مرفت عمر تكتب: عن الغرفة ٢١٨

مرفت عمر
مرفت عمر

غرفتي بمستشفى المعلمين التخصصي "٢١٨" المطلة على النادي الأهلي بالجزيرة كانت نافذة على الحياة في أصعب فترات حياتي، لم أشعر بآلام ساقي المكسورة وأنا أتابع تدريبات فريق النادي الأهلي الذي أشجعه منذ نعومة أظفاري، وإعداد الملعب قبلها وبعدها حتى إطفاء الأنوار، الحياة التي تدب في أركانه مع طلوع شمس اليوم الجديد على خطوات أعضاء النادي الذين يملأون "تراكه" فرادى وجماعات لساعات، وأعضاء كرة القدم الخماسي بمختلف الأعمار يتناوبون حتى موعد إغلاق النادي، كانت أشعة الشمس تغمرني بجرعات أمل عبر نافذة الغرفة التي سكنتها أربعة أيام في أجواء باردة جدا، ساقي المصابة كانت الناجي الوحيد من تلك البرودة بما تحمله من جبيرة وقائية قبل أجراء العملية ودعامة حديدية بعدها، فقد كانت ساخنة فرضت حضورها حتى اليوم.

العناية الطبية التي وجدتها داخل مستشفى المعلمين التخصصي منذ وصولي بددت شقائي في الأيام الأربع الأولى لإصابتي ومرت كأنها دهر، فريق تمريض متفاني على راحتي طوال ساعات اليوم والأطباء الأخصائيين الذين لم يبخلوا في الرد على جميع استفساراتي بوضوح وشفافية وعلى رأسهم الدكتور محمود غنيم، كان ولا يزال يتابع حالتي رغم مشاغله والتزاماته، أما الاستشاري الدكتور أحمد سمير القليوبي فقد أجرى لى عملية عالمية وفق ما ذكره فريق المساعدين، فلم يقرر اجراءها كما كان معتادا لها من الجهة الأمامية لمفصل الركبة، بل اختار الأصعب وأجراها من الجهة الخلفية وهو قرار يتم تنفيذه بنسبة ٢٠ % في العمليات المماثلة، وكلي يقين أني خلال الشهور الثلاث التي ابتعدت فيها قدمي اليسرى عن الأرض ستكون كافية لعودتها للحياة وعودتي معها.

الدقائق السابقة للعملية الجراحية كانت صعوبتها على زوجي وصديقتاي غادة وعزة أقسى مني، كنت أرقب دمعاتهم التي جاهدوا لإخفائها - حتى عبور "التروللي" بي إلى ممر غرفة العمليات - للإفراج عنها،  بينما أهرول للحظة لاشك آتية وسط قراءتي لما تيسر من آيات القرآن الكريم، تتنقل عيناي بين وحدات إضاءة السقف حتى دخلت الغرفة الباردة التي تتميز بإيقاع خاص، حركات متسارعة لفريق التمريض وأطباء التخدير والاستشاري بمساعديه، أتذكر أن أخر ما سئلت عنه من طبيب التخدير هل تشعرين "بتنميل" في جسدك فأجبته نعم وأنا أرقب الدكتور القليوبي وهو يشاهد الأشعة التي أجريتها على ساقي ويطمئنني بنظراته فيما أقرأ القرآن حتى وضع جهاز التخدير على أنفي.
توقعت أن أخرج من غرفة العمليات بعد ثلاث ساعات الى الغرفة ٢١٨ ببعض الشاش والقطن واني تخلصت من الجبيرة للأبد، إلا أني فوجئت بساقي في أحضان دعامة قاسية لا زالت تلازمني إلى اليوم في اليقظة والنوم حتى أحلامي لم تسلم منها، عز معها نومي وراحتي انتظارا ليوم تفارقني فيه للأبد، وتظل الغرفة ٢١٨ نقطة فارقة في حياتي لن تمحوها السنين.