في ذكرى أربعينية صاحب «التغريبة».. «طوبيا» مبدع «أبناء الصمت»!

حرصت «الأخبار» على أن تحاور الأديب الراحل فى سنواته الأخيرة
حرصت «الأخبار» على أن تحاور الأديب الراحل فى سنواته الأخيرة

لم تكن رحلته فى هذه الحياة سهلة ميسورة، وإنما كانت شاقة جافة رغم فروعها المثمرة من كل الجوانب؛ فقد أبت أخلاقه الصعيدية الاستسلام أمام منغصات الحياة، بل عالجها بالكفاح؛ فحصل على بكالوريوس الرياضة والتربية فى كلية المعلمين 1960، ودبلوم معهد «السيناريو» 1970، ودبلوم الدراسات العليا فى الإخراج السينمائى من معهد السينما 1972، وهو واحد من جيل الرواد فى الرواية المصرية، وأحد المبدعين المتميزين فى الأوساط الثقافية المصرية، وأعماله التى قدمها تعد من أيقونات الأدب المصرى والسينما العربية.

حصل «طوبيا» على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1979، وجائزة الدولة التشجيعية فى الآدب، وجائزة الدولة التقديرية للآداب 2014، أربعون يوما مرت على رحيل الروائى المصرى الكبير مجيد إسحق طوبيا (المولود فى المنيا فى 25 مارس 1938، والراحل عن 84 عاما)، دونما هرج أو مرج ثقافى يحدث أضعافه لمن هم أخفض منه قامة.

وأقل إبداعا؛ غير أن «مجيد طوبيا» يبقى حيًّا بين الباحثين بأيقوناته الروائية الخالدة: «أبناء الصمت»، و»الهؤلاء»، «وتغريبة بنى حتحوت» التى مثلت خطا فريدا فى التاريخ القصصى العربي؛ كما تبقى وطنيته وحبه لهذا الوطن مثالا لرؤية المبدع المستنير الذى يعرف جيدا مستقبل وطنه، لأنه يقرأ ماضيه؛ وقد حكى لى فى حوار منذ عدة سنوات كيف أصر، رغم مرضه، على المشاركة فى «كنس» الجماعة الإرهابية من شوارع الوطن، وخرج متوكئًا على صديقه الروائى فتحى سليمان، ونرصد أبرز ملامح تجربته الإبداعية الثرية.


فى البداية، يشير الناقد الكبير د.عبدالله عبدالحليم، العميد السابق لآداب حلوان، إلى أن مجيد طوبيا لم يكن مجرد روائي، بل كان مبدعا متكاملا، قدم عشرات الإبداعات فى السينما وعالم الرواية والأدب.

ولن ينسى التاريخ إبداعه على شاشة السينما فى فيلم «أبناء الصمت» من إخراج محمد راضي؛ وهو أحد أهم وأجمل الأفلام التوثيقية عن حرب أكتوبر المجيدة، وتم اختياره ضمن قائمة أفضل مائة فيلم فى ذاكرة السينما المصرية حسب استفتاء النقاد.


وعن أسلوبه فى الكتابة يقول د. عبدالله إن «طوبيا» كان يعتمد على الدراما والتراجيديا طريقين فى كتابته بالتساوى، حيث تتنوع القصص بينهما، كما يجد طريقه أحيانا إلى السخرية ليكتب قصته، ويعبر عن فكرته، وقد تناول فى معظم قصصه فكرة تأثيرات الحروب على البشرية وضرورة أن يحل السلام على العالم.


ويضيف د. عبدالله أن مجيد طوبيا واحدٌ من جيل الرواد فى الرواية المصرية، وأحد المبدعين المنسيين فى الأوساط الثقافية المصرية رغم ما قدمه من أعمال تعد من أيقونات الأدب المصرى والسينما العربية أيضا، وهى أعمال خالدة تجسد حالة المجتمع وما يمور به من تغيرات، كما تميزت أعماله بالغرابة الواقعية والسخرية المبطنة؛ .

ويضيف د. حمودة أنه فى عدد من مجموعاته القصصية، مثل: (فوستوك يصل إلى القمر)، و(الأيام التالية) و(الوليف) و(الحادثة التى جرت) راهن مجيد طوبيا على أن يلتقط، بلغة توصيلية بسيطة، تجارب يومية متصلة بلحظات حاضرة، منطلقة من أزمنة محددة وأماكن محددة، ومقرونة بشخصيات بعينها؛ وجنح أحيانا إلى خيالات محلّقة.

