مسلمون وأيديولوجيات.. النازية والإسلام وخطابات الحرب العالمية الثانية

مسلمون وأيديولوجيات: النازية والإسلام وخطابات  الحرب العالمية الثانية
مسلمون وأيديولوجيات: النازية والإسلام وخطابات الحرب العالمية الثانية

بقلم : على علاء

لم تكن الجهود الحربية وما نتج عنها من خسائر داخل القوات النازية السبب الوحيد وراء عمليات تجنيد المسلمين فى الفيالق العسكرية بل لعبت الرؤية العرقية دورا مهما خاصة مع تنامى القلق النازى تجاه الهويات القومية كالسلاف الروس فى المقابل جاء انضمام المسلمين من اجل دوافع أخرى ليس من بينها الطابع الدينى

للتاريخ سرديتان: الأولى متعلقة بالحدث، والأخرى بالذاكرة، وإذا تكلمنا عن الحرب العالمية الثانية فالتركيز الأوروبى يتمحور حول الهولوكست واليهود مع إغفال أى جماعات آخري، لكن ما يقدمه ديفيد معتدل فى كتابه (فى سبيل الله والفوهرر) هو دحض التصورات الأوروبية والتى أهملت تاريخ المسلمين فى وقت تتنامى فيه الرؤى اليمينة المتطرفة التى تراهم مجرد هويات دخيلة على المسرح الأوروبي، ولا يركز الكتاب فقط على الجوانب الأيديولوجية للنازية، وإنما نجد أنفسنا أمام جهاز بيروقراطى كفء ساهم فى إنتاج، وإدارة مجمل الرؤى الإسلامية سواء فى العالم العربى أو الجبهات الشرقية للاتحاد السوفيتى كالقرم والقوقاز.

خبراء ومستشرقون
يُرجع ديفيد معتدل الرؤية الألمانية تجاه الإسلام  إلى مستعمراتها الإفريقية بواسطة هيكلها السياسى المعتمد على الوكلاء المسلمين، ومع تزايد الصراع الاستعمارى الأوروبى غدا العالم الإسلامى بالنسبة لألمانيا القيصرية منطقة هامة ما تطلب إنتاج معرفة فى سياق مؤسسى لهذا لعب الاستشراق دوراً فى توجيه السياسات الالمانية خاصة مع انكفاء الاستشراق الألمانى فى القرن التاسع عشر على الدراسات القرآنية فى غياب الإسلام  كبعد معيش(1)، ومع إنشاء المعهد الكولونيالى، كرسى الدراسات الإسلامية عام 1908 وعلى رأسه (كارل بيكر) الذى بحث مع (مارتن هارتمان)، و(ديتريتش فيسترمان) سبل الاستفادة من الإسلام، وأثره على السياسة الألمانية.


بقيام الحرب العالمية الأولى ساهم الثلاثى (إرنست جيك، وبيكر وهارتمان) فى صياغة الأهداف المتوقعة من إعلان الجهاد إذا ما دخلت الدولة العثمانية الحرب، وهو ما تحقق بالفعل فى نوفمبرعام 1914 على يد شيخ الإسلام (مصطفى خيري) من خلال اللعب على كراهية المستعمرات للسيطرة البريطانية والفرنسية (قوات الوفاق) ما سيسمح بتقويض نفوذهما داخل مستعمراتهما، وشغلهما عن جبهات الحرب الأوروبية بينما يمثل الجهاد للدولة العثمانية مُنطلقاً من أجل صياغة أهدافها السياسية الخارجية، والحفاظ على وحدة أراضيها.


فى الوقت ذاته لعبت وزارة الخارجية دوراً من خلال مكتب استخبارات الشرق فى رسم  المبادىء العامة الموجهة للعالم الإسلامى ما تطلب هيكلاً من المتعاونين الإسلاميين كالشيخ المصرى عبد العزيز جاويش، والفقيه التونسى صالح الدين التونسى، أما داخل المعسكرات  تحول الأسرى المسلمون من (قوات الوفاق) إلى بنية معرفية يُعاد تشكيلها وفقاً للتلقين الأيدولوجى سواء المطبوع كجريدة الجهاد أو الخطابى على يد جان إدريس الذى لعب دوراً فى تجنيد بعض الأسرى من معسكر فنسدورف، وإرسالهم للجيش العثمانى. 


