دماء قبل مدفع الإفطار في الشرقية

بلطجة الجيران قتلت الأب في بيته أمام أطفاله وزوجته.. تفاصيل

الأب القتيل
الأب القتيل

إسلام عبدالخالق

يـأتـي شهر رمضان حامًل كل عام حاملًأ والـبـركـة للبشرية، وأكبر ذلــك تصفيد الشياطين، لكن شياطين الإنس ربما كانوا أكبر وأقوى من شياطين الجن ويُهلكون الحرث والنسل، وهوَّ ما ظهر جليًا قبل سويعات من انطلاق مدفع الإفطار منذ أيام قليلة، حين أقدمَّ ثلاثة شباب بينهم شقيقان وزوج شقيقتهم على الفتك بجارهم حتى خارت قواه أمام أطفاله الثمانية، لا لشيء إلا لخلافات بدت صغيرة في البداية، لكن ما حدث وانتهى بمقتل المجني عليه أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن بين دنيانا التي نعيشها لا يزال هناك من يظن وهمًا أنهم فوق القانون ويرسخون قانون الغاب، إلا أن القانون والأمن المصري دومًا بالمرصاد لهم وأشباههم.

 

على بُعد أمتار من مبنى مجمع محاكم بلبيس في محافظة الشرقية، ووسط المنطقة المعروفة بـ«أرض المستشار» خلف قسم شرطة بلبيس، وبينما يتسابق الجميع لتجهيز وجبات الإفطار إيذانًا باستقبال الشهر الكريم، قُتل المجني عليه «محمد كمال نبهان عطية» الميكانيكي الشاب الذي ساقه الحظ العثر والظروف ليعمل على سيارة بالكاد تكفي نفقات ما يحصده من عمله للإنفاق على أسرته الكبيرة وحمله الثقيل كونه أبا لثمانية أطفال أكبرهم عمره خمسة عشر عامًا، وأصغرهم رضيعة لم تُكمل شهرها الخامس بعدْ؛ فقد كان وأسرته على موعد مع مُصاب جلل وحادث أليم على يد جيرانه ممن اعتادوا دومًا النيل منه والافتراء بكل ما لديهم من قوة عليه؛ إذ فتكوا به وراحوا يوسعونه ضربًا أمام أعين الجميع في المنطقة، قبل أن يُكملوا جريمتهم باقتحام مسكنه وضربه أمام أطفاله الثمانية حتى سقط أرضًا ليفارق الحياة بعدها ببضعة أيام تاركًا حملًا ثقيلًا لزوجته التي باتت وأسرته دون عائلٍ أو سند.

 

البداية

«طول عمرهم بيفتروا عليه ويضربوه قصاد الناس».. قالتها أفكار كمال، شقيقة المجني عليه لـ«أخبار الحوادث»، مؤكدةً أن شقيقها لم يكُن له طاقة في مواجهة بلطجة جيرانه أو صد تعدياتهم عليهم، بل كان يستقبل الأمر بدعابة ليُظهره على غير حقيقته ولا يتطور الأمر إلى شجار، وحين كانت تسأله لما لا يواجههم كان يرد دومًا: «انا في رقبتي كوم لحم ومش حملهم ولا أقدر عليهم».

 

تبكي «أفكار» وهي تسترجع شريط ما حدث ودار أمام عينها يوم الواقعة، لتوضح أن ما جرى كان في اليوم الأول من شهر رمضان، إذ كان شقيقها في عمله وعاد إلى المنزل في الوقت الذي كان أحد أطفاله يهرول إلى والدته باكيًا من تعدي ابن الجيران عليه، فما كان من الأم (زوجة المجني عليه) إلا أن ذهبت رفقة صغيرها إلى الجيران لمحاولة منع الشجار وتهدئة صغيرها، فما كان من الجيران إلا أن تعدوا عليها بالضرب ووجهوا لها ألفاظًا نابية دون أن يُراعوا أن الجو صيام وأن اللسان يجب أن يكون طيبًا يمنع الأذى عن الجار.

 

ارتفع صوت الجيران وهم يعتدون على زوجة المجني عليه بالضرب والسباب، فما كان من زوجها (المجني عليه) إلا أن خرج من المنزل لأجل محاولة الدفاع عن زوجته وفهم ما يحدث حتى، لكن الجيران (المتهمين) كانوا قد بيتوا النية للاعتداء عليه؛ إذ راحوا يوسعونه ضربًا بالحجارة واللكمات، وطارت إحدى الحجارة ليصطدم في وجه شقيق المجني عليه ويطرحه أرضًا، في الوقت الذي تدخل فيه الجيران وفصلوا بين الطرفين، إلا أن المشاجرة تجددت بعد وقتٍ قليل واقتحم الجناة مسكن «محمد» وراحوا يوسعونه ضربًا من جديد فيما أحضر أحدهم «كوريك» هوى به على رأس المجني عليه من الخلف ليتسبب في إصابة بالغة كانت الرئيسية في أن يُفارق المجني عليه الحياة بعد أيام من نقله إلى المستشفى متأثرًا بإصاباته.

 

تلتقط زوجة المجني عليه أطراف الحديث، لتؤكد لـ«أخبار الحوادث» على أنهم قد أبلغوا الشرطة وقت نشوب المشاجرة واعتداء جيرانهم عليهم في بداية الأمر، وأن قسم الشرطة أرسل عددا من أمناء الشرطة للقبض على زوجها وجارهم، لكن أثناء خروج زوجها من المنزل اعتدى عليه الجاني وسدد له ضربة على رأسه بواسطة «الكوريك» ليُحدث الإصابة التي أودت بحياته فيما بعد.

 

تواصل الزوجة المكلومة حديثها، مشيرةً إلى أن المتهم الرئيسي دائمًا ما كان يستهين بزوجها ويُقلل من شأنه، فلم يحتمل أن يراه أبًا لأطفالهم الثمانية، وحين كانت تحمل كان يصفها بـ«الأرنبة» على مرأى ومسمع أهل المنطقة، بل كان يزيد على ذلك بأن يُقلل من شأن زوجها ويضربه أمام الجيران ويتفوه دومًا بعبارات تشير إلى أنه لا يُمكن لهم أن يصدونه أو يقفون في وجه بلطجته كونه يعرف أشخاص سبق لهم الترشح لعضوية مجلس النواب -على حد قول الزوجة وأسرة المجني عليه-، إلا أن زوجها كان معتادا التجاهل ويخبرها أن حملهم ثقيل كون أطفالهم ثمانية ولا يوجد مصدر يُعينهم على المعيشة سوى عمله البسيط.

 

تدخل الزوجة في نوبة بكاء وهي تحتضن أطفالها الثمانية الذين تيتموا وباتوا بلا عائل أو سند بعد مقتل زوجها، مطالبةً بالقصاص لدماء زوجها ومقتله وهو صائم على يد من اعتادوا ترويعهم والاستقواء كذبًا وتضليلًا بنفوذهم ومعارفهم، قبل أن تشير إلى أنها وكل أفراد الأسرة يعرفون ويؤمنون بأنهم في بلد يحكمه القانون، ويثقون في نزاهة العدالة، لكنها زادت من بكائها وهي تتحدث عن أطفالها ومستقبلهم، فضلًا عن أن أكبر أطفالها ومن يصغره قد تركا التعليم نظرًا لضيق ذات اليد وعدم قدرة الأسرة على تحمل نفقات التعليم.

البلاغ

البداية كانت بتلقي اللواء مساعد وزير الداخلية مدير أمن الشرقية، إخطارًا من اللواء مدير المباحث الجنائية في مديرية أمن الشرقية، يفيد بشأن ما تبلغ لمأمور قسم شرطة بلبيس، بورود إشارة من مستشفى بلبيس المركزي بوصول المدعو «محمد كمال عطية» 36 عامًا، ميكانيكي ويعمل سائقًا على سيارة، يقيم في منطقة أرض المستشار التابعة لنطاق ودائرة قسم شرطة بلبيس، في حالة غيبوبة تامة، وبإجراء الفحص الطبي داخل مستشفى بلبيس المركزي تبين سوء وتأخر حالة المصاب ليتم تحويله إلى مستشفى الزقازيق الجامعي، وهناك مكث لعدة أيام قبل أن يُفارق الحياة متأثرًا بإصاباته بنزيف داخلي بالمخ وإصابات بالغة تعرض لها وأودت بحياته.

 

بالانتقال والفحص وسؤال أسرة المصاب أفادوا بتعرضه للضرب على يد ثلاثة من جيرانهم، وسط تأكيد على أن المتهمين «فهد د ط» وشقيقه «محمد» وزوج شقيقتهما «إبراهيم ع»، جيرانهم بذات المنطقة، قد اعتدوا على المجني عليه وأوسعونه ضربًا باللكمات والحجارة وأن أحدهم قد وجه له ضربه على رأسه بواسطة «كوريك»، ما تسبب في إصاباته التي أودت بحياته، وذلك إثر نشوب مشاجرة سببها الأطفال بين الطرفين.

 

تم ضبط المتهمين وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4405 جنح قسم شرطة بلبيس لسنة 2022، وبالعرض على جهات التحقيق في مركز شرطة بلبيس صرحت بدفن جثة المجني عليه عقب الانتهاء من الصفة التشريحية، وطلبت تحريات المباحث حول الواقعة وملابساتها وكيفية حدوثها، قبل أن تأمر بحبس المتهمين على ذمة التحقيقات بتهمة القتل العمد.