كييف تتهم روسيا بالسعي لـ«تدمير دونباس»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الأحد 17 أبريل، روسيا بالرغبة في "تدمير" منطقة دونباس تمامًا، واعدا ببذل كل ما في وسعه للدفاع عنها بدءا بمدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية حيث طلب من الجنود المحاصرين القتال "حتى النهاية".

وقال زيلينسكي في رسالة بالفيديو "الجنود الروس يستعدون لشن هجوم في شرق بلادنا في مستقبل قريب، إنهم يريدون حرفيًا القضاء على دونباس وتدميرها"، وأضاف "مثلما يدمر الجنود الروس ماريوبول، فإنهم يريدون تدمير مدن أخرى ومجتمعات أخرى في منطقتي دونيتسك ولوجانسك".

اقرأ أيضًا: روسيا تستعرض قواتها في احتفالات عيد النصر بمشاركة 11 ألف جندي 

وقال متوجهًا إلى مواطنيه "لا تتعاونوا مع المحتلين"، مضيفًا "يجب أن تصمدوا أمامهم"، ومرددا على مسامع الغربيين أن "الحاجة إلى فرض حظر على شحنات النفط من روسيا تفرض نفسها كل يوم".

"الفرصة الأخيرة" لإجلاء المدنيين

في الشرق، أكدت وزارة الدفاع الروسية يوم الأحد 17 أبريل، أن "صواريخ عالية الدقة دمرت مخازن وقود وذخيرة" في بارفينكوف (منطقة إيزيوم) وفي دوبروبيليا غير البعيدة عن دونيتسك.

وأعلن الحاكم الأوكراني لمنطقة لوجانسك سيرجي جايداي الأحد أن "قصف المنطقة مستمر"، وقال إن بلدة "زولوت أصيبت بشدة اليوم. استهدفوا عمدا مبنى من خمسة طوابق... قُتل شخصان وأصيب خمسة".

وفي هذا السياق، أعلنت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني تعليق الممرات الإنسانية لإجلاء المدنيين من شرق أوكرانيا ليوم الأحد في غياب اتفاق مع الجيش الروسي على وقف إطلاق النار.

لكن سيرجي جايداي حض المدنيين مع ذلك على إخلاء المنطقة.

وكتب على فيسبوك "هذا الأسبوع سيكون صعبا.. قد تكون هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذكم" عبر مغادرة مناطق القتال.

في خاركيف في شمال شرق البلاد، قتل خمسة أشخاص على الأقل الأحد وأصيب 20 في ضربات جوية تسببت في اندلاع حرائق، كما أعلن حاكم المنطقة أوليغ سينيغوبوف.

من جانبه، أفاد زيلينسكي بأنه "في الأيام الأربعة الماضية وحدها، قتل 18 شخصا وجرح 106" في القصف على هذه المدينة منددا بـ"إرهاب متعمد".

وسمع صحافيون من وكالة فرانس برس في المكان دوي قصف ورأوا خمسة حرائق تنتشر في مناطق سكنية في وسط خاركيف.

وقالت سفيتلانا بيليجينا (71 عاما) في تصريح لوكالة فرانس برس لدى تفقّدها شقتها المدمّرة "اهتز المنزل بكامله.. النيران التهمت كل شيء هنا".

"العديد من المدنيين" في مجمع آزوفستال المحاصر
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميجال الأحد أن مدينة ماريوبول الاستراتيجية "لم تسقط"، مؤكدا أن المدافعين عن المدينة ضد الهجوم الروسي "سيقاتلون حتى النهاية".

وأضاف في مقابلة بثتها الأحد قناة "إيه بي سي" الأمريكية "لا، المدينة لم تسقط. قواتنا العسكرية وجنودنا ما زالوا هناك. سيقاتلون حتى النهاية. بينما أتحدث إليكم، ما زالوا في ماريوبول".

وكانت موسكو طلبت من آخر المقاتلين الأوكرانيين المتمركزين في مجمع آزوفستال للمعادن وقف إطلاق النار في الصباح وإخلاء مواقعهم في منتصف النهار.