انطلقت ردود الفعل العربية حيال مشروع التعبئة الجهادية من موقف الرفض نظراً للسياسات العثمانية ضد التنوع العربى، وليس لتوجيهات حركة تركيا الفتاة العلمانية فقط كما أشار (معتدل) فى المقابل أدركت (قوى الوفاق) حاجتها الى اللعب على التوتر التاريخى بين الترك والعرب ما تمخض عنه الثورة العربية عام 1916 بقيادة الشريف حسين، وصبغتها الدينية، وبالتالى فقدت الخلافة أى مسوغ دينى لأهدافها.


مؤسسات وايدولوجيات
لا يرسم لنا معتدل فى الفصل الثانى مجرد تصورات النازى تجاه الإسلام  بل نجد أنفسنا داخل مؤسسات الاستثناء النازية، ونقاشاتها التى دارت حول الاستخدام الأمثل للإسلام، وهل انتهجت ألمانيا النازية فى سبيل الحرب رؤية إسلامية موحدة أم رؤى إسلامية متنوعة وفقاً لمقتضيات الحرب؟ بالإضافة إلى ذلك يدرس (معتدل) وبعناية شديدة دور مفتى القدس أمين الحسينى فى السردية النازية.

تضعنا سيرة الحسينى أمام تساؤل نحتاج الإجابة عليه مستقبلا: كيف استفادت المرويات الصهيونية والعربية من دور أمين الحسينى خاصة مع تنامى الصراع العربى/ الإسرائيلى وصعود القوميات العربية الثورية؟
ظلت التساؤلات تطارد صناع القرار داخل  أجهزة الاستثناء النازية حول الاستخدام الأمثل للإسلام، ومنها: هل ننطلق من أرضية قومية أم دينية محضة؟، وهو انعكاس واضح لما تعيشه النازية من رؤية اختزالية خاصة أن التلاقى النازى الإسلامى اعتمد على فكرة استلهام العدو الموحد (اليهود و الإمبريالية البريطانية والفرنسية) لمسلمى العرب، و(البلاشفة) لمسلمى الاتحاد السوفيتى. أى إسلام مختزل من جهة، وتماشياً مع حلفائها (لن توافق ألمانيا على شروط أمين الحسينى العروبية تحاشياً لاستثارة حليفتها حكومة فيشى الفرنسية) من جهة أخرى؛ لأن النازية لا تحارب الإمبريالية، وإنما تريد إدراجها ضمن منظومة عرقية بالأساس.


تُركز رواية معتدل على الجهود التقريبية بين الإسلام  والنازية داخل ألمانيا النازية وأبرزها: محاولة محمد صبرى وكتابه (الإسلام واليهودية والبلشفية ) لإيجاد تشابهات مشتركة بين النازية والإسلام تدور حول الإرث المشترك لقتال اليهود، وتستبعد وجود آراء من داخل العالم العربى تابعت القلق من التمازج النازى الإسلامى، وهنا نشير لمقال (محمد كمال حبيب):
أعلن الهر جوبلز وزير الدعاية فى الريخ أن خمسة وعشرين ألفاً من الألمان سيعتنقون الإسلام، والمسلمون فى أقطار الأرض يغتبطون أن يهتدى الى دينهم هذا العدد الضخم من أعداء السامية، ولكن إعلان هذا الخبر على لسان وزير الدعاية النازية يشككنا فى إيمان هؤلاء الأخوة، وقد علمنا نابوليون وفلبى لورنس أن اعتناق الإسلام  قد يكون فى بعض الأحيان أقصر الطرق إلى الغاية الاستعمارية.على أن المسلمين اليوم أنفذ بصيرة وأصح تمييزاً من أن تدخل عليهم هذه الحيل المكشوفة، فهم يعتزون بوطنهم كما يعتزون بعقيدتهم، وهم مصممون على أن يدفعوا عن وطنهم كل دخيل طامع، كما يدفعون عن دينهم كل عابث خادع(2).


إذاعات ودعاية
يقرأ معتدل فى القسم الثانى الجهود النازية على جبهات الحرب خاصة أنها ركزت بشكل أساسى على الجبهات الشرقية للاتحاد السوفيتى، وليست المنطقة العربية وهناك دلائل منها:توقيع معاهدة الهعفراه بين ألمانيا النازية والوكالة اليهودية عام 1932 والسماح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وإخفاقات الحليف الإيطالى كما ذكرنا سابقا تؤكد أن التوجه للعالم العربى جاء وفقاً لظروف الحرب، وليست بناءً على تخطيط مسبق ما احتاج إلى تطوير مختلف أليات النازية الدعائية من التنوع البصرى، واللغة الدارجة؛ لسهولة توصيل الأفكار النازية فى المنشورات الملقاة خلف خطوط العدو،ومسلمى المستعمرات الفرنسية، والتلاعب بالدعاية المادية المُشكلة من تمائم ورموز نازية كالصليب المعقوف، والاستعانة بالإذاعة ما سينشر الرؤية النازية عند طيف كبير من الناس.


