سعاد الصباح سيدة القصيدة

سعاد الصباح سيدة القصيدة
سعاد الصباح سيدة القصيدة

بقلم :  عِذاب الركابي

قصيدة سعاد الصباح تُرتّبُ لنا ما بقىَ من ثمالةِ أملٍ لا يكذبُ، وفرحٍ لا يُؤجّلُ، وحُلمٍ لا يُسجنُ فى حياة الحياة.. ورهان مؤكّد على كتابةٍ تقهرُ الصخرَ والموتَ والزمنَ

وجدتنى فى لحظةِ حُلمٍ آسرٍ فوقَ أرض الكويتِ الحبيبة، بدعوةٍ حميميةٍ من الشاعرة الكبيرة الشيخة سعاد الصباح.. دعوة بإمضاءِ القلب، وهو بذاكرةٍ تفوقُ ذاكرة العقل كثيراً، أليسَ القلبُ مَنْ يحكمُ العالمَ – كما يقولُ هنرى ميللر!؟.. دعوةٌ رتّبت تذاكرَ السفر،وزورق الرحلةِ الملون الكلماتُ والقصائدُ، وحدهما مَنْ يلوى عنقَ الزمن، بلْ وهزيمته والانتصار عليه، والشاعرة الكبيرة تؤسّسُ للتواصلِ بينَ المبدعين، تلغى المسافات، تُصحّح فى التاريخ، وهى تُراهنُ على إبداعٍ- سؤال محبةٍ، شعراً ونثراً، وفق مواعيدِ القلبِ.. وفى استشارةِ قلبٍ تقيمُ عرساً كونياً للكلماتِ.. والكلمات كُلّ مانملك – كما يقولُ بريخت !


 الشاعرة الكبيرة د. سعاد الصباح مرحباً بكِ بكلّ قوافى القصائدِ، وسحرِ بلاغةِ الكلماتِ، وطزاجةِ الأخيلةِ المُنتجةِ.. ومباركٌ لكِ هذا الزّفافِ الكونيّ، ملكةً أسطورية فى عالمِ الشعر الفردوسيّ، وأيقونة وقتنِا الشعرى الحُلمى .


 طوبى لكِ شاعرةً رائيةً كبيرةً وإنسانة حالمة..!!
طوبى للشعرِ – الحياة، والشعراء الحالمين، مبدعى الحسّ الإنسانيّ المتلأليء !
طوبى للقوافى المتجدّدة فى تناغمِ وإيقاع قريحتِك، حيث لا موضوعَ أسمى لديك إلاّ الوطن، والحرية، والإنسان، والحياة، والعشق – سرّ الوجود..! والشعرُ والكلماتُ فعلُكِ الأمثلُ، ثمرة كهرباء روحك الشاعرة.. وكيفَ تُقرأُ القصيدة ؟ وكيفَ يكون شكلها ووزنها وإيقاعها من غيرِِ قوافيكِ، وطربِ كلماتكِ، وانتفاضاتِ أخيلتك !؟


طوبى لكِ وأنتِ تُعيدين فى كلّ وقتٍ، بلْ تعاندين وتحتالين على وقتِ الوقتِ، كيْ تُملّكى الشعرَ كرسيَّه الوثيرَ، ودفئه الإنسانيّ والكونيّ، بعدَ أنْ قاسى، ويقاسى البردَ والصقيع، وعواصف الإهمال أمامَ أبوابِ الناشرين الطارئين، وأمزجة بعض النقاد، حيث أصبحَ الحديث عن الأزمان فى الكتابةِ موضوعَ الكتّاب والنقّاد، متناسين أنَّ زمنَ الشعر لا يتنازلُ عن زمنهِ، ووقت الشعر لا يضجرُ من وقتهِ، وهو شريانُ الدمِ فى كلّ الأزمان، وماكنة دورتها اللازوردية..!! وليسَ هناك فنّ من فنونِ الكتابةِ إلاّ وهوَ مدين بكلّ حروفِ أبجديته إلى الشعر.. والشعرُ البوّابة العطرة الأزلية المصيرية التى تمرّ خلالها قوافلُ كلّ فنونِ الكتابةِ، القصة القصيرة والرواية والمسرحية، وهيّ تتزوّدُ من شذراتِ قوافيهِ، فقط لتظهرَ بثوبها الزاهى لتخلبَ عقولَ القرّاء.. وأنَّ كل فنٍّ من فنون الكتابة، ليسَ سوى قافيةٍ مستلبة من قوافى القصيدة .


