الروائية العُمانية صاحبة «القلب الفرح»:تربينا على أدب محفوظ وإدريس

بشرى خلفان
بشرى خلفان

قبل ساعات من سفر الروائية العمانية بشرى خلفان إلى أبو ظبى لحضور حفل تتويج الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر العربية»، أجرينا هذا الحوار مع الأديبة التى نجحت فى الوصول إلى المحطة النهائية لأكبر جائزة عربية، عبر روايتها التى حملت عنوان «دلشاد.. سيرة الجوع والشبع»، وبشرى روائية وقاصة وشاعرة، صدرت لها تسعة مؤلفات أدبية، وتعد «دلشاد» ثانى رواية لها.

وتكشف لنا، «خلفان» فى حوارنا معها علاقتها بمدينة مسقط القديمة، حيث تدور الأحداث فى أوائل القرن العشرين، داخل مدينة يسودها الفقر والجوع والموت، وتتبع «بشرى» حكاية بطلها الفقير «دلشاد» وابنته مريم وحفيدته فريدة، عبر تعدد الرواة من قاطنى المدينة الواقعة فى قبضة الاحتلال الإنجليزي، لتنتهى حكايات زمن الجوع مع الحرب العالمية الثانية، والرواية هى الجزء الأول.

وفى نهايتها إشارة إلى وجود جزء ثانٍ يتتبع أثر الشخصيات فيما أسمته، المؤلفة سيرة الشبع»، وفى البداية تقر بشرى خلفان بأن لكل مدينة عتيقة صوتها الخاص، المدفون تحت طبقات متعددة، من التراكم الانسانى عبر العصور، ولكل مدينة عريقة أدباء تتبعوا صدى صوتها، ونَقَّبوا عن حكاياتها، ليكشفوا أوجهها المختلفة.

وارتبطت الأديبة العمانية بمسقط القديمة، كما ارتبطت بالقاهرة القديمة عبر روايات نجيب محفوظ وهو ما تعبر عنه قائلة: تربينا على روايات نجيب محفوظ، وعلى قصص يوسف إدريس القصيرة، وما زلت حتى الآن أتابع الأدب المصرى الغنى وأجد فيه مستقبل الرواية العربية، وخير مثال على ذلك رواية «ماكيت القاهرة» لطارق إمام، والتى أجدها عملًا مغايرًا يستحق التقدير.


ما مدى تأثر مشروعك فى الكتابة عن مسقط القديمة بنجيب محفوظ؟
- علاقة محفوظ بالمكان مُلهمة للغاية، وهذا الذى جعلنى جزئيًا أهتم بالمكان الروائى كبطل أساسي، وأخص هنا مسقط، ولا أريد مقارنتها طبعًا بالقاهرة، فلكل مكان خصوصيته، لكن مسقط أيضًا مدينة غنية سواء على المستوى التاريخي، أو مستوى تنوع الثقافات فيها أوعلى مستوى حكاياتها المُتعددة وعلاقتها بالبحر، من زاوية أخرى، لا يمكن أن نفصل بين الزمان والمكان، وتجارب الشخصيات داخل الزمان والمكان نفسه.

ونفسيات الشخصيات ومصائرها فى الرواية وفى الحياة، وكذلك طريقة تعامل الشخصيات مع الظروف الحياتية، فدلشاد تعنى «القلب الفرح» مما يعكس الأثر الذى تركه الزمان والمكان فى نفس الشخصيات، وقدرتهم على التعامل مع الواقع رغم بؤسه.


عناوين رواياتك مرتبطة بالنسيج الثقافى العمانى بالغ التميز والامتزاج، بين»الباغ» الكلمة الفارسية بمعنى «بستان»، و»دلشاد»الكلمة البلشية بمعنى «القلب الفرح»، هل إشهار هذا التنوع الثقافى عبر عتبة العنوان له دلالة خاصة فى مشروعك الأدبي؟
- فى الحقيقة هو بالفعل تأكيد على التنوع الثقافي، بالخصوص فى مسقط التاريخية، حيث تنوع الأجناس فى أشدها من البلوش والعرب والهنود والأفارقة وغيرهم، لذلك استخدمت الكلمات التى دخلت إلى لغتنا العربية بشكل يشبه ما نعايشه فى عمان، فهى كلمات متداولة فى حياتنا اليومية.