تتشكل الإنتاجية الإسلامية فى الحرب العالمية الثانية من خلال ثلاث رؤى: النازية تليها الرؤية داخل العالم العربى ومسلمى الجبهات، والحشد المضاد لقوى الحلفاء، ويحضر المسلم  فى هذا التسلسل باعتباره ذاتاً تجهل أعداءها، ويجرى حشدها فى سياق الحرب العالمية الثانية من خلال التركيز على الممارسات القمعية لأطراف الحرب المختلفة ماتطلب القيام بدعاية تاريخية من جانب قوات المحور التى تستجمع آثار الماضى الإسلامى (قتال اليهود من قبل النبى محمد)، ومأساة الحاضر القابع تحت سيطرة قوات الحلفاء من تدنيس المقدسات، وقمعها للممارسات الدينية بينما تركز بروباغندا الحلفاء على اللغة السوقية، والاتجاه العنصرى للدعاية النازية، ونظرتها التحقيرية للعرب. 


لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد حرب كما هو التصور الشائع، وإنما متحف تاريخى يُستدعى فيه التاريخ باعتباره تأويلا حربيا، وبطوليا من جانب القوى الأوروبية كما رأى هتلر فى الإسلام،ويغيب المسلم كذات ويحضر كصورة يتم تخطيطها وفقاً للدعاية الأوروبية.


فشلت البروباغندا النازية المطبوعة فى اجتذاب داعمين من العرب نظراً للكثافة السكانية التى عانت من الأمية، ولم تحقق الإذاعة نجاحاً بالشكل المأمول نظراً للأعداد القليلة التى امتلكت أجهزة المذياع  بالإضافة إلى اللغة الاشمئزازية التى عبر عنها المحتوى الإذاعى هذا على مستوى السكان.


فى المقابل تباينت آراء المؤسسات والحركات الدينية سواء الرسمية أو الإحيائية: ففى النموذج الإيرانى انقسمت حوزاتها  بين تيار يعارض النازية، ويدعو لقيام نظام إسلامى كالملا الشاب آية الله الخمينى وهجومه على النازية والدعوة إلى نظام إسلامى، وتيار ينظر إلى الأيديولوجيا النازية باعتبارها دعوة مضادة للإمبريالية وعلى رأسه آية الله الكاشانى فى مقابل الدعوة للسكون السياسى من قبل المؤسسة الفقهية الرسمية كآية الله بروجردى بينما اكتفت المؤسسات الدينية المصرية كالافتاء والأزهر بالحياد، وأتى دعم الاخوان المسلمين للنازية من منطلق عدائى رافض للحياة السياسية، والديمقراطية أما الموقف المغاربى فتشكلت أسسه من التجاوزات الوحشية للحليف الإيطالى فى ليبيا فى وقت يحافظ فيه  العاهل المغربى على البعد الديموغرافى اليهودى، وهو مكون هام  فى التركيبة المغربية ضد توجهات فيشى الموالية للنازية.


لجان وفيالق
يتتبع معتدل فى الفصل الرابع والخامس الرؤية النازية تجاه الإسلام من خلال قراءة مجمل التطورات الداخلية فى الجبهات الشرقية للاتحاد السوفيتى (القوقاز والقرم)، والبلقان التى خضعت لسيطرة المؤسسات العسكرية ما احتاج خطابا إسلاميا يقوم على استيعاب المسلمين فى هياكل عسكرية بالأساس، والعمل على تجنيدهم فيما سمى بالفيالق الشرقية.


وضعت الخطط الألمانية تجاه القرم من منظور الألمنة لكن مجريات الحرب خاصة بين عامى 1941 / 1942 أدت بطبيعة الحال إلى تغير فى الرؤى الألمانية، والتفكير فى ايجاد حلفاء لحماية مؤخرة الجيش هنا برز التوجه نحو المسلمين خاصة لميراثهم التاريخى فى قتال الدولة السوفيتية بالإضافة إلى اللغة الدينية التى تستبعد النظر إلى الجماعات من منظور قومى، وهى رؤية تتلاءم مع توجه ألمانيا بشكل عام.


توجهت البروباغندا النازية حول صورة المحرر للإسلام باستعادة الأعياد الدينية التى منعت سابقاً فى العهد البلشفى هنا يتمازج الإحياء الدينى والضبط الاجتماعى فالأعياد لم تكن ممارسة دينية فقط، وإنما إحيائية لماضى الجماعة المسلمة، واستعادة ملامحها الطقوسية ما يسمح بالحفاظ على التوازن الاجتماعى المراد تنظيمه من النازية.