وأكدت وزارة الدفاع الروسية عبر تلغرام أن "جميع من يتخلون عن أسلحتهم سيتم ضمان سلامتهم.. إنها فرصتهم الوحيدة".

وقال المسؤول في شرطة ماريوبول ميخايلو فيرشينين الأحد إن "العديد من المدنيين بمن فيهم نساء وأطفال ورضع ومسنون" تحصنوا في مجمع آزوفستال.

وأضاف في تسجيل بث على يوتيوب "هؤلاء الناس يحمون أنفسهم من القصف إذ يوجد ملجأ هناك يتيح فرصة للبقاء لبعض الوقت".

وتابع "هم لا يثقون في الروس. لقد رأوا ما يحدث في المدينة لذلك هم موجودون في المصنع".

وفي وقت مبكر من صباح الأحد، أفادت هيئة الأركان العامة الأوكرانية بشن القوات الجوية الروسية ضربات على ماريوبول وتحدّثت عن "عمليات هجومية قرب الميناء" دون تقديم مزيد من التفاصيل.

وسيشكل استيلاء روسيا على هذه المدينة انتصارا مهما لأنه سيسمح لها بتعزيز مكاسبها في المنطقة الساحلية المطلة على بحر آزوف من خلال ربط منطقة دونباس التي يسيطر موالون لها على جزء منها، بشبه جزيرة القرم التي ضمتها في 2014.

ووصف زيلينسكي الوضع في ماريوبول بأنه "غير إنساني، داعيا الغرب إلى تزويد كييف "فورا" بأسلحة ثقيلة يطلبها منذ أسابيع.

وأشار إلى خيارين، يتمثّل الأول بتزويد "الشركاء أوكرانيا بكل الأسلحة الثقيلة اللازمة والطائرات... فورا" من أجل "تخفيف الضغط على ماريوبول ورفع الحصار" عن المدينة التي كان يعيش فيها 441 ألف شخص قبل بدء الغزو الروسي.

وأضاف أن "لا طعام ولا ماء ولا دواء" في ماريوبول متّهما موسكو بـ "رفض" إقامة ممرات إنسانية.

وأما الخيار الثاني بحسب زيلينسكي فهو "طريق التفاوض حيث يجب أن يكون دور الشركاء حاسما أيضا"، مؤكدا أن البحث عن حل "عسكري أو دبلوماسي" هو عمل "يومي" منذ بدء الحصار لكن تبين أنه "صعب جدا".

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي إن أكثر من مئة ألف مدني باتوا على حافة المجاعة في ماريوبول التي تفتقر إلى المياه ومصادر التدفئة.

وعلى الأرض، تتواصل العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية ، منذ بدايتها في 24 فبراير المنصرم.

واكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا جديدًا فارقًا، في 21 فبراير، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" و"لوجانسك" جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لقت غضبًا كبيرًا من كييف وحلفائها الغربيين.

وفي أعقاب ذلك، بدأت القوات الروسية، فجر يوم الخميس 24 فبراير، في شن عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، ما فتح الباب أمام احتمالية اندلاع حرب عالمية "ثالثة"، ستكون الأولى في القرن الحادي والعشرين.

وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش "أجواءً أكثر سوادًا" منذ الحرب العالمية الثانية، فيما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزمة عقوبات ضد روسيا، وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها "الأقسى على الإطلاق".

ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يصران حتى الآن على عدم الانخراط في أي عملية عسكرية في أوكرانيا، كما ترفض دول الاتحاد فرض منطقة حظر طيران جوي في أوكرانيا، عكس رغبة كييف، التي طالبت دول أوروبية بالإقدام على تلك الخطوة، التي قالت عنها الإدارة الأمريكية إنها ستتسبب في اندلاع "حرب عالمية ثالثة".

وفي غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في وقتٍ سابقٍ، إن اندلاع حرب عالمية ثالثة ستكون "نووية ومدمرة"، حسب وصفه.

وعلى مسرح الأحداث، قالت وزارة الدفاع الروسية، في بداية العملية العسكرية، إنه تم تدمير منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وقواعدها وباتت البنية التحتية لسلاح الطيران خارج الخدمة.

