مابعد الحرب

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭..‬فى‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضى‭ ‬تناولت‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬رعونة‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والتى‭ ‬بلغت‭ ‬حدتها‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وكان‭ ‬أكبر‭ ‬مظاهرها‭ ‬الخلاف‭ ‬الواضح‭ ‬بين‭ ‬الحليفين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬والذى‭ ‬تفاقم‭ ‬عقب‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الاسكتش‭ ‬الساخر‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬الذى‭ ‬بثته‭ ‬إحدى‭ ‬الفضائيات‭ ‬السعودية‭. ‬

تعود‭ ‬هذه‭ ‬الرعونة‭ ‬المتصاعدة‭ ‬منذ‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬وامتدادها‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬عديدة‭ ‬‮«‬‭ ‬مثل‭ ‬تغير‭ ‬توجه‭ ‬واشنطن‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬والصين‭ ‬والانسحاب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الذى‭ ‬دمرته‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭  ‬أو‭ ‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬الغربى‭ ‬وعلى‭ ‬رأسه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ينتقل‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬ينهى‭  ‬فيه‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفورى‭ ‬أو‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية‭ ‬وبيئية‭ ‬وسياسية‭ ‬مما‭ ‬يفقد‭ ‬الدول‭ ‬البترولية‭ ‬نفوذها‭ ‬تدريجيًا‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬المملكة‭ ‬،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وارد‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقلص‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬حجم‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الرياض‭ ‬دون‭ ‬رعونة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سببًا‭ ‬آخر‭ ‬قد‭ ‬يفسر‭ ‬رعونة‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬وإدارات‭ ‬تسبقها‭ ‬وهو‭ ‬مرتبط‭ ‬بتغير‭ ‬طبيعة‭ ‬وبنية‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭.‬

‭ ‬فقبل‭ ‬77‭ ‬عامًا‭ ‬تحديدًا‭ ‬عند‭ ‬اتفاق‭ ‬كوينسى‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬والرياض‭ ‬وهو‭ ‬الاتفاق‭ ‬المؤسس‭ ‬للعلاقات‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬والرياض‭ ‬عقب‭ ‬لقاء‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬بالملك‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬البارجة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كوينسى‭ ‬فى‭ ‬البحيرات‭ ‬المرة‭ ‬بالسويس‭ ‬فبراير‭ ‬1945،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جنود‭ ‬أمريكيون‭ ‬مجهولون‭ ‬صاغوا‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬وحرصوا‭ ‬على‭ ‬استمرارها،‭ ‬درسوا‭ ‬وعاشوا‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬وتنقلوا‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وبيروت‭ ‬ودمشق‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬بل‭ ‬عاش‭ ‬آباؤهم‭ ‬أيضًا‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬العواصم‭ ‬وأتقنوا‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وعرفوا‭ ‬عادات‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وكيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬العلاقة‭ ‬دون‭ ‬رعونة،‭ ‬ويمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬إدارة‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬هى‭ ‬آخر‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬تمتعت‭ ‬بوجود‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليهم‭ ‬المستشرقين‭ ‬السياسيين‭ . ‬لعل‭ ‬أشهر‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬هوالكولنيل‭ ‬وليام‭ ‬أدى‭ ‬الذى‭ ‬صاغ‭ ‬اتفاق‭ ‬كوينسى‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فهو‭ ‬عاش‭ ‬فى‭ ‬بيروت‭ ‬وتوفى‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬1962‮»‬‭. ‬

الحقيقة‭ ‬لا‭  ‬يعتبر‭ ‬اتفاق‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى‭ ‬هو‭ ‬اتفاق‭ ‬أو‭ ‬اتفاقية‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إليه‭ ‬بأنه‭ ‬تأسيس‭ ‬لمفهوم‭ ‬وحركة‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭  ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬الرئيسية‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬لأن‭ ‬لقاءات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬السعودى‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬لقاء‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬البارجة‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬روزفلت‭ ‬والملك‭ ‬فاروق‭ ‬ويوجد‭  ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التوثيق‭ ‬للقاء‭ ‬روزفلت‭ ‬والملك‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اللقاء‭ ‬الرئيسى‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬فاروق‭ ‬هو‭ ‬الأهم،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لقاء‭ ‬روزفلت‭ ‬ـ‭ ‬فاروق‭ ‬سقط‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستشرقين‭  ‬السياسيين‭ ‬أو‭ ‬تحديدًا‭ ‬فاروق‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬سيضعون‭ ‬قواعد‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

