حكم التشهير بالناس وإفشاء أسرارهم

د.شوقى علام
د.شوقى علام

يجيب د.شوقى علام مفتى الجمهورية، على سؤال ما حكم تناول سيرة الشخص الذى يرتكب المعاصى بقصد الشويه والتشهير؟

وقال إنه مَن ابتُلى بمعصيةٍ عليه أن يستُر على نفسه ويستغفر الله منها ويتوب إليه ولا يُخبر بها أحدًا؛ فإنْ أسرَّ بذنبه ومعصيته إلى شخص آخر- فلا يجوز لهذا الشخص الآخر أن يكشفَ سرَّه لغيره  للتشهير به، ويُعَدُّ ذلك من الغيبة المحرمة شرعًا؛ لأنَّ فيه ذكر الشخص بما يكره أن يُذكَر به.

ويُستثنى من ذلك ما تقتضيه الضرورة لإباحة هذا السر وكشف ذاك المستور، كما وضَّح العلماء؛ مثل الاحتياج  إلى ذلك فى باب القضاء أو الإفتاء أو الاستشارة لضرورة الإخبار بحقيقة الأمر. ولا شكَّ أنَّ مقارفة الذنوب والوقوع فى المعاصى ليس ببعيد عن الطبيعة الإنسانية؛ فكل إنسان مُعرَّض لشيء من ذلك قلَّ أو كثُر، ولكن الإصرار على الذنوب وعدم التوبة منها وخيم العواقب سيئ الآثار فى الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه.

إقرأ أيضاً | عميد «أصول الدين بالأزهر»: الصائم لا يجب أن يكون كذابا أو منافقا |فيديو

وممَّا يعظُم به الذنب أن يتمّ المجاهرة به، بأن يرتكبَ العاصى الذنب علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عزَّ وجلَّ لكنَّه يُخبر به بعدَ ذلك مستهينًا بسِتْر الله له؛ فعن أبى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه.
والمراد بالمجاهرة هنا مَنْ يعلن فعله بالمعصية ويشتهر بها؛ فعلى مَن ابتُلى بمعصيةٍ ألَّا يُخبر بها بل يُسرّها ويستغفر الله منها ويتوب إليه؛ فإنْ فعلها ثم أسرَّ بها إلى شخص آخر؛ فلا يجوز لهذا الآخر أن يكشفَ سرَّه ليشهر به، ولا يجوز لمَنْ استؤمن على شيء أن يكشفه لغيره؛ قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ .

وذِكر ما فعله المجاهر بذنبه للآخرين بغرض التحذير منه جائز شرعًا؛ لوجود المقتضِى لذكره، كسؤال شخص عنه لمعاملته؛ فيجوز للمسئول أن ينقل ما جاهر هذا العاصى بفعله إن كان فى ذلك نصح للسائل، وقد ذكر العلماء عدة حالات تباح فيها الغيبة؛ لوجود المقتضى وغلبة المصلحة على المفسدة، وهو ستة أسباب منها  التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضى وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمنى فلان بكذا.

والاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصى إلى الصواب؛ فيقول لمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، و الاسْتِفْتَاءُ؛ فيقول للمفتي: ظلمنى أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك..؟ و تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم..  وأن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر.. فيجوز ذكره بما يجاهر به؛ ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أنْ يكون لجوازه سبب آخر ممَّا ذكرناه.

فالتشهير بمرتكب المعصية وذكر مساوئه لغير غرض من الأغراض التى تباح لها الغيبة يندرج فى الغيبة المحرمة؛ كما لو ذكر عنه شيئًا من المعاصى غير ما جاهر به، ولا يجوز أن يذكر الشخص الذى ارتكب المعصية وأعلن بها لمجرد تشويه سيرته عند شخص آخر؛ لأنَّ هذا من الغيبة المحرمة؛ لأنَّ القصد هنا ليس النصح والتحذير، بل مجرد التشهير وتشويه سيرة المذنب.