خلال ندوة بـ«الخالدين».. مثقفون: المجتمع يخنق اللغة العربية

خلال ندوة بـ«الخالدين»: المجتمع يخنق اللغة العربية
خلال ندوة بـ«الخالدين»: المجتمع يخنق اللغة العربية

 شهاب طارق

استضاف مجمع اللغة بالقاهرة، الأسبوع الماضى، ندوة بعنوان «المبدعون والعربية»، تحدث فيها مثقفون عن وضع لغتنا خلال الوقت الراهن، والتحديات والأزمات التى تواجهها، وأسباب التوقف عن تعلمها واستبدالها بلغات أخرى، وطرحوا رؤى حول مصيرها وكيفية النهوض بها خلال المرحلة المقبلة.


الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى قال إن: «علاقتى باللغة هى علاقة بذاتى، فحين أتحدث عن اللغة لا أتحدث عن موضوع أو شىء آخر بعيد عنى، إنما أنا فى حديثى عن اللغة أترك نفسى كأنى أحلم، أو أتمنى، أو حتى أتألم. هذه المشاعر هى التى كونت علاقتى باللغة، وأنا لا أتذكر نفسى فى لحظة من اللحظات كنت بعيداً عنها، حتى وأنا طفل وجدت فى بيتى صحفاً ومجلات صدرت فى الربع الأول من القرن الـ20، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات من بينها ديوان حافظ إبراهيم، وكتاب عن سعد زغلول. تلك الثروة كانت موجودة منذ أن استطعت القراءة. انتظمت فى تلقى دروس القراءة والكتابة، وكذلك القرآن الكريم فى الكتّاب منذ كنت فى الرابعة من عمرى، وحين صرت فى السابعة أتممت حفظ نصف القرآن الكريم، وفى التاسعة أتممت حفظه كاملاً، وقد أحسست لحظتها أننى امتلكت اللغة بأكملها، واجتهدت محاولاً فهم القرآن الكريم، واعتززت بامتلاكى هذه الإيقاعات التى لا يعرفها إلا من امتلك هذا النص العظيم».


ويضيف حجازى أنه خلال تلك الفترة، أى أربعينيات القرن الماضى، كانت اللغة فى وضع أفضل بكثير مما هى عليه الآن، إذ كان عندهم داخل مركز تلا بالمنوفية، أناس من غير المثقفين يحبون العقاد، ويحفظون شعره،  وينشدون قصيدته فى رثاء مى زيادة: «كنت أجلس مع زملائى الذين ولدوا مثلى فى ثلاثينيات القرن الماضى، وأجدهم يتجادلون حول ما كتبه الرافعى والمنفلوطى. ولم نعرف نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم إلا بعد أن عرفنا الرافعى والمنفلوطى، وبعد أن حفظنا ودرسنا المعلقات».


وينهى حجازى حديثه قائلاً: «أتمنى أن تعود هذه السنوات التى تحدثت عنها، وأتمنى أن يعود احترامنا للغة العربية».


تراكمات أيدلوجية
الروائية ريم بسيونى أشارت إلى حزنها خلال الوقت الراهن بسبب من يتفاخرون بأميتهم فى اللغة العربية، سواء فى القراءة أو الكتابة: «هذه الظاهرة غير موجودة فى أى دولة فى العالم، فالمقومات الاجتماعية تشجع الفرد على الكلام باللغات الأجنبية وعدم الاهتمام أساساً بالعربية، والمشكلة الأصعب التى تواجهنا يجب طرحها فى سؤال مفاده: من يقرأ اللغة العربية خلال الوقت الراهن؟ وهناك مسئولية على عاتق الكتاب والروائيين حالياً وهى أن يجعلوا الشباب يقرأون، وهذا الهدف ليس من السهل تحقيقه طالما أن اللغة ليست من المقومات التى يريد الفرد إتقانها، لأنه يرى أنها لا تدعمه فى وضع اجتماعى أفضل، لذلك أتمنى أن تصبح اللغة العربية مصدراً للوجاهة، والفخر، وليست لغة نتكلمها فى نهاية أى حديث».