كيف ترين الرواية التاريخية من وجهة نظرك، هل هى سرد روائى للتاريخ، أم محاولة لقراءة الواقع عبر الماضي؟
- كل كاتب له غايته من الكتابة، بغض النظر عن نوعية الكتابة، بالنسبة إلى الكتابة التاريخية ليست فقط محاولة نبش فى التاريخ أوإعادة صياغته، فليس هذا هو هدفى الأساسي، بقدر محاولتى لفهم مجتمع الحاضر، وكيف تَكَّون هذا الإرث الاجتماعي، وكيف بنيت تلك النفسية، ما المحركات ومن أين بدأت، رجوعى إلى بدايات القرن العشرين محاولة لفهم الانسان العمانى الآن.

ومع هذا فهى ليست رغبة فى الإسقاط، وإن كان الإسقاط يجوز أدبيًا بالتأكيد، لكن بالنسبة إلى هى محاولة فهم حقيقية، أنا أحاول أن أفهم مجتمعى الآنى من خلال تراكماته التاريخية.
فى نهاية الرواية مع الحرب العالمية الثانية وظهور جيل يتطلع إلى العلم والسفر من أجل التعليم لا من أجل التجارة، كما فعل أجدادهم، وفتاة تتعلم الكتابة على عكس العادات والتقاليد، فهل الختام جاء بمثابة تنبؤ بتغيرات اجتماعية حدثت بعد ذلك؟


- فى الحقيقة بداية التطور هذا كان بسبب رغبة الأم «مريم» فى التعليم، والتغيير، وإصرارها على تعليم ابنتها «فريدة» الكتابة رغم العادات والتقاليد، كان لأسباب نفعية تخص الأم، حيث كانت ترغب فى مساعدة ابنتها لها فى التجارة دون الاحتياج لغرباء بينما كانت الأسباب عند الابنة «فريدة» مختلفة، وهذا فيه وشاية على التحولات التى ستجرى على فريدة ومريم فى الجزء الثانى من الرواية.


 للنساء حضور قوى فى روايتك كأنهن عمود الخيمة التى عبرت مسقط من خلال قوتهن أيام الجوع فى بداية القرن، فهل المرأة العمانية ما زالت جزءًا قويًا فى تشكيل الثقافة العمانية؟
كان لى حظ كبير، لأنه كانت هناك مدارس للبنات، كذلك النساء العمانيات العائدات من المهجر فى الخليج جئن بشهادتهن وساهمن فى تعليم المرأة، حتى الأمهات فى البيوت التحقن بمؤسسات تعليم الكبار.

وهكذا بدأت المرأة العمانية القوية والطموحة فى التعلم، بالتالى صار لها حضورها الاجتماعى كقوى عاملة بجانب قوتها كمربية، تعليم المرأة عنصر مهم وأساسى ومقاربتى له فى الرواية تأكيد على دور المرأة فى المجتمع العماني، وتأثيرها فى انتقاله من الفقر إلى الوضع الحالى الذى نحن فيه.


كيف كان للروائيات العمانيات هذا الحضور العربى والعالمى رغم طبيعة المجتمع المحافظ إن جاز التعبير؟
- النساء فى كل مكان، حتى فى المجتمعات غير المحافظة بالتأكيد معاناتهن أكبر، هناك صعوبة فى كونك تقومين بعدة أدوار، كسيدة بيت وأم وكاتبة، كل هذا يجعل حمل الكتابة ليس بهينٍ، مع ذلك حين يمارس بحب ويصبح وجعًا وشغفًا يصبح الأمر مختلفًا، لأن الكتابة تصير مأمنًا وملجأ من كل الأشياء الأخرى، مع كل التحديات التى قد نواجهها.


لماذا تأخر تواجد الرواية العمانية تحديدًا فى الثقافة العربية عمومًا؟
- التواصل مع الآخر والإشهار والحضور فى الوسائل الثقافية المختلفة سواء المسموع أو المرئى أو المكتوب، ربما كان هناك تأخر فى التواجد إعلاميًا، لكن الانتاج الروائى موجود، فوز جوخة الحارث بالبوكر العالمية.

ووصولى إلى البوكر العربية ربما أحدث نوعًا من التواصل معنا أو مع كتابتنا بالأحرى، لكن الإنتاج الأدبى العمانى بشقيه السردى والشعرى حاضر وستصل أصواتنا أكثر وأكثر فى قوائم الجوائز، وإن كان هذا ليس معيارًا بالنسبة إلي، فهى طريقة واحدة من طرق التواجد، وأثق بأن السرد العمانى سيجد طريقه بأساليب مختلفة للانتشار فى العالم العربى وفى العالم بأسره.
اقرأ ايضا | مسلمون وأيديولوجيات.. النازية والإسلام وخطابات الحرب العالمية الثانية