المال الشارد.. ألاعيب «المستريحين» مصيدة لـ«الطماعين»

مستريح أسوان
مستريح أسوان

كتب: أبو المعارف الحفناوي

لم يتعظ مواطنون طيلة ربع قرن مضى، من أساليب النصب المختلفة، التي أصابت البعض بالجنون وربما تصل لحد الموت، حزنا على فقد «تحويشة العمر»، وتارة يدخلون في مشاكل ومشاجرات، بعد البحث هنا وهناك عن شخص «ضحك عليهم»، بعد إقناعهم بأنه القادر على فعل المستحيل،  واستثمار أموالهم التي كدحوا من أجلها، حتى ينعمون بمكسب شهري، ربما يتخطى طموحاتهم، وبعد أن ينعموا بمكسب خرافي لبضعة أشهر، يفاجئون بانقطاع المكسب، وهروب من تحصل منهم على أموال كبيرة تتخطى ملايين الجنيهات، مقابل توظيفها، لتبدأ رحلة المشقة بعد الهناء، ولكن المشقة تكون قاسية للغاية، حين يدركون أن النصاب نهب منهم تحويشة العمر.

 

على مدار ربع قرن مضى، ظهر أكثر من مستريح في مصر، كان أولهم وأشهرهم الريان في 1989، والذي استولى على مليارات الجنيهات من المواطنين مقابل توظيفها، وسميت وقتها باسم الريان، على اسم صاحبها،  قبل أن تتطور لفظيا إلى المستريح.

 

في واقعة الريان، بدأ الشك يدب في قلوب الجميع، الذين قرروا عدم تكرار تجربة ضحايا الريان، ولكن مع الطمع، عادوا سريعًا، لتتعدد وتتطور بعدها أساليب النصب، والتي عرفت بظاهرة المستريح، ولعل من أشهر المستريحين في الآونة الأخيرة، مستريح الشرقية وقنا والبيتكوين،  ولم يقتصر اللفظ على الرجال فقط بل كان بطله أيضا نساء، جمعن مئات الملايين من المواطنين بدهاء ماكر، ولعل من أشهرهن مستريحة الغريية والمنوفية وكرداسة، وغيرهن .
ويطلق لفظ المستريح فى الأصل، على من يتسع رزقه أو لديه وفرة من الأموال، دون النظر من أين أتى هذا الرزق والمال، وفي الآونة الأخيرة، اقترن الاسم بالنصابين الذين يجمعون المال من المواطنين، مقابل توظيفها أو الإتجار والاستثمار فيها، ثم يهربون بعد فوات الآوان، لتبدأ بعدها رحلة البحث عنه، وتقديم بلاغات ضده من الضحايا، لتتحرك الأجهزة الأمنية لضبطهم، بعد الاستيلاء على مئات الملايين.

 

رسالة من القاضي

يقوم المستريح وفقا لحيثيات الحكم على مستريح قنا، بالحصول على الأموال لتوظيفها واستثمارها بالمخالفة لأحكام القانون مقابل فائدة بقيم مختلفة، فخان العهد ولم يردها إليهم، ولم يراع لحقوقهم قدسية وعصف بأحلامهم البسيطة فى طيب العيش،وألقى بهم فى هوة الحسرة والندم، فاحتوتهم النيابة العامة ملاذ المجتمع ولبت شكواهم وقدمت المتهم للمحاكمة الجنائية.

 

ووجهت المحكمة رسالة إلى جموع المواطنين؛ باستثمار أموالهم فى البنوك الوطنية حيث الأمن والأمان وعونًا للاقتصاد الوطنى ليسترد عافيته، وأكدت المحكمة؛ أن المتهم تملكته شهوة المال وصار بلا ضمير وتابعت أنها اطمأنت إلى صحة أدلة الثبوت التى ساقتها النيابة العامة ضد المتهم فأصدرت حكمها بإدانته لتطهره من دنس جريمته ولتهدأ نفوس المجنى عليهم.

 

ومع كل واقعة، يتكرر خوف مواطنين جدد من الوقوع ضحايا وفريسة للطمع، ولكن «الطمع غلاب مثل الطبع»، يغريهم أحد المقربين بتشغيل أموالهم، فيقتنعون به سريعا، ويسلمون أموالهم وأموال أقاربهم وأصحابهم له، لثقتهم في البداية فيه، ولكن بعد بضعة أشهر من اعطائهم الفائدة المغرية لهم، يتهرب منهم، ولا يستطيعون ملاحقته، لتبدأ ولولة الرجال وصراخهم على ما فقدوه أكثر من فقدانهم لميت عزيز عليهم.

تحذيرات أمنية

دوائر أمنية وشعبية واعلامية، حذرت من المستريح،  ودهائه في اقناع المواطنين، في توظيف أموالهم،  ولكن دون جدوى،  فبعد مستريح قنا، الذي ظهر إعلاميًا بشكل كبير، بعد ملاحقته من ضحاياه وضبطه من قبل الأجهزة الأمنية، والحكم عليع بالسجن 15عاما فى قضية اتهامه بالنصب والحصول على مبالغ مالية من المواطنين بزعم توظيفها، كما تضمن الحكم تغريم المتهم 150 مليون جنيه وإلزامه برد 266 مليونا و 382 ألفا للمودعين.