حسب‭ ‬القليل‭ ‬المعروف‭ ‬عن‭ ‬لقاء‭ ‬روزفلت‭ ‬ـ‭ ‬فاروق‭ ‬فإن‭ ‬فاروق‭ ‬لم‭ ‬يهتم‭ ‬بلقاء‭ ‬روزفلت‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬المنتصرة‭ ‬فى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬اهتمام‭ ‬فاروق‭  ‬الرئيسى‭ ‬مشاهدة‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬ومقارنتها‭ ‬بيخته‭ ‬المحروسة‭.‬

ترك‭ ‬فاروق‭ ‬اللقاء‭ ‬بكامله‭ ‬والتفاصيل‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬ستحدد‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬الدولة‭ ‬الأهم‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬القوة‭ ‬الأعظم‭ ‬الصاعدة‭ ‬وأيضًا‭ ‬مفهوم‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬أحمد‭ ‬حسنين‭ ‬باشا‭ ‬رئيس‭ ‬الديوان‭ ‬الملكى‭ ‬والرجل‭ ‬الذى‭ ‬يثق‭ ‬به،‭ ‬الغريب‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬روزفلت‭ ‬مع‭ ‬حسنين‭ ‬باشا‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الشهر‭ ‬فبراير‭ ‬يلقى‭ ‬الباشا‭ ‬مصرعه‭ ‬فى‭ ‬حادث‭ ‬مرورى‭ ‬على‭ ‬كوبرى‭ ‬قصر‭ ‬النيل‭ ‬تسببت‭ ‬فيه‭ ‬سيارة‭ ‬نقل‭ ‬أو‭ ‬لورى‭ ‬تابعة‭ ‬للجيش‭ ‬الانجليزى‭. ‬

حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬مازالت‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذا‭ ‬الحادث‭ ‬المرورى‭ ‬الغامض‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬ويطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬هل‭ ‬تخلص‭ ‬الانجليز‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬الذى‭ ‬أصبح‭ ‬همزة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومصر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬والقوى‭ ‬المؤثرة‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى؟‭ ‬أم‭ ‬فجاجة‭ ‬ظهور‭ ‬اللورى‭ ‬الانجليزى‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬الحادث‭ ‬تقول‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬إلصاق‭ ‬التهمة‭ ‬بالانجليز‭ ‬لأن‭ ‬الباشا‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬بما‭ ‬عليه‭ ‬عقب‭ ‬لقاء‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى؟‭ ‬

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬حادث‭ ‬الباشا‭ ‬الغامض‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬لقاءات‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى‭ ‬فى‭ ‬البحيرات‭ ‬المرة‭ ‬بقناة‭ ‬السويس‭ ‬بداية‭ ‬تأسيس‭ ‬ظهورالتأثير‭ ‬لهذه‭ ‬الطبقة‭ ‬من‭ ‬المستشرقين‭ ‬السياسيين‭ ‬مثل‭ ‬الكولنيل‭ ‬وليام‭ ‬أدي‭ ‬الذى‭ ‬حضر‭ ‬اللقاءات‭ ‬على‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى‭ ‬وبدأت‭ ‬تتردد‭ ‬فى‭ ‬الأروقة‭  ‬السياسية‭  ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أسماء‭ ‬مثل‭ ‬جيفرسون‭ ‬كافرى‭ ‬وكيم‭ ‬روزفلت‭ ‬ومايلز‭ ‬كوبلاند‭ ‬وديفيد‭ ‬أيفانز،‭ ‬ولايهم‭ ‬هنا‭ ‬طبيعة‭ ‬العمل‭ ‬الرسمى‭ ‬الذى‭ ‬كانوا‭ ‬ينتمون‭ ‬إليه،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬الأهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لواشنطن‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الحصول‭ ‬بسهولة‭ ‬على‭ ‬النفط‭  ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بتوازناتها‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬وأيضًا‭ ‬حليفتها‭ ‬الأقرب‭ ‬إسرائيل‭.‬

فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تحجم‭ ‬العربدة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬إدارتى‭ ‬الرئيسين‭ ‬داويت‭ ‬أيزنهاور‭ ‬وجون‭ ‬كينيدى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬العربية‭ ‬وبناءً‭ ‬على‭ ‬توصيات‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستشرقين‭ ‬السياسيين‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قررت‭ ‬استعادة‭ ‬تاريخ‭ ‬استشراقها‭ ‬السياسى‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بعد‭ ‬تداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬واكتشافها‭ ‬المتأخر‭ ‬أو‭ ‬الاكتشاف‭ ‬الذى‭ ‬حجبته‭ ‬غطرسة‭ ‬واشنطن‭ ‬طوال‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬وكانت‭ ‬ذروة‭ ‬الغطرسة‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭  ‬وإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬الحالية‭. ‬

تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الاستعادة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬التى‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الدوائر‭ ‬المقربة‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬فى‭ ‬واشنطن‭ ‬وتتلقفها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬المنتمية‭ ‬بتركيبتها‭ ‬لتيار‭ ‬العولمة‭  ‬البعيدة‭ ‬أو‭ ‬الكارهة‭ ‬لهذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بدأت‭ ‬تبحث‭ ‬مجبرة‭ ‬العودة‭ ‬لمفهوم‭  ‬لقاءات‭ ‬واتفاقات‭ ‬البارجة‭ ‬كوينسى‭.‬

بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬الحالية‭ ‬فى‭ ‬واشنطن‭ ‬تؤسس‭ ‬لصفقة‭ ‬شاملة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفى‭ ‬قلبه‭ ‬العالم‭ ‬العربى‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬ستكون‭ ‬الحاكمة‭ ‬لسياسات‭ ‬واشنطن‭ ‬المستقبلية‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬سواء‭ ‬مكثت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭  ‬وقتًا‭ ‬طويلا‭ ‬أو‭ ‬انتهت‭ ‬بعد‭ ‬وقت‭ ‬وجيز‭. ‬

نقلت‭ ‬التقارير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬سيتولى‭ ‬إعداد‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬المؤسسة‭ ‬البحثية‭ ‬الأقدم‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الأمريكية‭ ‬و‭ ‬تصميم‭ ‬الرؤية‭ ‬السياسية‭ ‬لإدارات‭ ‬واشنطن‭ ‬المتعددة‭ ‬وقد‭ ‬تأسس‭ ‬بشكل‭ ‬رسمى‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬1921بنيويورك‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬له‭ ‬تواجد‭ ‬فى‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة‭ ‬وهو‭ ‬يضم‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬المؤثرين‭ ‬فى‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والبحثية‭ ‬الامريكية‭. ‬

‭ ‬بدأ‭ ‬تأثير‭ ‬المجلس‭ ‬ونخبته‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الجديد‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬ويلسون‭ ‬وارتبط‭ ‬عمل‭ ‬المجلس‭ ‬بفترات‭ ‬الصراع‭ ‬الدولى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وكان‭ ‬للمجلس‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬تصميم‭ ‬رؤية‭ ‬إدارات‭ ‬أمريكية‭ ‬متعددة‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الانتماء‭ ‬السياسى‭ ‬للإدارة‭ ‬سواء‭ ‬جمهورى‭ ‬أو‭ ‬ديمقراطى‭ ‬بواقع‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنضمين‭ ‬للمجلس‭ ‬تولوا‭ ‬مناصب‭ ‬مختلفة‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الإدارات‭ ‬وبأعداد‭ ‬مؤثرة‭ ‬وفى‭ ‬إدارات‭ ‬مثل‭ ‬إدارة‭ ‬إيزنهاور‭ ‬وترومان‭ ‬و‭ ‬كيندى‭ ‬وجورج‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭. ‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬تيار‭ ‬العولمة‭ ‬وترسخه‭ ‬ثم‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬السياسة‭  ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬إدارة‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون‭ ‬حتى‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬الحالية‭ ‬الأكثر‭ ‬تمثيلا‭ ‬بفجاجة‭ ‬لهذا‭ ‬التيار‭ ‬أصبح‭ ‬تأثير‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬على‭ ‬تصميم‭ ‬السياسات‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬الأمريكية‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬أوقاته‭ ‬الذهبية‭ ‬لأن‭ ‬تيار‭ ‬العولمة‭ ‬أصبح‭ ‬له‭ ‬منظرينه‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بالتأكيد‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬العولمى‭ ‬ممثل‭ ‬داخل‭ ‬المجلس‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬الأغلب‭ ‬لايعتبره‭ ‬الواجهة‭ ‬الرئيسية‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رؤاه‭. ‬

قبل‭ ‬الذهاب‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬الأمنيات‭ ‬والأحلام‭ ‬بالنسبة‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسفرعنه‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المنتظرة‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬ستعيد‭ ‬أو‭ ‬تصنع‭ ‬عهدًا‭ ‬ذهبيًا‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محددين‭ ‬يحكمان‭ ‬السياسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الآن‭ ‬وحتى‭ ‬العام‭ ‬2030‭ ‬أول‭ ‬المحددات‭ ‬متعلق‭  ‬بالغرب‭ ‬وليس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فقط‭ ‬حيث‭ ‬اتخذ‭ ‬قرارلأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وبيئية‭ ‬بالاستغناء‭ ‬التدريجى‭ ‬والكامل‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفورى‭ ‬أى‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭  ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والمحدد‭ ‬الثانى‭ ‬أن‭ ‬التوجه‭ ‬الاستراتيجى‭ ‬الأمريكى‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بوصلته‭ ‬الرئيسية‭ ‬تجاه‭ ‬بكين‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭. ‬

أما‭ ‬لماذا‭ ‬تعود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الآن‭ ‬وتصمم‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وتعرض‭ ‬المصالحات؟‭ ‬لأنه‭ ‬دون‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بموارده‭ ‬النفطية‭ ‬وممراته‭ ‬البحرية‭ ‬وثقله‭ ‬الجيوسياسى‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحقيق‭ ‬النقلة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الدائمة‭ ‬تجاه‭ ‬خصميها‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬هذا‭ ‬تستطيع‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ثم‭ ‬التفرغ‭ ‬لبكين‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الصعود‭. ‬

يمكن‭ ‬استشراف‭ ‬مفهوم‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التى‭ ‬ستخرجها‭ ‬علينا‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬خلال‭  ‬الاسمين‭ ‬الأبرز‭ ‬فى‭ ‬أعدادها‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬يتردد‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬مارتن‭ ‬إنديك‮»‬‭ ‬و»ستيفن‭ ‬كوك‭.‬

يمكن‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬العناء‭ ‬فهم‭ ‬طبيعة‭ ‬ماهو‭ ‬قادم‭ ‬ويعده‭  ‬بايدن‭ ‬و‭ ‬‮«‬شركاه‮»‬‭ ‬وتحديدًا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشركاء‭ ‬وليس‭ ‬بايدن‭ ‬الذى‭ ‬صافح‭ ‬الهواء‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬ظهور‭ ‬له‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحليل‭ ‬أفكار‭ ‬‮«‬إنديك‭ ‬وكوك‮»‬‭ ‬وكيف‭ ‬ارتبطا‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وهل‭ ‬هما‭ ‬النسخ‭ ‬الحديثة‭ ‬من‭ ‬وليام‭ ‬أدى‭ ‬وكافرسون‭ ‬وكيم‭ ‬روزفلت‭ ‬وكوبلاند‭ ‬؟‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬والارتباط‭ ‬يحتاجان‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬أخرى‭ ‬وأسبوع‭ ‬قادم‭. ‬