اساطير

ذكريات: سر اعتراض سمير غانم على « فطوطة »

 سمير غانم
سمير غانم

مايسة أحمد

تربع  الراحل سمير غانم على عرش فوازير رمضان بشخصية “فطوطة” وصنع بها أسطورة جديدة تضاف إلى تاريخه الفني بعد عدد كبير من الأعمال في السينما والمسرح والتليفزيون ونجح في نشر البهجة في نفوس الجمهور سنوات طويلة وهو ينتظرها كل رمضان فاستطاع أن ينتزع الضحكة من قلوب كل محبي “سمورة” و”فطوطة” فتربع بها على عرش الكوميديا كواحد من أهم نجومها بتاريخ الفن ليحقق المعادلة الصعبة بإشادة النقاد بما يقدمه من موهبة وإعجاب الجمهور..

 

فمن منا لا يذكر “فطوطة مخرج أنتيكا.. اتعلم سيما في أمريكا.. يرقص تانجو شيكا بيكا”.. هذه كلمات التتر التي ظلت عالقة في الأذهان جيلا وراء الآخر ونرددها حتى الآن بكل حب.. وهى من كلمات الفنان الكبير عبدالرحمن شوقي الذي تولى كتابة العمل وقدمت بألحان الفنان القدير سيد مكاوى. 

 

قدمها غانم فى ثمانينيات القرن الماضى وكانت عبارة عن سلسلة فوازير تعرض خلال شهر رمضان المبارك تحت اسم شخصيتى “سمورة وفطوطة” حيث بدأ رحلته مع الفوازير عام 1981 وحقق من خلالها شهرة واسعة بعد تركه للسينما واتجاهه للشاشة الصغيرة حيث كان يخشى أن يتم مقارنته بنيللى وشريهان نجمات الفوازير فى ذلك الوقت.. وبعد انتهاء آخر موسم لفوازير نيللي التى استمرت مع المخرج فهمى عبدالحميد 7 سنوات ظن البعض أنه لا يوجد أحد يستطيع تقديم الفوازير ولكن عبدالحميد كان له رأى آخر حيث اختار غانم بل وأقنعه بتقديم شخصية “فطوطة” التى صنعت نجومية كبيرة له وظلت حية فى قلوب واذهان الجمهور رغم مرور عقود على تقديمها.

التحدى الأساسى

فكرة “فطوطة” من الأساس كانت مشروع فوازير بعيدة عن الكوميديا وكان من المفترض أن تدور حول سفريات الرحالة “ابن بطوطة” في البلاد والمدن حيث قرر المخرج تغيير اللون والإنفصال عن نيللي وتقديم شكل جديد للفوازير دون رقص أو استعراضات والإبهار الذي تعود عليه المشاهدين وكانت ستكون فوازير جادة عن السفر والترحال.. وبعد أكثر من لقاء لغانم مع مخرج العمل قررا تحويل الفوازير من ابن بطوطة إلى “فطوطة” بشكله ونبرة الصوت مع معادلة القصة من خلال ظهور غانم بحجمه وشكله الطبيعي وصوته الطبيعي في شخصية “سمورة”.

 

كان التحدى الأساسى لغانم وأى فنان آخر يريد أن يقدم فوازير هو ما الذي يمكن أن يقدمه بعد نيللى وصلاح جاهين وشيريهان؟ وكان هذا تحدى كبير بالنسبة لغانم تحديدا لأنه ليس ممثلا استعراضيا والجمهور كان دائما ما يربط الفوازير بالاستعراض والملابس والآداء.. بينما غانم استعرضاته التى قدمها كانت مع ثلاثى أضواء المسرح كانت عبارة عن اسكتشات كوميدية فقط.. فجاءت فكرة “فطوطة” لتقدم الفوازير بطريقة جديدة ومختلفة والمخرج الراحل فهمى عبد الحميد هو الذى ابتكر الشخصية وصنع لها روح. 

 

سمير غانم كممثل كوميدي بطبعه كان دائما ما يحب الارتجال وكانت اللعبة مع دمية لشخصية مصنوعة ليست سهلة ولم يستطع ان يقدمها أحد غيره والنجاح فيها لأنه يجيد الإرتجال.. فهو بطبيعته ليس له آداء أو شكل معين فبعض فنانى الكوميديا يكون لديهم آداء قائم على  النقد الساخر أو النقد السياسى.. مثلما يفعل عادل امام يريد أن ينظر إليه على أنه كوميديان فقط ويريد أن يقدم آدوارا كبيرة وهو يبحث عن  المؤلفين الذين يساعدوه فى تقديم هذه الموضوعات.. أو مثل نجيب الريحانى الذى كان يقدم كوميديا لها طابع فلسفى وهكذا. 

