في رثاء صوت المقاومة «أبو عاقلة».. روحك راحت يا شيرين .. روحك راحت لفلسطين

فى موقع الأحداث
فى موقع الأحداث

كتب: خالد حمزة

رحلت الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، بعد إصابتها برصاصة في الرأس، أودت بحياتها خلال تغطيتها اقتحام القوات الإسرائيلية لمدينة جنين في حدث هز العالم كله، وعلى حسابها على تويتر، كانت آخر «تغريدة» لها، قبل أقل من أسبوع من مقتلها، حيث نشرت صورة لامرأة تدعى «أم كريم»، وهى امرأة مسنة كانت بانتظار خروج ابنها الأسير منذ 39 عاما، لكنها توفيت قبل خروجه بـ8 أشهر فقط، وجاءت أغلب التعليقات على الصورة، متحدثة عن مقتل أبوعاقلة، كونه «المنشور الأخير» لها على حسابها فى تويتر، الذى يتابعه نحو 85 ألف شخص.

على مدى 25 عاما كانت تنقل الأخبار من داخل فلسطين للعالم، وهذه المرة كانت هى الخبر، كانت أبو عاقلة على مدار ربع قرن فى قلب الخطر، لتغطية حروب وهجمات وانتهاكات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

هى من الصفوف الأولى من المراسلين الميدانيين العرب، ويعود أصلها إلى مدينة بيت لحم، ولكنها ولدت فى القدس عام 1971، وأنهت دراستها الثانوية بمدرسة راهبات فى بيت حنينا، درست الهندسة المعمارية فى جامعة العلوم والتكنولوجيا فى الأردن، ثم انتقلت إلى تخصُّص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك فى الأردن، وعادت بعد التخرج إلى فلسطين، وعملت فى عدة مواقع مثل وكالة الأونروا وإذاعة صوت فلسطين وقناة عمان الفضائية وإذاعة مونت كارلو، ثم انتقلت للعمل مع قناة الجزيرة الفضائية 1997.

لم تتزوج، بل كرست حياتها كلها للقضية الفلسطينية ولعملها الشاق، وفى حديث لها قالت إن الاحتلال الإسرائيلى دائماً ما يتهمها بتصوير مناطق أمنية. وأنها كانت دائماً تشعر بأنها مستهدَفة، وفى مواجهة جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين الذين توعدوها بالقتل أكثر من مرة، ورغم ذلك، نضطر إلى التواجد فى أماكن فى غاية الخطورة، وأحياناً نتأخر إلى ما بعد منتصف الليل وإلى ساعات الصباح الأولى، وأحياناً تجبرنا الظروف غير الطبيعية فى فلسطين على المبيت خارج منازلنا لعدد غير معلوم من الأيام.

شعرت بخطر يتهدد حياتها لأكثر من مرة، تتذكر منها حادثة بيت جالا، وعنها تقول: «كنا فى بيت جالا وبينما كنا نمارس عملنا المعتاد، تحركت إحدى الدبابات بسرعة كبيرة باتجاهى وعدد آخر من الصحفيين، مما أجبرنا على القفز داخل حفرة كبيرة بين بنايتين سكنيتين، ولم ندر ما كان سيحل بنا لو لم تكن مثل هذه الحفرة موجودة، يومها أصبت بشرخ فى رأسى، فى حين أصيب آخرون بكسور فى أيديهم أو أقدامهم، وفى أقل الحالات تضرراً. اقتصر الأمر على خدوش متفرقة، كانوا يقصدون قتلنا أو إيذاءنا، رغم أنهم يدركون تماماً أننا صحفيون، ونرتدى السترات الواقية والخوذ التى يستخدمها المراسلون الصحفيون، فى زمن الحرب أو النزاعات كما فى فلسطين، شعرت فى لحظة ما أننى أشارف على الموت،  كل ما هو عادى ومألوف خارج فلسطين، ليس عادياً داخلها مع وجود الاحتلال، وبحكم عملى فى الأراضى المحتلة، كنت لا أتمكن من السفر كثيراً، ولكن منذ اندلاع الانتفاضة بت أحب السفر أكثر، ليس هروباً بل للعيش كباقى البشر ولو لبضعة أيام، أخرج وقتما أشاء وأينما أشاء دون احتلال، يجثم فوق صدرى».

