أستاذ الميكروبيولوجي بجامعة القاهرة: فيروس جدري القرود لا ينتقل عبر الهواء

د.محمد عبد الله مصيلحى
د.محمد عبد الله مصيلحى

هل يجب أن نخاف من فيروس «جدرى القرود»؟.. سؤال مهم يشغل بال الكثيرين منذ تم الإعلان عن خروج الفيروس المكتشف عام 1970 من مناطق تواجده فى إفريقيا إلى أكثر من دولة حول العالم.

وبينما تتأرجح الآراء بين «التخويف» و«الطمأنة» من الفيروس، فإن الخبراء الذين استضافتهم «الأخبار» فى هذه الحوارات رفعوا شعار «لا تخافوا ولكن احذروا»، فخبرة العالم عبر 52 عاما منذ اكتشاف الفيروس من المفترض أنها تزيل الخوف من النفوس، وتجعلنا نقف على أرض صلبة، من حيث توفر معلومات حول أدوات الوقاية والعلاج، ولكن الحذر يأتى من عدم حل اللغز الذى يؤرق العالم منذ تم الإعلان عن أول حالة لمريض خارج نطاق الدول الموبوءة بالمرض، وهذا اللغز يدور حول الأسباب التى أدت لخروج الفيروس عن نطاق المناطق الموبوءة؟. وإلى أن يتم حل هذا اللغز لا نملك إلا أن نتوخى أعلى درجات الحذر، دون أن يؤدى ذلك فى نفس الوقت إلى خوف مرضى يعطل مظاهر الحياة.
 

ويؤكد د.محمد عبد الله مصيلحى بشر، أستاذ مساعد بقسم الميكروبيولوجى، كلية الزراعة، جامعة القاهرة، أنه فى الوقت الراهن تسود العالم حالة من الترقب المستمر الممزوج بالقلق نظرا للظهور المفاجئ لمرض نادرًا ما يظهر خارج حدود إفريقيا.


ويضيف د.مصيلحى أن «جدرى القرود» هو مرض فيروسى نادر وحيوانى المنشأ (ينتقل من الحيوان إلى الإنسان)، وتماثل أعراض إصابته للإنسان تلك التى كان يشهدها فى الماضى المرضى المصابون بالجدرى، ولكنه أقل حدة.


ومع أن الجدرى كان قد استُؤصِل فى عام 1980، فإن جدرى القرود لايزال يظهر بشكل متفرق فى بعض أجزاء إفريقيا؛ وينتمى هذا الفيروس إلى العائلة الفيروسية الجدرية نفسها التابعة لفصيلة فيروسات الجدرى.


انتقال المرض


ويقول د.مصيلحى إن العدوى بالمرض تحدث عن طريق المخالطة المباشرة لدماء الحيوانات المصابة بالفيروس أو لسوائل أجسامها أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية، كذلك من المُحتمل أن يكون انتقاله عن طريق تناول اللحوم غير المطهوة جيدا من الحيوانات المصابة بالعدوى. أما انتقال العدوى من شخص لآخر يكون عن طريق الجهاز التنفسى أو لمس سوائل جسم لإنسان مصاب، وتشتمل العوامل الخطرة المؤدية لانتشار المرض على مشاركة الشخص المصاب غرفة نومه، واستخدام أدواته الشخصية؛ لكن تزداد نسبة خطر العدوى عند انتقال الفيروس إلى الغشاء المخاطى للفم.


ويشير د.مصيلحى إلى أن معظم المرضى يعانون من الحمى وآلام الجسم والرأس والقشعريرة والتعب والضعف العام، وقد تتطور الأعراض إلى مستوى أكثر خطورة، مثل ظهور طفح جلدى وبثور مكسوة بقشرة خارجية على الوجه واليدين، والتى يمكن أن تنتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم؛ وقد يُصاب بعض المرضى، قبل ظهور الطفح الجلدى بتضخّم كبير فى الغدد الليمفاوية، وهى سمة مميزة لجدرى القرود عن سائر الأمراض المماثلة؛ وتبلغ فترة حضانة الفيروس (وهى الفترة الفاصلة بين مرحلة الإصابة بالعدوى ومرحلة ظهور الأعراض) المسبب لهذه الإصابات من حوالى خمسة أيام إلى ثلاثة أسابيع، ويتعافى معظم المصابين فى غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع دون الحاجة إلى دخول المستشفى، لكن يمكن أن يكون جدرى القرود قاتلًا بنسبة تصل إلى10% من الأشخاص المصابين؛ كما يُعتقد أنه يكون أكثر حدة عند الأطفال والحوامل ومن يعانون ضعف المناعة.


تشخيص معملى

ويتابع أستاذ الميكروبيوجى أنه عند تشخيص هذا المرض لابد من التفرقة بينه وبين الأمراض الأخرى المسببة للطفح الجلدى، مثل: الجدرى، والجدرى المائى، والحصبة، والتهابات الجلد البكتيرية، والجرب، والزهرى، وأنواع الحساسية الجلدية الناجمة عن الأدوية؛ ويمكن أن يكون تضخّم الغدد الليمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدرى، ولا يمكن تشخيص جدرى القرود بشكل نهائى إلّا فى المعمل، حيث يمكن تشخيص عدوى هذا الفيروس بواسطة عدد من الاختبارات المختلفة التالية، وهى قياس المناعية الأنزيمية، اختبار الكشف عن المستضدات، تفاعل البوليميرز المتسلسل، عزل الفيروس بواسطة تقنية مزارع الأنسجة.


ويؤكد د.مصيلحى على أن الوسيلة الوحيدة للحد من الإصابة به هى رفع الوعى بعوامل الخطر المرتبطة به واتخاذ التدابير التى يمكنها الحد من معدل التعرّض له؛ وعلى مستوى الدول والمنظمات المعنية، لابد من تطبيق إجراءات الترصد والإسراع فى تشخيص الحالات الجديدة، كما ينبغى أن تركز رسائل التثقيف بشأن المرض على أمرين، وهما ضرورة تجنّب المخالطة الجسدية للمصابين بالمرض، مع ارتداء القفازات اليدوية عند الاعتناء بالمرضى، وضرورة المداومة على غسل اليدين، والحد من مخاطر انتقال الفيروس من الحيوانات الحاملة له إلى البشر، وضرورة طهو كل المنتجات الحيوانية جيدا قبل تناولها.