ركزت الجهود النازية تجاه تتر القرم على استيعاب المسلمين ضمن هيراركية عسكرية الغرض منها: الحفاظ على الامور فى القرم والقوقاز هنا برزت اللجان المحمدية ضمن هيكلية إدارية شديدة التعقيد والمركزية لا تقوم على ادارة ومراقبة  شئون السكان بل تطور الامر لانتاج رؤية اسلامية نازية ما جعل الإسلام  خاضعاً لتنظيم كنسى يعمل على إدارة التوجهات النازية، ومراقبة المتعاونين معها، ورغم هذه المأسسة إلا أنها واجهت فى أوقات كثيرة اختراقات من التوجهات القومية التترية على رأسها أحمد أوزنباشلى ما تطلب وقفها.


هدفت الرؤية النازية الإسلامية فى الجبهات الشرقية إلى تحقيق الهدوء والاستقرار ثم تطور الأمر إلى استيعاب الشؤون الدينية والسكانية داخل هياكل بيروقراطية أشبه بتنظيمات كنسية لكن ما أوضحه معتدل يعكس محاولات السكان المحليين فى تطويع المؤسسات النازية لتحقيق آمالهم، وطموحاتهم سواء من الناحية القومية كنموذج أحمد أوزنباشلى أو المطالب الدينية من خلال قراءة التماسات السكان التى عكست التعنت الواقع عليهم من النازيين، والمطالبة بإنشاء دار للافتاء لكن التعامل اليومى للجنود النازيين مع السكان المسلمين اتسم بالعنصرية ما أوجد قطيعة بين الأوامر العسكرية، والاحتكاك اليومى بعالم المسلمين بالإضافة إلى التعارض الذى نشأ بين وزارة الخارجية والمؤسسات العسكرية خاصة فى منطقة أوستلاند ومسلميها من الأقليات التترية فى بولندا وليتوانيا الواقعة تحت سيطرة وزارة الخارجية التى سمحت لهم بتأسيس دار للافتاء برئاسة يعقوب شينكييتش .


كانت أسس الرؤية النازية فى البلقان متمحورة حول  تفكيك مملكة يوغوسلافيا فى الوقت الذى وقع فيه المسلمون تحت سيطرة نظام الأوستاشا وميليشياته ما جعلهم مجرد أدوات للعنف المتبادل بينه، وبين بارتيزان يوسيب تيتو الشيوعى و جماعات التشيتنيك الأرثوذكسية .


إن الرؤية الإسلامية تعنى موضعة السكان المسلمين ضمن سياق هوياتى ما أحدث تعارضاً داخل البنى النازية عندما رفض حليف الأوستاشا زيغفريد كاشه (المفوض الألمانى إلى زغرب) تسييس الهوية الدينية ما يعنى تقويض نظام قومى الأمر الذى غضبت منه الأوستاشا، والحلفاء الطليان لاحقاً خاصة مع جولات أمين الحسينى ما تطلب إعادة صياغة للبروباغندا النازية بالتركيز على الدور الإمبريالى البريطانى والسوفيتى والمجازر التى يقيمها بارتيزان تيتو فى قرى المسلمون.


اعتمد التنظيم المؤسسى للأمور الدينية قبل مجىء النازى على تراتبية شديدة المركزية أسستها مملكة الهابسبورغ عام 1882 لكن ما احتاج الألمان إليه التواصل الفعلى مع الزعامات الدينية، وفى هذه النقطة تحديدا لنا وقفة: إن التنظيم الهابسبورغى ساهم فى وضع إشكالى تتمحورحوله تيارات متجذرة داخل المؤسسات الدينية ما جعل الأفق الاجتماعى هو الغالب عليها فى غياب الفعل السياسى ما يجعل  السلطة ترى فى التوجهات التقليدية وسيلة جيدة لمد تحالفاتها إلى هؤلاء من أجل استقرار الأمور ولنا فى نموذجى فهيم سباهو / محمد الخانجى رؤية كاشفة خاصة جهود الأول التقليدية التى نادت بفرض للحجاب، وحظر البغاء بينما دارت الرؤية السياسة للخانجى حول رؤية استقلالية للمسلمين بالاعتماد على النازيين، ورغم فشل الأمر إلا أن (على عزت بيغوفيتش) سيحققه فى عام 1990.