لكن “فطوطة” كان يحاكى شخصية الأراجواز وهى تقاليد الكوميديا الشعبية التي تقوم على الدمية والتراث المبنى على الحوار مع الأراجوز.. لكن سمير غانم قدمها بطريقة أخرى وأن كان امتدادا للتقاليد الشعبية.. فقدم شخصية “فطوطة” مع “سمورة” فى ثلاثة مواسم فقط  لأنه كان يدرك انه لا يجب أن يربط نفسه بشخصية واحدة فقط لوقت طويل.

الصوت والبدلة

أما عن فكرة الصوت فجاءت أثناء تصوير الحلقات بالصدفة عندما سرع غانم طريقة كلامه غير متعمد ومن هنا جاءت نبرة الصوت التى اشتهر بها “فطوطة”. 

حكاية أخرى لا يعرفها الكثيرون وهى بدلة “فطوطة” فكيف جاءت فكرتها؟ قصة وقعت بمحض الصدفة وظلت مرتبطة في ذهن الجمهور بسمير غانم.. فكانت فكرة البدلة تعود للمخرج فهمي عبد الحميد الذى استوحاها من ابنه وائل بالصدفة حين ارتدى الأخير ملابس واسعة عليه بشكل مضحك فألهمه بشكل بدلة فطوطة وقرر أن يكون ذلك الستايل المناسب لتقديم تلك الشخصية. 

وبالفعل استقر المخرج عليها ونفذتها مصممة الأزياء وداد عطية لكن كان هناك اختلافاً في شكل البدلة حيث كانت في البداية سوداء في أول الحلقات حتى قابل عبد الحميد أحد المشاهدين الذي سأله “كيف لشخصية مرحة مثل “فطوطة” أن تكون ملابسها سوداء؟” وهنا قرر المخرج تغيير لون البدلة من الأسود للأخضر بعد ثالث حلقة من العرض حتى لا تظهر شخصية “فطوطة” كئيبة وبالفعل رحب الجمهور بالبدلة بشكلها الجديد وخطفت الأنظار.

وقدم سمير غانم فوازير “فطوطة” والتى نجحت بشكل كبير حتى وفاة مخرج العمل فهمى عبد الحميد والمؤلف الشاعر عبدالرحمن شوقى.. إذ قدم عام 1982 فطوطة الجزء الأول ثم تتالت الأجزاء أعوام 1983 و1984 وكانت أشهر العبارات فى فوازيره: “بابا جاى إمتى؟ جاى الساعة ستة.. راكب ولا ماشى؟ راكب بسكلتة”.. لم تتوقف الرحلة بوفاة مخرج العمل بل عاد للظهور مرة أخرى فى فوازير مختلفة بعنوان “فطوطة حول العالم” وظهر مجددًا فى مسلسل الرسوم المتحركة “فطوطة وتيتا مظبوطة” والذى عرض فى رمضان عام 2010..

مرحلة الرفض

لكن هل تعلم أن غانم من البداية لم يرحب بفكرة تقديم “فطوطة” و”سمورة”؟ نعم هذا حقيقى لأن غانم وقتها  كان عضوًا فى فرقة ثلاثى أضواء المسرح مع الضيف أحمد وجورج سيدهم وكان مكتفى بنجاحاته معهم.. ورغم رفض سمورة للفكرة فى البداية إلا أنه عندما التقى بالمخرج فهمى عبدالحميد بعد العديد من محاولات الإقناع من المخرج واجتمعا للتشاور استقرا على إطلاق “فوازير فطوطة” ولم يتفقا وقت التحضيرات على اختيار اسم محدد ولكن وقع اختيارهما على الراحل سيد مكاوى لتلحين موسيقى البرنامج والتعاون مع المؤلف عبد الرحمن شوقى لكتابة العمل.

 

وكان شوقى صاحب الطريق الذى اختار به أصحاب العمل الاسم.. إذ اقترح أن يكون اسمه “ابن بطوطة” لكن غانم وفهمى لم يتحمسا للاسم وفى أثناء اجتماع الثلاثى دخل نجل المخرج مرتديًا بدلة أبيه وأثارت هيئته ضحك الجميع ليقع تفكير عبدالرحمن على اسم “فطوطة” واستقر الثلاثة على نفس الهيئة للفوازير بشكلها المعروف والذى ظل لسنوات عديدة يعرض ويشاهد بذات اللهفة التى عرض بها العمل أول مرة.. وقدم غانم شخصيتين فى هذا العمل “سمورة” والأخرى “فطوطة” وهى شخصية خيالية كوميدية لشخص قصير القامة يرتدى بدلة خضراء وحذاء أصفر كبيرا وله شعر كثيف.

 

عام 1983 قدم مع المخرج فهمى عبد الحميد أول حلقة من حلقات فوازير فطوطة باسم “فطوطة والأفلام” ونجح نجاحاً هائلاً وهو ما شجعهم على إعادة التجربة فى “فطوطة والشخصيات” عام 1986. وفى التسعينات قدم غانم فوازير “المتزوجون” فى التاريخ 1992 وفوازير “المضحكون” 1993 وفوازير “أهل المغنى” 1994.