ولاحقًا، أعلنت الدفاع الروسية، يوم السبت 26 فبراير، أنها أصدرت أوامر إلى القوات الروسية بشن عمليات عسكرية على جميع المحاور في أوكرانيا، في أعقاب رفض كييف الدخول في مفاوضات مع موسكو، فيما عزت أوكرانيا ذلك الرفض إلى وضع روسيا شروطًا على الطاولة قبل التفاوض "مرفوضة بالنسبة لأوكرانيا".

إلا أن الطرفين جلسا للتفاوض لأول مرة، يوم الاثنين 28 فبراير، في مدينة جوميل عند الحدود البيلاروسية، كما تم عقد جولة ثانية من المباحثات يوم الخميس 3 مارس، فيما عقد الجانبان جولة محادثات ثالثة في بيلاروسيا، يوم الاثنين 7 مارس. وانتهت جولات المفاوضات الثلاث دون أن يحدث تغيرًا ملحوظًا على الأرض.

وقال رئيس الوفد الروسي إن توقعات بلاده من الجولة الثالثة من المفاوضات "لم تتحقق"، لكنه أشار إلى أن الاجتماعات مع الأوكران ستستمر، فيما تحدث الوفد الأوكراني عن حدوث تقدم طفيف في المفاوضات مع الروس بشأن "الممرات الآمنة".

وقبل ذلك، وقع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 28 فبراير، مرسومًا على طلب انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، في خطوةٍ لم تجد معارضة روسية، مثلما تحظى مسألة انضمام كييف لحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقال المتحدث باسم الكرملين الروسي ديمتري بيسكوف إن الاتحاد الأوروبي ليس كتلة عسكرية سياسية، مشيرًا إلى أن موضوع انضمام كييف للاتحاد لا يندرج في إطار المسائل الأمنية الإستراتيجية، بل يندرج في إطار مختلف.

وعلى الصعيد الدولي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء 2 مارس، على إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، بموافقة 141 دولة على مشروع القرار، مقابل رفض 5 دول فقط مسألة إدانة روسيا، فيما امتنعت 35 دولة حول العالم عن التصويت.

وأعلنت الأمم المتحدة فرار أكثر من 3 ملايين شخص من أوكرانيا منذ بدء الحرب هناك، فيما كشفت المنظمة الأممية، يوم السبت 19 مارس، عن مقتل ما يقرب من 850 مدنيًا في الحرب حتى الآن. 

وفي الأثناء، تفرض السلطات الأوكرانية الأحكام العرفية في عموم البلاد منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

وأعلن الرئيس الأوكراني، يوم الأحد 20 مارس، تمديد فرض الأحكام العرفية في البلاد لمدة 30 يومًا، بدايةً من يوم الأربعاء 23 مارس.

وكانت روسيا، قبل أن تبدأ في شن عملية عسكرية ضد أوكرانيا، ترفض بشكلٍ دائمٍ، اتهامات الغرب بالتحضير لـ"غزو" أوكرانيا، وقالت إنها ليست طرفًا في الصراع الأوكراني الداخلي.

إلا أن ذلك لم يكن مقنعًا لدى دوائر الغرب، التي كانت تبني اتهاماتها لموسكو بالتحضير لغزو أوكرانيا، على قيام روسيا بنشر حوالي 100 ألف عسكري روسي منذ أسابيع على حدودها مع أوكرانيا هذا البلد المقرب من الغرب، متحدثين عن أن "هذا الغزو يمكن أن يحصل في أي وقت".

لكن روسيا عللت ذلك وقتها بأنها تريد فقط ضمان أمنها، في وقت قامت فيه واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى أوروبا الشرقية وأوكرانيا أيضًا.

ومن جهتها، اتهمت موسكو حينها الغرب بتوظيف تلك الاتهامات كذريعة لزيادة التواجد العسكري لحلف "الناتو" بالقرب من حدودها، في وقتٍ كانت روسيا ولا تزال تصر على رفض مسألة توسيع حلف الناتو، أو انضمام أوكرانيا للحلف، في حين تتوق كييف للانضواء تحت لواء حلف شمال الأطلسي.