نسرين العسال تكتب : انحراف روجينا باقتدار

نسرين العسال
نسرين العسال

قد يبدو  للوهلة الاولى أن العنوان صادما، لكن فى حقيقة الأمر ما قصدته بالتحديد ،لم يكمن فى هذا المعنى حيث أنا انحراف، هو أسم العمل الدرامي الذى يعرض الآن، على شاشات التلفزيون ،وتقوم ببطولته الفنانة روجينا التى تقوم فيه بدور طبيبة نفسية، تدعى حور  تلهث وراء الشهرة والشو الاعلامى، بغرض أن تجد لنفسها مكانا  تصبح من خلاله، حديث الساعة و ترند فى نفس الوقت ، فقد جاءت الحلقة الأولى وفى أحد المشاهد ظهرت فيها الدكتورة حور ،فى إستضافة برنامج وأثناء الحديث التلفزيونى، تلقت مكالمة من مشاهد كان مهاجما لها  بغرض تشويه صورتها، ووصفها بعدم المصداقية مع المرضى، قائلا أن أمثالها كل مايبغونه من عملهم هو، الشهرة والمال فقط لأغير ! ثم ظل طوال المداخلة فى التطاول عليها  بصورة كبيرة ،لكن من الغريب أن فى المقابل كانت تتلقى الدكتورة حور كل هذا الهجوم ، وهى فى قمة الثبات الإنفعالى دون إبداء أى تذمر، أو معارضة منها،  أو حتى تعليق على هذا الكلام - كما لو كانت تؤمن بحرية الرأى والتعبير -  فقد كانت على العكس تماما مبتسمة طوال مدة المكالمة، وفى النهاية قالت للمتصل تستطيع أن تأتى الى العيادة، وسوف أقوم بعمل اللازم معك وأنتهت بالفعل المكالمة، دون تعليق منها وسطا استغراب من المذيعة.
ثم يأتى المشهد التالى، ليوضح لنا أن كل ماحدث كان تمثيلية من صنع الدكتورة حور، التى أتفقت مع مساعدتها على ترتيب كل ماحدث مسبقا ،هدفه إضفاء إثارة للحلقة، والترويج لها ثم طلبت من مساعدتها ، نشر مقطع شتيمة المتصل على جميع المواقع وتتحدث الى جميع الصحفيين، بشأن هذة الحلقة.
 وبالطبع كل ذلك  بمقابل من المال تدفعه الدكتورة حور لهؤلاء لعمل فرقعة إعلامية غرضها  الكثير من الجدل حولها مما يجعلها الأكثر شهرة وبالفعل هذا ماوضحته فى لقطة تجمعها مع صديقتها فى أحد المطاعم حين قالت لها " أول مرة أشوف واحدة نفسها مفتوحة على الاكل، بالرغم إنها اتشتمت فى الحلقة " أجابتها  دى حقيقة لأن ده النجاح  ! ووسط دهشة عارمة على وجه صديقتها،  قالت لها " أنتى ازاى بتعالجى المرضى على الهواء ،فى البرامج إحنا درسنا فى الجامعة اننا لازم نقعد مع المريض، كذا جلسة علشان نقدر نشخص حالته بالظبط " وهنا كان الرد صادما من حور،  حين أجابت عليها  " احنا فى زمن التيك واى" والمعيار ليس بالكفاءة أو المهنية إنما فى كيفية عمل ضجة، وجدل حولك وهذا كان تبرير حور فى أسلوب حياتها، للوصول الى عالم الشهرة والٱضواء.