مفردات غنية
الكانب والروائى إبراهيم عبدالمجيد تحدث عن دور الإسكندرية كمدينة وتأثيرها على الكاتب: «هى مدينة تمنحنا حرية حين نكتب، بعكس القاهرة. نعم.. أشعر أن عندى ثقة بالنفس حين أكتب وأنا داخل الإسكندرية، لأنها مدينة مشجِّعة على الكتابة، كذلك أنا محظوظ لأنى أكتب باللغة العربية، فهى لغة ساعدتنى كثيرا على الحكى، وكذلك على البناء الفنى للرواية، بفضل مفرداتها الكثيرة تمكنت من تنويع البناء الفنى داخل النص الأدبى وتعديله. أتمكن باللغة من صنع شكل فنى، وهى تساعدنى دائماً نتيجة مفرداتها الغنية والمتنوعة والثرية. إنها لغة بنت المكان وبنت البيئة نفسها التى تخرج منها، لذلك لا يمكن أبداً اجتثاثها من منبتها، إلا إذا افتعل الكاتب نصاً مبنياً على فكرة الرواى العليم، باعتباره الحكاء المطلق للأحداث، الرواى العليم أصبح شكلاً روائياً يكتب به أغلب الأدباء اليوم، لكنى أحرص دائماً على الشكل النحوى للغة».


وقال: «مشكلة اللغة خلال الوقت الراهن سببها غياب تعليم حقيقى، يؤهل الطلبة على حب اللغة العربية. الثقافة هى فعل اجتماعى، تقوم به الدولة والمجتمع نفسه، وللأسف بعد ثورة يوليو 1952، تم تدمير المجتمع الأهلى بشكل كبير، والدولة مهما فعلت لن تقدر على فعل كل شىء، نحن عندنا فقط جائزة ساويرس، وهى الوحيدة تقريباً التى يقدمها المجتمع الأهلى، وهذا للأسف شىء يحزنى كثيراً، فالمجتمع المدنى يحتاج إلى إطلاق كثير من المبادرات».


رؤية واضحة
أما الكاتبة هالة البدرى فقالت إنها لا تخشى أبداً على اللغة العربية خلال الوقت الراهن، ولكنها تعرف أننا فى حاجة حقيقية إلى معالجة العيوب التى تتم خلال التعامل معها داخل المجتمع.


تؤكد هالة أن علاقتها باللغة بدأت منذ طفولتها. أتيح لها الاطلاع على الكتب من خلال مكتبة وجدتها داخل منزلها: «كان أبى قاضياً، وفى وقت الغداء كان يلقى علينا الشعر، ويسمع معنا أغانى أم كلثوم لكنه وجهنا دائماً أنا وأخى لإعراب الكلمات الموجودة فى أغانيها. هذه الأمور علمتنى كثيراً وأضافت لى فى مرحلة مبكرة من حياتى».


وتقول إنها تعلمت أن الكاتب «أسلوب» إلا أنها فعلت عكس ذلك: «تصورت أننى يمكن أن أكتسب أسلوباً مغايراً فى كل مرة أكتب فيها عملاً جديداً، كنت أرفض فكرة الراوى العليم، لأنى أحب التعمق فى الشخصيات ودراستها بالكامل قبل البدء فى عملية الكتابة، وبالتالى أفضِّل أن تتحدث كل شخصية عن نفسها، وليس من خلال الراوى العليم».


وتنهى حديثها بالإشارة إلى أن «اللغة هى وعاء الفكر». وأن «الكاتب قادر على تكوين لغة مختلفة دائماً، لكننا بشكل عام نحتاج لتعريب الوسائط الحديثة، من خلال تقديم الأفلام بالعربية وكذلك الحال مع أغانى الطفل» وأن «المدارس يجب أن تتبنى رؤية واضحة كى تتمسك الأجيال القادمة بلغتها الأم».

اقرأ ايضا 

"إنسانية البشر ومعايير العدالة الاجتماعية".. أحدث إصدارات الكاتب لورنس الزواهرة