اقرأ أيضاً | شيرين أبو عاقلة.. عروس فلسطين تزف إلى السماء

كان لشيرين زيارة إلى مخيم جنين فى مارس 2002 ، أى قبل تدميره بعد شهر من ذلك التاريخ، وفى مايو من العام نفسه، قامت بزيارة أخرى لتغطية خبر زيارة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات للمخيم، تقول: «فى الحقيقة كانت الأمور فى غاية الصعوبة، يصعب على التعبير عنها بالكلمات، بت أبحث عن المنازل التى زرتها وعن الأشخاص الذين قابلتهم فى الزيارة الأولى، لكن عبثاً فخارطة المكان اختلفت كليا، كما أن الكثير من هؤلاء الشخوص إما استشهدوا أو جرحوا، أو كان لا يزال مصيرهم مجهولاً».

أبو عاقلة​، كانت وجهًا معروفًا في العالم العربى لمدة 25 عاما، ​صنعت اسمها وسط الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عام 2000، قضت وقتا فى الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت صغيرة، وحصلت على الجنسية الأمريكية عـــــــبر عائلة والدتهــــا، التـى كانت تعيش فى نيوجيرسي، وكان من الممكن أن تعيش وتعمل هناك، ولكنها اختارت أن تعيش فى رام الله والقدس مع شقيقها وعائلته. بمن فيها ابنتاه وابنه، الذين كرست حياتها لهم كما يقول ابن عمها. وأرسلتها الجزيرة إلى الولايات المتحدة للعمل، ولكنها عادت إلى رام الله بعد 3 أشهر، وعندما عادت قالت: لاأستطيع التنفس رغم أن الحياة هناك سهلة، ولكننى أحب فلسطين وأريد البقاء والموت هنا.

سُئلت ذات مرة إن كانت تخاف من إطلاق النار عليها؟ فقالت: (طبعا أنا خائفة)، لكن فى لحظة ما أنسى هذا الخوف، ولكننى لا أرمى بنفسى نحو الموت، أحاول العثور على مكان أقف فيه، وكيف سأحمى الفريق الذى يرافقنى، قبل التفكير بكيفية وقوفى أمام الشاشة وما أريد قوله، لقد اخترت الصحافة كى أكون قريبة من الإنسان، ليس سهلًا أن أغير الواقع، لكننى على الأقل كنت قادرة على الأقل، لإيصال هذا الصوت إلى العالم.

غيَّب الاحتلال جملة شيرين أبو عاقلة «شيرين أبوعاقلة من فلسطين» بقنصها عمدًا، لكنه لن يغيِّب صوتها، لكنه أيضا كشف كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، عن المخاطر التى يتعرض لها الصحفيون الفلسطينيون أثناء أداء مهامهم، سواء فى الضفة الغربية أو غزة أو إسرائيل، وأن حرية الصحافة أصبحت فى خطر، وأن ما حدث لا يمثل صدمة مؤلمة لأصدقاء ومحبى شيرين فقط.

وقالت الصحيفة، إن المسألة قد لا تكون معروضة على محكمة قضائية محلية أو دولية حتى الآن على الأقل، ولكن على محكمة الرأى العام والضمير العالمى، وأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، يطالبان بإجراء تحقيق فى مقتل أبو عاقلة التى تحمل الجنسية الأمريكية، وأنه امتحان جديد ربما يكون صعبا على الإدارة الأمريكية، التى تساند الاحتلال الإسرائيلى ظالما أو مظلوما، حتى وإن كانت الضحية مواطنة تحمل الجنسية الأمريكية، وأن قاتل أبو عاقلة يجب أن يخضع للمحاسبة القضائية، لأن القوات الإسرائيلية قتلت على الأقل 47 صحفياً منذ عام 2000، وأن الصحفيين الفلسطينيين يتعرضون لمضايقات شبه يومية من جانب السلطات الإسرائيلية، تمنعهم من ممارسة مهنتهم بحرية، إضافة لتعرضهم للإيذاء البدنى وإفلات الجانى من العقاب، خاصة، أن القانون الدولى الإنسانى يحمى الصحفيين وكذلك المدنيين فى النزاعات المسلحة وغير المسلحة، وأن اتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان وبروتوكوليها الإضافيين يجرمون مثل هذه الأفعال، ونص المادة 79 من البروتوكول الإضافى الأول، تؤكد على تمتع الصحفيين بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين فى النزاعات المسلحة الدولية وغير المسلحة.

وذكرت الجارديان، أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس، أعلن عن نيته التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة المتسبب فى مقتل أبو عاقلة، وأن إصراره على تأبين أبو عاقلة فى مقر الرئاسة الفلسطينية. يؤكد عزمه على المضى فى هذا الاتجاه.

ومن جانبه، كان الاتحاد الدولى للصحفيين قد قدم مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية، يشير فيها إلى أن استهداف إسرائيل المستمر وبصورة ممنهجة للصحفيين والإعلاميين، يرقى إلى جريمة حرب.