 

وفي هذه الأيام، تداول البعض قصصا، لظهور مستريحين جدد، في أسوان، منها مستريح السيارات ومستريح البهائم ومستريح الذهب، وغيرهم، ليتداول البعض قصصا وروايات عن المستريحين وضحاياهم، تارة بالسخرية ضد «الطماعين»، وتارة بضرورة معاقبة المستريح وضبطه وإعادة الأموال لأصحابها.


مستريح السيارات، ذاع صيته بشكل كبير، ليس في أسوان فقط، بل في معظم المحافظات المجاورة، وبدأ العديد يتوافد عليه من هنا وهناك لشراء وبيع السيارات، فيقوم المستريح بشراء سيارة ثمنها في السوق على سبيل المثال 100 ألف جنيه بقيمة تصل ربما 150 ألف جنيه، ويتفق مع مالك السيارة أن يحصل على ثمنها بعد شهرين، فيوافق على الفور نظرًا لحصوله على 50 ألف جنيه اضافية في شهرين، ثم يبيع السيارة لآخر بأقل من 100 ألف جنيه، ويحصل على المبلغ من المشتري على الفور، حتى جمع مئات  الملايين بنفس الطريقة، وبعد مطالبة أصحاب السيارات لأموالهم، فوجئوا بهروبه، ولكن بعدها خرج في مقطع فيديو بثه على فيسبوك، ليخبر ضحاياه أنه لم يهرب ولكنه متخوف من محاصرة الأهالي لمنزله.

 

كما ظهر شخص آخر، أطلق عليه، بمستريح البهائم، كان يعمل سائق توك توك أوهم المواطنين، بأنه جاء لينقذ أهالى مركز ومدينة إدفو بكل نجوعها وقراها من غلاء اسعار اللحوم وإنه سوف يخفض سعر اللحوم إلى 100جنيه، وبيع الماشية بسعر أقل من سعرها بقرابة 5000 جنيه واستطاع في فترة قريبة في احتكار سوق المواشي واختفائها، بعد أن جمع العديد من الأموال، لتبدأ معركة بينه وبين التجار.

 

الشخص الذي ظهر بعد اتهامات شفاهية له في الشارع وعبر فيسبوك، ظهر أيضا في مقطع مصور له، بأنه متواجد وبخير، كما ظهر بحوزته أموال كثيرة، وظهر عليه الثراء الفاحش بأموال مجهولة المصدر، جمعها في وقت قصير، بعد أن يقوم بدفع جزء من قيمة الماشية عند الشراء ويبتقى جزء يخبر البائع بأنه سيدفعه بعض اسبوع وكذا العكس، في الوقت الذي ردد البعض بأن ما يقوم به توظيف أموال والإتجار في الآثار.

 

ويقول د عبدالباري سليمان، وكيل كلية الحقوق للدراسات العليا والبحوث جامعة جنوب الوادي؛ إن توظيف الأموال هو قيام أشخاص بجمع أموال من أشخاص بينهم روابط اجتماعية بغرض استثمار هذه الأموال بأى شكل من أشكال الاستثمار، بالاضافة إلى قيام هؤلاء الأشخاص بدور البنوك وشركات المساهمة بإعطاء نسبة شهرية أو سنوية تتعدى الفوائد التي تعطيها البنوك مما يؤدي إلى استجلاب أصحاب النفوس الضعيفة وراغبي الثراء السريع في الهرولة نحو هؤلاء الأشخاص وتسليمهم مبالغ مالية بعد بيع مالديهم من أراضي أو عقارات أو مصوغات ذهبية.

 

ويضيف يعد هذا مخالفة لأحكام القانون حيث تنص المادة الأولى من القانون رقم ١٤٦ لسنة ١٩٨٨ في شأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها قد حظرت على غير الشركات المقيدة في السجل المعد لذلك بهيئة سوق المال أن تتلقى أموالاً من الجمهور بأى عملة أو أية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء كان الغرض صريحًا أو مستترًا.


ونصت الفقرة الأولى من المادة ٢١ من هذا القانون على أنه «كل من تلقى أموالاً على خلاف أحكام هذا القانون أو امتنع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها كلها أو بعضها يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد عن مثلى ما تلقاه من أموال أو ما هو مستحق منها ويحكم على الجاني برد الأموال المستحقة إلى أصحابها».

 

ويتابع: جريمة عملية تلقي وتوظيف الاموال بالقانون رقم 146 لسنة 1988، العقوبة إلى السجن الذي تصل مدته إلى 15 عاما فضلا عن غرامة تبدأ من 100 ألف جنيه، وتصل إلى ضعفي الاموال التي تلقاها الجاني، مع الحكم برد الأموال المستحقة للمجني عليه، وهذا ما يميز جريمة توظيف الاموال عن جرائم النصب حيث أن الاولى جنجة لا تتعدى الحبس ثلاث سنوات والثانية جناية تنتظرها محكمة الجنايات وتشدد العقوبة على ارتكابها والتي تصل إلى خمسة عشر سنة وغرامة تصل الي ضعف الاموال التي تلقاها، بالاضافة إلى رد الاموال إلى المجني عليهم.