاع «مجدي» الهروب من القرية مرة أخرى، ولهذا صدر الحكم عليه غيابيًا. وكي ينتهي الأمر، أصبح كل شيء في يدي أولاد الحاج «محمد» رب الأسرة، وهم فقط من في يدهم خلاص مجدى ونجاته إن هم تصالحوا فربما هذا يخفف من وضعه في القضية.

وقتها اجتمع قبل شهر رمضان العقلاء من القرية وذهبوا إلى بيت الحاج «محمد» يقنعون أولاده بالتنازل عن القضية، وحتى ينتهي الأمر على خير، وافقوا على  الصلح بعد عقد جلسة عرفية، لكن لم يكن مجدي يرضى بأن يذهب أهله إلى بيت خصومه ويطلبون منهم التنازل، ولم يصدقهم بعد أن عادوا إليه وأخبروه أن أولاد الحاج «محمد» ارتضوا بالمصالحة وأنهم سيذهبون في الصباح إلى المحكمة ويتنازلون، لذلك - تحسبًا لأي طارئ - اتفق مع بعض الرجال المسجلين خطر وأعطاهم الأموال التي طلبوها كي يخطفوا أحد أولاد الحاج «محمد» رب الأسرة وكبيرها، ويخفونه حتى يتنازل أهله عن القضية ثم يعيدوه إلى البيت مرة أخرى. كنوع من أنواع التهديد، وإن لم يتنازلوا قتلوه.

انتحال

كانت حينها الساعة الرابعة فجرًا عندما وقف أكثر من ميكروباص أمام بيت الحاج محمد، نزل من السيارات أشخاص يرتدون ملابس شرطية من كل الرتب والفئات الشرطية، اقتحموا البيت وكسروا بابه وأفزعوا ساكنيه، ودخلوا يسألون عن «أحمد» أحد أولاد الحاج محمد، لكنهم وجدوا أمامهم «عمر» شقيقه الأصغر، سألوه عن أخيه، فقال لهم أنه نائم، وسألهم عن سبب مجيئهم، فقالوا له أن هناك قرارا بالقبض على شقيقه الأكبر، حينها استيقظ الشقيق الثالث «أمين» من نومه، وتشاجر مع من جاء بهذه الطريقة، فأخذوه مع «أحمد» بعدما دخلوا غرفة نومه عنوة و أيقظوه من نومه، وأخذوا الشقيقين وانطلقوا بهما.

 

خرج من في البيت جميعهم بعد أن أخذ هؤلاء الرجال الشقيقين وانطلقوا بهما، حينها ذهبوا مسرعين إلى مركز الشرطة ليعرفوا ما الذي يحدث، ففوجئوا أن المسألة بعيدة تماما عن الأمن، وأنه لم يكن هناك أى قرار بالقبض على أحد من أولاد الحاج محمد.

 

قبل أن يخرجوا متجهين إلى مركز الشرطة شاهد «عمرو» خصمهم اللدود «مجدي» يقف خارج القرية ويتحدث في الهاتف، لكنه كان مشغولا بما حدث لإخوته الاثنين ولم يعره اهتماما، لكن بعد أن عادوا من مركز الشرطة اكتشفوا أن من جاءهم ليلا لم يكونوا قوات أمن، أدخل في قلوبهم الشك أن «مجدي» هو الذي قام بكل ما حدث.

وقتها ذهبوا إلى بيت أبيه، ووقفوا أمامه واندلعت مشاجرة أيقظت كل من في القرية، حتى وصل صداها إلى «مجدي» ومن معه، حينها تفاجأوا بالشقيقين «أحمد وأمين» عائدين إلى القرية وعلى أجسادهما آثار ضرب مبرح وملابسهما مقطعة وحالهما يرثى له.

يحكي «أحمد» تفاصيل تلك الساعتين التي اختطف فيها بصحبة شقيقه «أمين»  لـ «أخبار الحوادث» قائلا: «أنا مكنتش عارف إيه اللي بيحصل، فجأة وأنا نايم دخلوا عليا قوموني و خدوني معاهم أنا وأخويا، أنا كنت فاكرهم في البداية فعلا شرطة، وكنت بسألهم أنا عملت ايه لكن مكانش حد يجاوبني فيهم، لحد ما وصلونا فيلا مهجورة على أطراف القرية، ولقينا فيها «مجدي» ومعاه ناس تانيين، ربطوا إيدينا ورجلينا ونزلوا فينا ضرب، قلعونا هدومنا ومسك مجدي التليفون بتاعه وظليصورنا واحنا بنضرب، وكان بيقولنا إنه هيفضل حبسنا هنا لحد ما اخوتي يتنازلوا عن القضية وبعدين يرجعونا تاني، لكن فجأة طلعونا من الڤيلا وسيبونا، ساعتها عرفنا الڤيلا اللي كنا فيها وإنها قريبة من البلد، ورجعنا تاني».

يضيف شقيقة «عمرو» قائلا: «كنا مش عارفين سبب اللي بيحصل ده، لكن لما شوفت مجدي وعرفنا إن القسم بعيد عن اللي حصل عرفنا إن هو اللي وراها، عشان كده قامت المشاجرة اللي في الصبح قدام بيتهم، بعدها تركونا».

واستكمل: «إحنا كنا هنتصالح فعلا، وقلنا عفا الله عما سلف، لكن بعد اللي حصلنا ده إحنا مش هنسكت لحد ما نجيب حق اخواتي، ولحد ما «مجدى» ياخد جزاءه».