 ثم ينتقل المسلسل الى نوع آخر من التشويق والمغامرة، من خلال المشاهد المتتالية فقد يظهر بعد ذلك أن لكل مريض نفسى ، تقوم بعلاجه حور  قصة أودت به الى هذة الحالة المرضية، وحور كاطبيبة نفسية كان علاجها، من نوع خاص فقد تقمصت دور المنتقمة لهؤلاء ،كأنها تاخذ بالثأر لهم و كما لو كان، لكل قصة من قصص المرضى بمثابة أبعاد نفسية لديها تمثل  عقدة ، أو بالأحرى تمثل شىء غامض فى حياتها  - يعتبر  الجانب المظلم للشخصية الذى لم يظهر بعد !  - تجرها الى الإنتقام الى حد القتل !! بعد تنكرها وتغيير شكلها بالكامل فقد تقوم بجريمة القتل، دون أن تترك أى أثر وراءها،  ثم تقوم حور بمنتهى الذكاء، والحنكة وكأنها متمرسة فن القتل، مع موسيقى مصاحبة تقوم بتشغيلها ،أثناء قيامها بالجريمة وهى ثابتة لاتتغير وكأنها بمثابة إشارة، أو تمهيد للإستعداد للقتل، بالفعل جاء اختيار المقطوعة الموسيقية ،بعناية لتفاعلها مع المشهد وما تعطيه من تخدير لأعصاب المجنى عليه، لكن بالإضافة الى هذا الجانب المظلم لحور، وجدنا أيضا جانب مشرق أخر يظهر فى علاقتها پأبنة زوجها، فكانت تحتويها بكل معانى الحب والحنان، وگأنها  أبنتها بالفعل بما تعطيها ،من أهتمام و مشاعر صادقة  .
 وبالرغم من أن العمل يغلب عليه طابع "الميتافيرس" ،وهو مصطلح يطلق على كل ماهو، وراء العالم أو اللا منطقية و تضخيم الأشياء ووضعها فى غير محلها ،فكان على سبيل المثال أختيار شخصية كبيرة، فى العمر  لتأجير رحمها لزوجة لم تنجب، فكان من المفترض أن يتم اختيار ممثلة أصغر سنا، حتى تكون مقنعة للإنجاب.
  مما لاشك فيه أن روجينا، أثبتت جدارتها المهنية والفنية وبراعتها فى الأداء، بالتحديد فى هذا العمل لتمتعها بشخصية هادئة، وقوية مع سلاسة وبساطة الدور، دون مبالغة أو أفورة خاصة، وأن مع كل جريمة قتل، تقوم بها كانت تتلون بالأداء والصوت، كما لوكانت تؤدى أكثر من دور لكنه فى عمل واحد! وهذا أن دل على شىء، فهو يدل على تمكنها من الدور بشكل جيد وتشبعها الكامل بالشخصية،  ونضجها الفنى بعمق والدليل على ذلك، أن جميع الإنحرافات التى قامت بها ،فى العمل أستطاعت أن تقنع عين المشاهد   .
 المسلسل لم يقف عند هذا الحد، إنما القى الضوء حول بعض قضايا المجتمع الهشة ،فكان هناك طرح لسوء العلاقات الزوجية، التى ينتج عنها أولاد غير أسوياء،  وكان للإبتزاز المادى والخيانات الزوجية نصيب  أخر من المشاهد،  الى جانب ظهور الشاب الذى يغرر بالفتيات للوصول الى أهداف دنيئه والإيقاع بهن ،ثم شاهدنا  أيضا الرجل الذى أنتقم من أخته طمعا فى ميراثها  .
جميع ذلك أعطى للمسلسل ثقل وجعله وجبة دسمة، للمشاهد وذلك من خلال مجموعة من الفنانين المتميزين .
   و بالرغم  من أن المسلسل على وشك الإنتهاء، لم تظهر الدوافع والأسباب النفسية ،التى تقود حور بعد ! لفعل هذة   الممارسات ،وحيث أن أنتقامها جاء بشكل ناعم خالى من الشر التقليدي ومن أى مبالغات، إلا أنك لاتستطيع أن تكرها، أو حتى تنفر منها ،بل على العكس تماما فقد تتعلق بالشخصية الى حد تصديقها !!  حقا تفوقت على نفسها  ..شابو روجينا !!