 الشاعرة الكبيرة د. سعاد الصباح، والعالمُ يُعيدُ كتابة اسمها بأحرفٍ كرستاليّة، جديرة بهذا التكريم والاحتفاء، ويليقُ بها التتويج أميرة فى مملكة الشعر، وفراشة فى حدائقهِ فى اللامكان، وأيقونة الإبداع فى عصرِ ليبراليةِ الكتابةِ، والأبداعُ يشكو الضجرَ، حينَ أصبح مشاعاً للأدعياء، وأباطرة وسائل التواصل الاجتماعى الموهومين، وقدْ سادت الركاكة فى التعبير، وترهّل الألفاظ، وميوعة المعانى، والحديث عن موتِ المؤلف صارَ إحدى كماليات الثقافة النقدية الهزيلة .


 الشعرُ عندَ سعاد الصباح حفرٌ فى المشاعر.. وليمة أحاسيس صادقة، ابتكار رؤى وأخيلة غير مسبوقة، كلماتٌ بعدَ الكلماتِ، وقدْ تمرغتْ بمشاعرَ لا حصرَ لها.. والشعرُ لديها ألمٌ وأملٌ، حلمٌ وحقيقة، واقعٌ وخيالٌ.. نوعٌ من الكتابةِ – الحفر الطموح.. المغامرة الشاقة – العذبة، وهى تحرثُ أرض الحُلمِ باقتدار، مادامَ الشعرُ حُلماً مخملياً..!!


 قصيدة سعاد الصباح تُرتّبُ لنا ما بقىَ من ثمالةِ أملٍ لا يكذبُ، وفرحٍ لا يُؤجّلُ، وحُلمٍ لا يُسجنُ فى حياة الحياة.. ورهان مؤكّد على كتابةٍ تقهرُ الصخرَ والموتَ والزمنَ.. انتزاع من المستحيل، وكلماتها تفعلُ فى أروحنا، وتلمّ ما تناثرَ من شظايا وفتافيت أجسادنا، فى لحظاتِ إغواءٍ شبق هوَ النكهة فى الحياة، لا يبتعدُ كثيراً عن إغواء أنثى جميلة، بعينين وديعتين ساحرتين فى مهارةٍ تصطادُ فرائسَها، وأداتُها ووسيلتها فى لىّ عنق الزمنِ كلمات.. كلماتٌ وُلِدت فى الأصلِ سحرية – كما يُعبّر بورخيس.. عبرَ إيحاء تعبيرى شعرى حُلمى، جوهر الجمال فيهِ الدهشة والمتعة..!


 الكلماتُ فى قصيدة سعاد الصباح لعبٌ فنّى غريزى، بغية الجمالِ والحقيقةِ والحُبّ !!
 وهى تؤرّخُ للفرحِ المؤجّلةِ أمطارهُ الربيعية فى سماء حياتنا، ونبوءة أرواحنا.. الكلماتُ فى قوافيها كرنفالُ مفاجآت.. كُلّ جملةٍ وعبارةٍ وكلمةٍ وُلِدت مباشرة من القلب، وباركها الجسدُ العاشق فى لحظةِ زفافٍ ملائكى .


 قصيدة سعاد الصباح كتابة حالمة.. نقلة نوعية فى لغةٍ طهور، ضوء لغةٍ كرستالى، عابر للأزمان والنفوس والمدن والأصقاع..كيمياء لوحاتٍ تشكيليةٍ، حيث النوارس فى طربٍ، والبحر يزهز بزرقةِ أمواجه، وزوارق الحُلمِ فى تناسلٍ دائب.. والنهارات سعيدة بعنفوان شمس نهاراتها.. والإنسان عاشق وحالمٌ لا زمني..!! والقصيدة ميتافيزياء الكيان الإنسانيّ !