الهرم الرابع والإذاعة

وعنها قال الفنان الراحل فى أحد اللقاءات: “أنا شخصياً مرتبط بـ”فطوطة” وأشعر تجاهه كأنه “ابنى الضائع” ولن أنسى كلام صلاح جاهين عندما كتب فى جريدة الأهرام ورسم “الهرم الرابع” وكتب عليه “فطوطة” وهذه كانت كلمة جميلة وجلست معه بعدها وشكرته لإطرائه على العمل وهذه الشخصية الكارتونية التى كنت أقدمها وسألنى وقتها عن “فطوطة” وقلت له اعتبره مثل كارتون “ميكى ماوس” العالمى ولكن هذه المرة هو “ميكى ماوس” مصرى ورمز لمصر”.

 

ومع شدة تعلقه بشخصية “فطوطة” كرر غانم التجربة فى الإذاعة حيث قام بإحيائها مرة أخرى من خلال فوازير تحمل اسم “فطوطة وسمورة” بعد غياب أكثر من 20 عاما من تقديمها للتليفزيون المصري فعادت فى رمضان 2016.. وعن رأيه فى تقديمها بالإذاعة بعد أن ارتبط بها الجمهور فى التليفزيون فقال سمير غانم: “كنت خائفا للغاية لأن “فطوطة وسمورة” هاتان الشخصيتان معتمدتان على الصورة فى التليفزيون.. والجمهور عرفهما من خلال الشاشة فتفاصيل تلك الشخصية “الصغيرة” وشكله الغريب الذى يجذب الجمهور لرؤيته مبنى على الصورة التى تشاهد أكثر من أن تسمع فى الراديو.. حتى إن الجمهور ارتبط بهذا الشكل ولذلك تخوفت من عدم تقبل الناس للعمل والشخصية وسماعها من خلال الأذن وليس رؤيتها بالعين واعتبرتها مجازفة واعتمدت على خفة دم “فطوطة” والكاريزما التى يمتلكها و”الإفيهات” التى يقولها فتضحك الناس.. كما أننى بمجرد الوقوف أمام الميكرفون تظهر شخصية “فطوطة” وأشعر أننى هو ولست سمير غانم.. وحتى الإيفهات التى يقولها فأنا أرتجلها وتخرج منى تلقائيا.. لأنه لا يوجد مؤلف وقتها يكتب ل”فطوطة” وفى معظم الأحيان منذ بداية تقديم الشخصية كنت اعتمد على الإرتجال لتكون مهمة المؤلف فقط فتح الحوار وأنا أكمله مباشرة بخفة دم “فطوطة” لأن جمال القصة كلها فى “المناقرة” والمشاكسة بين “فطوطة وسمورة”.

فى عام ١٩٩٣ قدم غانم مع الفنانة هالة فاخر فوازير “المتزوجون فى التاريخ” من اخراج محمد عبدالعزيز ومن تأليف عبدالرحمن شوقي وعام ١٩٩٤ قدم فوازير تحمل عنوان “أهل المغنى” وعام ١٩٩٥ قدم فوازير “المضحكون” إخراج هانى لاشين وعام ١٩٩٧ كانت فوازير “النص الحلو”.

سمير غانم كشف عن التعب الشديد الذى كان يشعر به أثناء تجسيده لـ”فطوطة” لأنه كان يتعرض لكمية كبيرة من الضوء خلال التصوير من أجل تصغير حجمه في المونتاج بجانب أنه طول الوقت كان يتكلم بنبرة عالية وبطء شديد حتى يتحول للصوت المميز الذي يسمعه الجمهور.

على المسرح

فتحول “فطوطة” لأيقونة من أيقونات شهر رمضان وإجتاز حدود الدراما التليفزيونية وكان سمير غانم يطوف بالشخصية في عروض مسرحية في عدد من الدول فيقدم شخصية “سمورة” ويستعين بفيديوهات ل”فطوطة” على المسرح فتحدث العديد من المواقف والحوارات المضحكة.

وبعد كل ليلة عرض كانت تحدث مشاكل كثيرة لإعتقاد الأطفال أن “فطوطة” شخصية حقيقية فتبدأ مرحلة البكاء بعد إسدال الستار وإنتهاء العرض.. فالجميع يريد لقاء “فطوطة” والتصوير معه على اعتبار أنها شخصية حقيقية وطبعا لا يجدوا غير سمير غانم الذي يحاول إقناعهم في كل مرة أنه هو نفسه “فطوطة”.

وتعتبر فوازير “فطوطة” من أنجح الفوازير التى قدمت خلال شهر رمضان لأنها قدمت بشكل كوميدى وهو ما جعلها تحظي بحب الكبار قبل الصغار.