لم تكن الجهود الحربية وما نتج عنها من خسائر داخل القوات النازية السبب الوحيد وراء عمليات تجنيد المسلمين فى الفيالق العسكرية بل لعبت الرؤية العرقية دورا مهما خاصة مع تنامى القلق النازى تجاه الهويات القومية كالسلاف الروس فى المقابل جاء انضمام المسلمين من اجل دوافع أخرى ليس من بينها الطابع الدينى


ساهم الحيز النازى فى تكثيف التناقضات داخل بنية مملكة يوغوسلافيا عن طريق التسييس العنيف للهويات الدينية، وعلى رأسها مسلمو البلقان واستيعابهم فى تنظيمات عسكرية ما أدخلهم مجالاً سياسياً تتصارع هوياته القومية كانت نتيجته عنفاً متزايداً تجاه المسلمين هنا نستطيع القول بوضوح إن موضعه جماعة ما سواء أكانت دينية أو سياسية فى بنية متناقضة التشكيل يعنى بشكل أو بآخر تكثيف العنف كأداة سياسية فى المقام الأول ما وضع التنظيم السكنى للمسلمين فى مأزق حاولوا الهروب منه بعمليات الهجرة، وتأسيس هياكل عسكرية، وهو ما تحقق فعليا بتأسيس الكوادر الأخضر، والانضمام لبرتيزان تيتو ما شكل فشلاً ذريعاً للتعبئة النازية الإسلامية هنا تمأسست الفوضى كنظام، وليست لحظة ما تطلب إثبات الوجه النازى بعمليات قتل للمسلمين، وقراهم؛ انتقاماً منهم للانضمام للبارتيزان.


مجندون وشعائر
يضعنا معتدل فى القسم الثالث المتعلق بأحوال المسلمين فى السردية العسكرية ما احتاج لإنتاج رؤية حياتية  دور حول أنماط تعايش المسلمين وحياتهم، والعمل على بلورة سلوكياتهم اخل مؤسسات الاستثناء بالإضافة إلى رؤية المسلمين لمجمل التطورات الحربية، وهل كان الانضمام للنازيين من منطلق دينى كما يعتقد البعض أم لدوافع أخرى؟ 
لم تكن الجهود الحربية وما نتج عنها من خسائر داخل القوات النازية السبب الوحيد وراء عمليات تجنيد المسلمين فى الفيالق العسكرية بل لعبت الرؤية العرقية دورا مهما خاصة مع تنامى القلق النازى تجاه الهويات القومية كالسلاف الروس فى المقابل جاء انضمام المسلمين من اجل دوافع أخرى ليس من بينها الطابع الدينى رغم ما روجت له الدعايا النازية، وإنما ارتكزت على دوافع دنيوية بالأساس كالدفاع عن عائلاتهم فى نموذج البلقان أو البقاء على قيد الحياة بتوفير المال والمعون.


أتى الأداء العسكرى النازى فى ميادين القتال مغايراً ومتنوعا حيث التفوق لقوات تتر القرم بينما اتسم الفيلق العربى بقيادة هلموت فيلمى بالكارثية من حيث الأعداد المنضمة أو الأداء العسكرى، وبالرغم من الحرية الشعائرية التى مُنحت للمسلمين إلا أنها لم تأت فى سياق ليبرالى، وإنما من أجل السيطرة الانضباطية، ومراقبة المسلمين.  


جرى تهميش واقع المسلمين الأوروبى داخل سياقاتنا العربية من خلال بعض التصورات الأوروبية التى تراهم مجرد هويات خارج التاريخ تحضر فى السردية الأوروبية إما على قوارب الهجرة أو التفجيرات الإرهابية هذا على الصعيد السياسى لكن الصورة الاستشراقية الغربية رغم جهودها المعرفية إلا أنها فى أوقات كثيرة تغفل بشكل كبير التركيبات المجتمعية داخل الأوساط الإسلامية، وهو تصور دحضه ديفيد معتدل بإبراز التنوع الإسلامى، وكيفية قراءة الحرب من منظور القوى الأوروبية ثم دوافع المسلمين أنفسهم، والتى لم تكن دينية كما ذكرنا.

اقرأ ايضا | أحمد أوميت: لا مثقف يعيش في قصر زجاجي| حوار

 

الكتاب: فى سبيل الله والفوهرر 
المؤلف: ديفيد معتدل
الناشر : مدرات الأبحاث والنشر

المراجع
1- يوسف كرباج وآخرون، تأملات فى الشرق: تقاليد الاستشراق الفرنسى والألمانى وحاضره، ترجمة: عدنان حسن، محمد صبح، قدمس للنشر والتوزيع، ط1، 2006،ص 49.
2- كمال محمود حبيب (الإسلام و الدعاية النازية)، الرسالة، 10/ 4/ 1939.