حديث الأسبوع

تطورات رجحت حالة اللايقين والقلق من المستقبل

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

تواترت تطورات كثيرة ومعطيات عديدة، فى ظرف زمنى قصير جدا لتعلن عن بداية مرحلة جديدة فى الأوضاع العالمية السائدة، فى مختلف مناطق العالم تجذب نحو الصعوبة والتعقيد.


اليوم لم تعد الخطورة البالغة التى تكتسيها التداعيات المترتبة عن انتشار وباء كورونا والتى خلفت، ولا تزال تخلف، الخسائر الفادحة فى جميع اقتصاديات العالم، ولكن بنسب متفاوتة، حيث تدفع الدول ذات الدخل المحدود أو المتوسط تكلفة أغلى من نظيراتها من الدول الغنية. والعالم لا يزال فى حالة ارتباك فى مواجهة هذه التداعيات التى تسببت فيها تدابير وإجراءات العزل والإغلاق، وتوقف أنشطة الانتاج والتسويق والنقل. لم تعد هذه التداعيات، بما تتطلب من جهود للحد من آثارها، وحدها التى تشكل أكبر وأخطر تهديد للاستقرار فى العالم، بل يمكن الجزم أن عوامل أخرى تكالبت ضد الاستقرار العالمى وزادت من حجم الأخطار والتحديات المحيطة بالأوضاع العالمية الراهنة.


فما أن اقترب العالم من الإحاطة بهوية الأزمة الصحية الطارئة التى هزت أركان العالم، حيث تمكن من تجاوز مرحلة البداية التى كان يجهل فيها كل صغيرة وكبيرة عن الفيروس القاتل، ودخل مرحلة التصدى الفعال له والتعايش معه عبر التدابير الاحترازية. و بذلك فإن العالم بصدد اعتبار الفيروس مرضا يمكن التعايش معه، حتى استجدت تطورات أخرى أعادت الأمل فى تثبيت استقرار عالمى إلى نقطة الصفر.


ثمة عوامل سياسية أفرزتها تطورات فى العلاقات الدولية السائدة، وأسباب طبيعية كثيرة، مثلت انتكاسة حقيقية لهذا الأمل الذى ترقبه الرأى العام الدولى بقلق بالغ، حيث اشتعلت حرب مفاجئة بين روسيا الفيدرالية وجمهورية أوكرانيا، التى يبدو أنها كانت تنتظر خفوت حدة الوباء لتعلن عن بدايتها. وهى حرب لفها الغموض الكبير حول طبيعتها وأسبابها المرتبطة بالحسابات الجيواستراتيجية فى المنطقة وفى العالم بأسره، أدخلت المجتمع الدولى فى مرحلة انعدام اليقين فى طبيعة النظام الدولى السائد، وألقت بظلالها الكثيفة حول مفهوم العيش الإنساني، حيث زادت من معدلات المخاوف. وكانت النتيجة المؤقتة أن اختلت سلاسل الانتاج والتسويق والنقل فى العالم مما أفضى إلى زيادات مهولة فى أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية من حبوب وزيوت ومحروقات ومعدات البناء والإصلاح وإنتاج العديد من الخدمات. وإذا كان تحقيق حديث أعلن عن نتائجه البنك العالمى قبل أيام أكد أن ثلثى الأسر فى الدول ذات الدخل المحدود والمتوسط صرحت بتقلص وتراجع مداخيلها المالية بسبب تداعيات وباء كورونا، وأنه ومنذ عشرين سنة خلت، فإن 97 مليون شخص فى العالم وجدوا انفسهم فى منطقة الفقر المدقع لنفس السبب، فإن الحرب الجديدة التى فندت التوقعات التى كانت تتنبأ بنهاية عهد الحروب العسكرية المباشرة، وبداية عصر الحروب الجرثومية والفيروسية، زادت من تعميق هذه الجروح المندملة وكرست حالة اللايقين فيما يتعلق بمصير الإنسانية جمعاء. والأكثر خطورة فى كل هذا الذى يحدث، أن لا أحد من الخبراء والمختصين يمكنه اليوم، وفى الظروف الراهنة، صياغة جواب واضح عن أمد هذه الحرب التى مثلت، ولأول مرة طيلة العقود الماضية، مواجهة مباشرة بين القوى العظمى المتحكمة فى النظام العالمى السائد.


وبصفة موازية وجدت كثير من شعوب العالم نفسها فى مواجهة تداعيات أخرى تسببت فيها سياسات الدول العظمى فى تعاطيها مع هذه التطورات. وفى هذا الصدد يجرى حديث بكثير من القلق عن الارتباك الكبير فى السياسات المالية العالمية التى ستكون لها تأثيرات مباشرة عن الأداء والتسديد، خصوصا ما يتعلق بجهود بعض الدول الهادفة إلى فرض عملات مالية دولية بديلة عن العملات المالية التقليدية. ناهيك أن العديد من البنوك المركزية فى الدول الكبرى انتهزت هذه الظروف الصعبة لتعلن عن زيادات مؤثرة فى معدلات الفوائد، مما يزيد إشكالية الديون العالمية استفحالا وتعقيدا، خصوصا أن هذه الديون بما لها وعليها، كانت، ولاتزال، تمثل جرعات أوكسجين للاقتصاديات الضعيفة والمتوسطة، والأكيد أن ارتفاع تكاليف الديون الخارجية سيسبب بصفة مباشرة تقليص حجم الاستثمارات العمومية الخاصة بالبنيات التحتية فى الدول التى يمكن اعتبارها ضحية لنظام الديون الخارجية السائد حاليا فى العالم. يضاف إلى ذلك خطر التضخم المالى الذى اكتسح العديد من الاقتصاديات العالمية مما تسبب، ولازال يتسبب، فى ارتدادات عنيفة فى سلاسل الانتاج والتزويد وفى حقيقة الأسعار التى لن يتوقف مؤشرها عن الاتجاه نحو الزيادة والارتفاع المتواصل. كما أن دولا كبرى أخرى اعتبرت أن الظروف الصعبة التى يجتازها العالم تفرض عليها تقليص، أو توقيف، تصدير كثير من منتجاتها الغذائية والصناعية تحسبا للمرحلة القادمة الصعبة ولما تخبئه الأيام والأسابيع والشهور القادمة من مفاجآت غير سارة لها.


لم تتوقف المؤشرات والمعطيات السلبية عند هذا الحد، بل وجدت سندها القوى فى الظروف الطبيعية الصعبة التى تواجهها كثير من دول العالم، حيث ارتفعت معدلات الجفاف فى الكثير منها، فى حين تعرضت أقطار أخرى إلى فيضانات كبيرة قضت على قسط كبير من المزروعات، ووصلت حد تعطيل عمل بعض الموانئ مما عطل حركة النقل بها. وكانت هذه التقلبات المناخية عاملا حاسما فى تقليص المحاصيل الفلاحية والزراعية، مما سيضطرها إلى البحث عن مصادر خارجية لضمان جزء من أمنها الغذائي، فى علاقات تجارية واقتصادية دولية مطبوعة بالأزمة المركبة.


هكذا يجد العالم نفسه أمام مرحلة تتميز بالغموض الكبير الذى يعمق أسئلة القلق والخوف من المستقبل المنظور قبل البعيد منه لدى أوساط الرأى العام الدولي، وموازاة مع ذلك تتواتر التطورات التى ترجح فرضية الانهيار المتواصل فى كثير من المسلمات.
> نقيب الصحافيين المغاربة