وفى روايات له مثل: (دوائر عدم الإمكان) و(الهؤلاء) و(غرفة المصادفة الأرضية) و(ريم تصبغ شعرها) تحرك «طوبيا» فى مساحات شاسعة، راوحت بين رصد تجارب فردية لشخصيات تكابد ما تكابد، فى عالم متعيّن، وشخصيات أخرى جماعية تواجه ما يشبه الوطأة العامة الرازحة على الجميع، كما تحرك بين الوقائعى والمتخيل؛ لكنه فى روايته الكبيرة (تغريبة بنى حتحوت) استكشف مساحة أخرى مغايرة، انتمت إلى «الرواية التاريخية»، فذهبت فى وجهات سردية تعكس أزمنة قديمة بعينها، لكنها موصولة بزمن الكتابة الحاضر، وأعادت النظر فى العلاقة بين ما هو روائى وما هو تاريخي، ويتابع «حمودة»: أن كل نظرة على أعمال طوبيا يمكن أن تكتشف بسهولة هذا التنوع الواسع فى العوالم.

وفى طرائق تجسيدها فنيا؛ وبجانب هذا التنوع، هناك أيضا الانشغال الواضح بقضايا الزمن الطويل الذى كتب فيه أعماله، والاهتمام بأن تصل كتابته إلى عموم القراء، بعيدا عن التجريب المغالى فيه الذى يمكن أن يقود إلى شكل من أشكال عزلة الكتابة.


ويقول الناقد والشاعر د. أحمد بلبولة، رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: يعد مجيد حلقة مهمة فى تاريخ الواقعية الروائية المصرية، حيث تميزت أعماله بمعالجة المناطق المفخخة، سياسيا واجتماعيا، فى الحالة الثقافية المعاصرة.

وتميز أسلوبه بالرشاقة اللغوية، كما كان يلجأ فى بعض الأحيان إلى مخالفة قواعد اللغة انتصارا لجمال العبارة.،ويضيف د. بلبولة أن «أبناء الصمت»، وكذلك «الهؤلاء» من النصوص المصرية الفريدة التى تعد علامات بارزة فى تاريخنا الروائي؛ ويشير إلى أن أبرزما يُميز سرد مجيد تلك اللحمة الثقافية الوطنية، والتى كانت عنده قوية ومتينة ومتماسكة، لأنه كان مشغولا بالتعبير عن القضايا الوطنية، بحيث لا تستطيع أن تشعر معه بوجود ثنائية الثقافة التى يُحاول المُغرضون أن يؤكدوا وجودها، .


ويؤكد الناقد البارز د. رضا عطية أن طوبيا صاحب مشروع إبداعى شامل ومتنوع فى مدارات الفنون التى خاض تجربة الكتابة فيها، من الراوية إلى القصة، ومن السيناريو إلى أدب الطفل والكتابات الساخرة.

ومع اتسام «طوبيا» ببصمة إبداعية خاصة وسمت كتابى مميز إلا أنَّ ثمة تمايزًا فى أعماله فى كل مجال أبدع فيه، فهو لم يكن ليكتب كتابة مجانية لمجرد التواجد الكمى الخالى من القيمي، وإنَّما كان صاحب أسلوب يجعل له شخصية مستقلة فى إبداعه كان «طوبيا» ابن جيل الستينيات فى الرواية والقصة، هذا الجيل الذى واجه معضلة أن سبقه جيلان إبداعيان عظيمان: جيل العمالقة الأفذاذ فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين،

وهو جيل المؤسسين كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي، وجيل الخمسينيات الذى كان له جهد فى استكمال مسيرة الرواد كيوسف إدريس وفتحى غانم، ويشير د. رضا إلى أن كتابة «طوبيا» اتسمت بالتجديد والتنويع فى الموضوعات ولغة السرد ولكن باتزان، فلم يبلغ الشطط كغيره من مجايليه فى الأساليب التعبيرية ولغة الكتابة، ذلك الأسلوب الذى لجأ إليه بعض مبدعى جيل الستينيات للاستظهار.

ومحاولة التميُّز، كانت مجموعته القصصية الأولى «فوستوك يصل إلى القمر» إبنة عصرها وتعبيرًا عنه، كما كانت أبناء الصمت تعبيرًا عن حالة الانتظار، حالة اللاسلم واللاحرب، بعد هزيمة يونيو 1967، حتى كان العبور والانتصار فى أكتوبر 1973.

اقرأ ايضا | طارق إمام المصري الوحيد في قائمة «البوكر»: أنا امتداد لمؤلفي «ألف ليلة»!

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا