إبليس: الإسلام اختراع أموى.. والقبلة فى البتراء وليس مكة!

«آخرساعة» تجيب عن أسئلة الشيطان (3).. هل الإسلام اختراع أموي

أسئلة الشيطان
أسئلة الشيطان

بقلم: حسن حافظ

لم يتم العثور على أى حفائر أو آثار مادية تثبت الوجود التاريخى للنبى محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والخلفاء الراشدين، ولا نجد أى آثار مادية إلا بداية من عصر الخليفة عبد الملك بن مروان، لذا نرى أنه أول مؤسس للدولة العربية، وأن مهد الإسلام هو بلاد الشام وليس مكة، عبر دمج عادات يهودية فى بوتقة عربية، فهل لديكم ما يستطيع أن يفند هذه الآراء التى أتى بها عدد من المستشرقين أمثال مايكل كوك وباتريشيا كرون فى كتابهما (الهاجريون: صناعة العالم الإسلامي) الصادر فى العام 1977؟ ألم يقدم الباحث الكندى دانيال جيبسون فى كتابه (القبلة الإسلامية المبكرة: مسح للمساجد التى بنيت بين 1-263هـ/ 622- 876م) ما يثبت أن القبلة كانت فى البتراء وليس مكة؟ كيف تردون على كل هذه الفرضيات والكتب التى تثبت اختلاق الإسلام على يد الأمويين وأنكم تعيشون فى أكذوبة كبرى؟

 

هذه الاتهامات والشبهات ترى البعض يكررها ويلقيها أمامك ثم يلوذ بالفرار، فهو لا يرغب إلا فى أن يثير حيرتك ويصيبك بالاضطراب والتخبط، ويلقى بك فى شباك إبليس ليتلاعب بك وبأفكارك، فمن يردد هذا الكلام هو إبليس نفسه، لا يريد أن يناقش ولا يريد أن يثبت معلومة أو يتحقق من خبر، هو فقط يريد إثارة الشبهات فى النفوس، ويهز الإيمان لا ليعيد البناء على أسس من اليقين، بل يريد الهدم ولا غيره، لكن هذه الشبهات التى جاء بها بعض الباحثين الغربيين ومن سار على دربهم من أتباعهم من العرب، لا أساس لها إلا الأوهام. فالمتأمل والراغب فى المعرفة الحقيقية لا المعرفة من أجل الإثارة، سيجد أن هذه الشبهات تم الرد عليها ولم يكن ذلك بأيدى المسلمين وحدهم، بل من قبل الكثير من الباحثين الغربيين الذين اتبعوا أدوات منهجية رصينة وانتصروا للحقيقة التاريخية دون تزويق ولا ميل لهوى. لذا سنعرض أبرز وجهات النظر الخاصة بأصحاب هذه الآراء، ثم نقوم بالرد عليها بناء على أحدث الدراسات التى تتناول هذه الفرضيات بالنقد والنقض العلمى الرصين.

 

يعود الحديث عن اختراع الإسلام فى فترة قريبة من فترة الخليفة عبد الملك بن مروان (حكم 65- 86هـ/ 685- 705م)، إلى فرضية للباحث البريطانى مايكل كوك، والباحثة الدنماركية باتريشيا كرون، فى كتابهما المشترك (الهاجريون: دراسة فى المرحلة التكوينية للإسلام) والصادر عام 1977، وتقوم الفرضية غير المثبتة، والتى يعترف أصحابها بأنهما لا يمتلكان أدلة كافية عليها، على أنه لا يوجد إسلام كما يتخيله المسلم المعاصر، ولكن كل ما فى الأمر هو حركة يهودية استقرت فى الجزيرة العربية وتطورت عبر ادعاء الانتماء إلى السيدة هاجر، إلى حركة استرداد أرض الميعاد اليهودية فى بلاد الشام، وهناك تحولت إلى ديانة إسلامية بجذور يهودية مطعمة بإضافات من اليهودية السامرية، وأن الفتوح ما هى إلا تحالف يهودى هاجرى استفادت فيها اليهودية من قوة العرب البربرية، واستفادت الهاجرية من المبادئ اليهودية، ثم تنكر الإسلام لأصوله اليهودية وأعاد اختراع نشأة مختلقة له، أى أنهما يخلصان إلى أن الإسلام نشأ أولا فى فلسطين حول البتراء ومع يهود السامرية، ثم سرقه محمد والعرب، وأن شخصيات مثل أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب شخصيات خيالية ولا دليل أثرى على وجودها.

 

لكن المدهش أن مايكل كوك نفسه تراجع عن أفكاره وأمتنع عن محاولة إعادة بناء مفصلة للإسلام كما صرح من قبل، بينما قالت كرون فى ما يشبه التراجع خطوة للخلف إن الكتاب عبارة عن مقال للخريجين وفرضية وليس نتيجة قطعية، بعدما تعرضت لهجوم كاسح من قبل الباحثين الغربيين أنفسهم، إذ هاجم قطاع من المستشرقين الذين يعتمدون على منهجية صارمة لا تعرف المحاباة، عمل كوك وكرون المشترك، كونه معاديا للإسلام كدين وحضارة، وينطلق من أساس هذا العداء فى محاولة تشويه الوقائع وإعادة تقديمها بما يخالف الواقع لكى تتناسب مع فرضيتهما، وهو ما عبر عنه صراحة المستشرق الإنجليزي، روبرت سرجينت، وقال صراحة إن الكتاب عبارة عن خيالات سطحية سخيفة، وهو نفس موقف المستشرق الألمانى الكبير جوزيف فان إس، الذى قال ببساطة إن مراجعة عمل كوك وكرون غير ضرورى لأنهما لا يبذلان أى مجهود لإثبات فرضياتهما، ووصف نهجهما بالكارثى فى مقال نشره فى الملحق الأدبى للتايمز الإنجليزية، فى العام التالى لنشر الكتاب، وهى شهادة لها وزنها، إذ يعد فان إس أحد أكبر المستشرقين المتخصصين فى تاريخ الأفكار الإسلامية على مستوى العالم

 

وأطلق المؤرخ الأمريكى ر. ستيفن همفويز، رصاصة الرحمة على هذه الأطروحة التى وصفها بـ "الفاشلة"، عندما كتب فى مقال بعنوان (التقليد التاريخى المبكر ونظام الحكم الإسلامى الأول) 1992، "بصرف النظر عن المتحمسين على الإنترنت وأصحاب الدوافع الدينية المعادية، فلا أحد اليوم، ولا حتى كوك وكرون نفسيهما، يعتقد أن صورة الإسلام المبكر المطروحة فى كتاب الهاجريين صورة دقيقة"، لكنه أكد أن الميزة الوحيدة التى يمكن عدها لذلك الكتاب هى أنها جعلت الباحثين المهتمين بالفترة المبكرة لتاريخ الإسلام يهتمون بدعم أبحاثهم بمزيد من الأدلة لدحض مثل هكذا افتراضات غير حقيقية، خصوصا أن كرون وكوك، تعمدا استبعاد كل ما له علاقة بالروايات الإسلامية التى أثبتت الوقائع صحتها، مقابل الاستعانة بمصادر سريانية وغير إسلامية يشوبها الاضطراب وعدم الدقة فى الرواية التاريخية، مع تمسكهما بمنهج يعتمد على الأركيولوجيا (علم الآثار) ما جعلهما يركزان على الأمور المادية فقط والتضحية بكل ما هو روحى أو شفوى أو مروى فى الكتب المخطوطة، ما جعل دراستهما ناقصة ومحل انتقاد دائم من قبل المستشرقين أنفسهم.

 

وقدمت الباحثة آمنة الجبلاوى نقدا مهما فى كتابها (الإسلام المبكر.. الاستشراق الأنجلوسكسونى الجديد)، لأطروحات كرون وكوك، عبر تحليل كتاب (الهاجريون)، والرد على كل ما جاء فيه من افتراءات وافتراضات وهمية لا تصمد أمام أدوات البحث العلمي، وكيف أن التنافر بين أجزاء أطروحتهما، هو ما أدى إلى نتائج خاطئة، خاصة أن المؤلفين يعمدان إلى انتقاء ما يناسب وجهة نظرهما من المصادر والمراجع، وحذف أى وقائع تنسف ما يقولان به، واختراع تفسيرات لا علاقة لها بالواقع مثل القول بأن الإسلام كان حركة من أجل استعادة الدور العربى المكى فى التجارة العالمية، وهو تفسير غير واقعى يسقط أمام حقيقة أن كبار تجار مكة كانوا هم أول من عارضوا الإسلام وحملوا السلاح، فكيف سعوا لاستخدام الإسلام لتحقيق مكاسب تجارية لهم؟ فهنا لا أهمية للوقائع التاريخية طالما لا تخدم تخيلات كوك وكرون.

 

لكن التفنيد العلمى الحاسم لأطروحات كوك وكرون جاء من شواهد أثرية لا تقبل النقد، عبر الكشف عن الكثير من الأدلة المخطوطة عن أوراق عليها كتابات قرآنية تعود للقرن الأول للهجرة، بما يوجه ضربة حاسمة وقاضية لكل الافتراضات الكاذبة التى جاء بها كوك وكرون، حول أن القرآن اختراع متأخر، وأن كل وقائع صدر الإسلام أكذوبة، فالعقود الأخيرة شهدت طفرة فى دراسات المخطوطات القرآنية المبكرة، والتى تعود إلى القرن الأول للهجرة، بما ينفى أطروحة أن الإسلام صناعة يهودية ولم يظهر بشكل مستقل إلا فى نهاية القرن الأول الهجرى أو بداية القرن الثاني، بل إن هذه المخطوطات وأشهرها ما تعرف باسم (مصحف صنعاء)، والتى تم العثور عليها خلال عمليات ترميم الجامع الكبير فى صنعاء العام 1972، وباستخدام فحص الكربون المشع وهى أداة عملية لتحديد عمر الوثيقة، ثبت أن هذه الأوراق تتفق مع نص القرآن الكريم، وتعود إلى النصف الأول من القرن الأول للهجرة، ثم جاء الاكتشاف الأهم فى 2014، عندما أعلنت جامعة توبنجن الألمانية، عن أن أجزاء من المصحف المملوكة لها تم تأريخها باستخدام الكربون المشع، بدقة تبلغ 95%، إلى الفترة من 25 هـ/ 649م إلى 55هـ/ 675م، ما يجعلها أقدم نصوص مخطوطة من المصحف الشريف، وتضم بعض آيات من سورتى طه ويس، وتعد حاليا أقدم مخطوطة للقرآن الكريم، فضلا عن عدد من المخطوطات المتناثرة فى عدد من مكتبات العالم، والتى تنسف دعاوى التحريف التى روجها كوك وكرون ومن لف لفهما، من محاولات تشويه الإسلام بافتراضات وهمية لا أصل لها.

 

وجاءت الضربة القاضية لبريتشيا كرون ونظريتها التى يعتمد عليها بعض غلاة المتطرفين، قبل وفاتها بأشهر فى 2015، عندما كشف فرد دونر، أستاذ الشرق الأدنى بجامعة شيكاغو، عن بردية من القرن الأول الهجرى فى محاضرة له بجامعة براون العام 2014، تكشف البردية عن ذكر عمر بن الخطاب صراحة، بما ينفى ما روجته كرون بأن عمر بن الخطاب شخصية خيالية، يرى دونر أن ما تبقى من البردية يؤكد أنها كتبت قبل أن يتولى عمر الخلافة سنة 13هـ634م، وهو دليل مادى لا يقبل الدحض، يضاف إلى ما تم اكتشافه فى مدينة العلا 1999، إذ يوثق نقش مؤرخ بسنة 24 هجريا، وفاة عمر، إذ يقول النص: "أنا زهير كتبت زمن توفى عمر سنة أربع وعشرين"، كما تم العثور على نقوش أخرى قرب نجران سنة 2012، تتضمن ذكر عمر، وهى أدلة دامغة لن تعجب من يتبنى نظرية كوك وكرون، التى ثبت بالبحث التاريخى والأثرى سقوطها الأبدي.

 

سقطت أطروحة الهاجرية ما ونشأ عنها من أفكار مثل أن مكة فى البتراء وأن العمرين شخصيات أسطورية، وتخطاها الكثير من المدارس الاستشراقية فى الغرب، لكن عندنا فى العالم العربي، لا يزال بعض المراهقين فكرا لا سنا يتمسكون بما لا يمكن التمسك به، ويعيدون طرح نفس الأفكار المخترعة والوهمية والتى لا تؤيدها أى وقائع تاريخية سواء فى كتابات المسلمين أو غير المسلمين، هكذا مجرد افتراضات تتنزل عليهم وهم يستلقون على أسرتهم قبل النوم، هذه الأفكار غير الجادة يجب أن تعامل بما تستحق من تجاهل، لأنها لا تستحق غير ذلك، وأى التفات لها يعطيها قيمة لا تستحقها.