 قصيدة سعاد الصباح إنجازٌ إبداعى حضاريّ إنسانى، وفق ما يُسمّيه سكولز : 
« بالإحساس المتميز العالى للنّوع الأدبي»..!!
 قصيدة سعاد الصباح فكرٌ.. ودمٌ.. وعاطفة !! شغبُ مُحبّب لقلبٍ عاشقٍ..!!
وهيَ تنتمى لعصرِها بنضوج فكرٍ، وسعة قلبٍ، برؤى بعطر الفجرِ، استشرافية نبوئية، تبنى وتُغيّر، تُبدعُ وتفتحُ كلّ نوافذ قلبها لكلّ ما هوَ جديدٌ.. ومثيرٌ.. ومبتكرٌ، بإيعازٍ حُلمى إنسانيّ، وهيَ تصغى لفعلِ الكلماتِ، بإيقاعِ الربيع تارةً، وبإيقاع بركانٍ تارةً أخرى.. لديها كُلّ الأبوابِ مشرعة للتجريب فى الكتابة – الحياة– الحُلم.. وإبداعها النموذج الرائع للتجريب، وهى تتفجّرُ شعراً عربياً أصيلاً، ونثراً خُرافيا تاريخاً بتقنيةِ السردِ.. تنحازُ دائماً للقصيدةِ فى لغةٍ بثوبٍ قشيب، لغة تنطقُ بالوجود – حسب تعبير هايدجر.. قصيدتها كلماتٌ بفسفور التفجير والاختلاف.. قصيدة تشكيلية بامتياز!! وليسَ غريباً عليها، وهى تجمع وتوحّد بين الكلمة والرسم فى إيقاعٍ إنسانى شفاف، كما تجمعُ شجرة البرتقال بين ألوان الثمرة والظلال السحرية.. وأصابعها مكهربة بالقصيدة، والأصابع والقريحة فى تناغمٍ وفى مهارةٍ عاليةٍ.. شاعرة تكتبها القصيدة، لا تذهبُ إليها، بلْ تأتيها القصيدة طائعة، وهى تتوسلُ دفءَ أصابعها وأنغام قريحتها معاً..!!


 سعاد الصباح تؤسّسُ بدمع القلب، ونبيذ الروح للقصيدة – الإنسان.. القصيدة – الوطن.. القصيدة – الحياة.. القصيدة – الحُلم، خلاصة ثقافة الحنان والحُبّ والألفة.. إذْ لا أحد يتجسّسُ على قلبها غيرآلهةِ الحُبّ، وهو كُلّ شيء لديها، ولا أحد يهزمُ الحُبّ.. وحدها مَنْ يتلصّصُ على ذاتها الجريحةِ، ويفيض بعطر غرفةِ عقلها السريّة .


 القصيدةُ غُرفة عقلها السريّة.. تعويذتها فى عالمٍ يُربكُ سير زوارق الحُبّ والولادة والحلم والحياة.. ويضطهد الإنسان العاشق والحالم..!!
 سعاد الصباح عبقرية القصيدة الهاربة من دواوين الأسلاف الرتيبةِ، ورؤى الأذهان الإسمنتية التى تصطافُ فى الفراغ، شاعرة تحاربُ الضعفَ والتخلفَ والاستكانة، وتستهجنُ كلّ «فيتو» على العقلِ والفكرِ والعاطفةِ التى لا سلطان عليها بفقهِ قوافى القصيدة..!!


 سعاد الصباح حين تكتبُ شعراً تستنطقُ العالمَ.. وحينَ ترسمُ تستنطق الوجودَ..!
 وهى سيدة القصيدة – اللوحة، والاثنتان طريقها المضيء لصنع فجرٍ عربى، يُنبيء بحياةٍ أجمل، وعالمٍ أرحبَ، وإنسان حالمٍ، ووطنٍ رغيفه الحرية..!!

اقرأ أيضا | أماندا ميكالوبولو: روايتي الأولى خطاب حب لـ«إيتالو كالفينو»| حوار