كنوز| أنت سيد قرارك

صلاح منتصر
صلاح منتصر

غادرنا الكاتب الكبير صلاح منتصر إلى الرفيق الأعلى، ودعنا أحد أبرز نجوم بلاط صاحبة الجلالة الصحافة الذى عمل فى «آخر ساعة» وانتقل منها مع محمد حسنين هيكل إلى مؤسسة «الأهرام» التى خرج منها جثمانه، ستبقى مقالاته نبراسا لشباب الصحفيين أكثر من المناصب القيادية التى تولاها، ومن أهم تلك المقالات الحملة التى بدأها فى فبراير 1983 فى عمود «مجرد رأى» تحت عنوان «أنت سيد قرارك» للإقلاع عن التدخين لما فيه من أضرار صحية ونفسية ومادية للمدخن ومن حوله، وتمت إضافة مقال منها لمقرر اللغة العربية فى الصف الثالث السنوى لأهميته، وقال فيه: 

«أنتَ سيِّدُ قرارِك.. فبكلمةٍ منكَ تستطيعُ أن تخرجَ من هذا السجنِ اللَّعينِ الذى أصبَحْتَ فيه عبدًا للسيجارةِ، وحقلاً خصبًا لكلِّ الكوارثِ والمصائبِ التى تفعَلُها فى صدرِكَ وقلبِكَ وضغطِكَ ومفاصِلِكَ وأعصابِكَ، وأنا أعرفُ مدخِّنينَ معاندينَ يُصِرُّونَ على هذه العادةِ السيئةِ. 

وهناكَ مدخنونَ يتمنَّوْنَ أنْ يأتيَ اليومُ الذى يستطيعونَ فيه التخَلُّصَ منَ السيجارةِ ، ولكنَّهم فى حاجةٍ إلى مَنْ يساعِدُهُم، ويشَجِّعُهُم ويدُلُّهُم على هذه الوسيلةِ التى يحقِّقونَ بها أمَلَهم، هؤلاءِ المدخنونَ يعتقدونَ أنَّ الامتناعَ عنِ التدخينِ مستحيلٌ! 

ولكنَّنا نقولُ لهم: إنَّ مئاتِ الآلافِ استطاعوا أن يفعلوا ما يحلُمونَ هم بتحقيقِهِ، وهو ما يعنى أنَّ الامتناعَ عنِ التدخينِ قد يكونُ صعبًا، ولكنَّهُ ليسَ مستحيلاً، والصعوبةُ الأولى فى أنْ تتَّخِذَ القرارَ، وأن تبدأَ تنفيذَه، وأنْ تُصِرَّ على التنفيذِ، والصعوبةُ الثانيةُ أنْ تعرفَ أنَّ أيَّ متاعبَ تشعرُ بها فى الأيامِ الأولَى للامتناعِ عنِ التدخينِ؛ لا تُقاسُ بحجمِ المكاسبِ الصحيةِ، والماديةِ، والنفسيةِ التى تحقِّقُها إذا استطَعْتَ الصبرَ والتصميمَ. وأنتَ فى حاجةٍ إلى أَنْ تَكْرَهَ السيجارةَ بأنْ تنظرَ إلى أصابعِكَ إذا لم تغسِلْها من آثارِ النيكوتينِ، وأنْ تتصوَّرَ منظرَ رئتَيْكَ.

وأن تحاولَ أنْ تجريَ مائةَ مترٍ فقطْ وتسألَ نفْسَكَ: هل يمكنُ لشابٍّ فى مثل سِنِّكَ ألاَّ يستطيعَ ذلكَ؟ وأنْ تستعيدَ شريطَ كلِّ الذينَ عرفتَهُمْ وكانوا يدخِّنونَ، كيفَ رأيتَهم بعدَ ذلكَ فى أَسِرَّةِ المرض ِ؟.. فإذا لَمْ يكنْ من أجلِكَ، فلْيَكُنْ من أجلِ أولادِكَ، وإذا لم يَكُنْ من أجلِ صحَّتِكَ؛ فمِنْ أجلِ أموالِكَ.

ابدأْ معنا وامتنعْ عنِ السيجارةِ، اكتبْ شهادةَ ميلادٍ جديدةً لحياةٍ جديدةٍ عنوانُها «الصحةُ والنظافةُ والجمالُ»، أنتَ وحدَكَ سيِّدُ قرارِكَ، ولَنْ تكسِبَ أيَّ شَيْءٍ إذا لم تكترث بدعوَتِنا وأعطَيْتَنا ظهرَكَ، ولَنْ نخسَرَ نحنُ شيئًا، ولكنَّكَ أنت الذى ستخسَرُ، أما إذا جِئْتَ معنا فسوفَ تكسِبُ الكثيرَ». 

وكتب مقالا آخر يقول فيه: «التدخين سم قاتل ببطء، عقوبة مؤجلة ستدفع ثمنها بعد أن ينهش الدخان قلبك ورئتيك وكل أجهزتك السليمة، التدخين هو السلعة الوحيدة التى يقبض منتجها ثمنها ويقول إنها ستقتلك، فمن أنت حتى تكابر وتعاند وتتصور أنك شمشون زمانك، فكل الذين استكبروا على التدخين اكتووا بنيران أمراضه مؤخرا فلماذا تنتظر ولا تنقذ نفسك وأولادك وكل المحيطين بك؟ لماذا لا تلعن «أبو» هذه السيجارة وتخرج من سجنها؟

هذا السجن الذى تلوث به صدرك وأعصابك وجيوبك وأنفك وأسنانك وقلبك ووجهك وأصابعك وعينيك؟ لماذا لا تجرب حياة أخرى أنظف وأصح؟

حياة تستطيع أن تصعد فيها درجات السلالم على قدميك دون أن تلهث، وأن تملأ صدرك بالهواء النقى دون أن تسعل، وأن تعرف طعم الأكل والحياة، ولا يصاب الآخرون بالقرف منك بسبب الرائحة الكريهة التى تطل بها عليهم بسبب التدخين». 

>>> رحم الله كاتبنا الكبير، صدق فى كل كلمة كتبها، ربنا يسكنه الجنة . 
 

إقرأ أيضاً|كنوز | التحرش في زمن بيرم التونسي