مفردات معمارية وفنية استثنائية في جامع ابن طولون 

جامع أحمد بن طولون
جامع أحمد بن طولون

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن جامع أحمد بن طولون يعد رابع أقدم مساجد مصر بنى عام 265هـ بعد جامع سادات قريش بمدينة بلبيس الذى يعود تاريخ إنشائه إلى فترة دخول عمرو بن العاص رضى الله عنه مصر عام 18هـ وجامع عمرو بن العاص بالفسطاط 21هـ وجامع العسكر الذى شيده الفضل بن صالح بن على عام 169هـ .

وكان بناء جامع أحمد بن طولون سببًا فى سن تقليد خاص بعمال البناء فى مصر حيث رأى أحمد بن طولون الصناع يبيتون فى الجامع عند العشاء وكان فى شهر رمضان فقال متى يشترى هؤلاء الضعفاء إفطارًا لأولادهم اصرفوهم العصر فصارت سنة إلى اليوم فلما فرغ شهر رمضان قيل له قد انقضى شهر رمضان فيعودون إلى سمتهم فقال لا لقد بلغنى دعاؤهم وقد تبركت به وليس هذا مما يوفر العمل علينا  فصار انصراف عمال البناء عند العصر تقليدًا استمر إلى اليوم.

وأوضح الدكتور ريحان أن جامع ابن طولون  يعد أكبر مساجد مصر فى المساحة حيث تبلغ مساحته ستة أفدنة وبنى الجامع  فوق ربوة صخرية تعرف بجبل يشكر ليكون فوق أساس متين من الصخر وحتى يكون بمنأى عن فيضان النيل ويحتفظ الجامع بأغلب عناصره المعمارية منذ تشييده وقد تولى بناء الجامع مهندس مسيحى يدعى سعيد بن كاتب الفرغانى وللمسجد 42 باب وزعت توزيعًا مناسبًا على طول امتداد واجهات المسجد لتسهيل دخول وخروج المصلين وذلك طبقًا لدراسة أثرية للباحث الآثارى أبو العلا خليل .

ويعرض الدكتور عبد الرحيم ريحان معالم هذه الدراسة الهامة موضحًا أن الجامع يتميز بمميزات معمارية متفردة فهو الجامع الخالى من الأعمدة ويستند سقفه على دعامات بدلًا من الأعمده الرخامية المستخدمة فى أغلب المساجد وقد بلغت دعامات جامع ابن طولون  160 دعامة  شيدت من الآجر أى الطوب الأحمر تأخذ أركانها الأربعة هيئة عمد مندمجة فى الدعامة ذات تيجان ناقوسية الشكل وكسوتها الجصية مزخرفة برسوم أوراق خماسية الفصوص تلف حولها فى صفين وتحمل الدعائم عقود من النوع المدبب على شكل حدوة فرس يرتكز عليها سقف الجامع .

ويضيف الدكتور ريحان أن الجامع يتميز بميزة فريدة أخرى من وجود ثلاث زيادات حوله  لتوفر للمصلين الهدوء والسكينة بعيدًا عن صخب وضوضاء الشارع وبأعلى جدران الجامع شرّافات فريدة فى شكلها شيدت من الآجر تعرف بعرائس السماء لأنها تشبه أشكالًا آدمية صفت متجاورة ومتشابكة الأذرع ويتبع جامع أحمد بن طولون تخطيط المساجد الإسلامية الجامعة المنشأة على طراز مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة ويتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة .

ويشير الدكتور ريحان إلى العناصر المعمارية للجامع ومنها وجود ستة محاريب برواق القبلة أقدمها المحراب الرئيسى الذى يرجع إلى عهد أحمد بن طولون وهو محراب مجوف بأعلاه زخرفة بفصوص الفسيفساء بها كتابة بالخط النسخ نصها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وقد كسيت طاقية المحراب بالخشب الملون المنقوش من أعمال السلطان المملوكى حسام الدين لاجين عام 696هـ /1296م كما شملت عمارة لاجين للجامع بناء قبة فوق هذا المحراب وإلى يسار المحراب الرئيسى بنى السلطان لاجين محراب مسطح آخر من الجص يعرف بمحراب السيدة نفيسة كما بنى لاجين محرابًا مسطحًا على إحدى دعامات البائكة الثانية من الصحن مقلدًا ومستنسخًا لمحراب رابع يرجع إلى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله عام 487هـ/ 1094م،.

 وهناك المحراب الخامس والسادس جهة واجهتى الدعامتين اللتين تكتنفان دكة المبلغ ويرجعان إلى القرن الرابع الهجرى.

وتعددت الآراء عن ظاهرة تعدد المحاريب بالجامع الواحد حيث يراها البعض نتيجة تعدد المذاهب الفقهية ويراها البعض الآخر نوعًا من التقرب إلى الله ويوجد على إحدى دعائم رواق القبلة بالبائكة الثالثة لوح تأسيسى يحمل اسم الأمير أبوالعباس أحمد بن طولون وتاريخ الفراغ من الجامع عام 265هـ عثر عليه أثناء الحفائر بصحن الجامع الطولونى ويعد أقدم لوح تأسيسى فى عمارة مصر الإسلامية والمنبر الحالى من عمل السلطان المملوكى حسام الدين لاجين حسبما جاء فى اللوحة الخشبية التى تعلو بابه ويتوسط صحن الجامع فسقية وهى من عمل السلطان لاجين عبارة عن حجرة مربعة تغطيها قبة كبيرة وتتوسطها فسقية من الرخام وبأعلى الفسقية لوحة خشبية كتب عليها الأعمال التى أجريت على يد حسام الدين لاجين بهذا الجامع .

ويتابع الدكتور ريحان بأن المئذنة الشهيرة لجامع أحمد بن طولون بنيت من الحجر وموقعها ملاصقة لحائط الزيادة الغربية ولها سلم من الخارج يصعد منه إلى سطح يليه سلم حلزونى يوصل إلى سطح آخر يرتكز عليه الجزء العلوى وهو على هيئة مبخرة ومن ثم تعرف المئذنة " بالملوية " متأثرة فى ذلك بمئذنة مسجد سامراء بالعراق المعروفة بالملوية .

كما يتفرّد جامع أحمد بن طولون بوجود  أقدم نص تأسيسي في العمارة الإسلامية في العالم والمنشور في الجزء الأول من موسوعة الدكتورة سعاد ماهر عالمة الآثار الإسلامية، مؤسسة كلية الآثار بجامعة القاهرة وعميدها من عام 1974 إلى 1977 والتى تحمل اسم "مساجد مصر وأولياء الله الصالحين بها".

وهذا النص عبارة عن لوح رخامي عثرت عليه لجنة حفظ الآثار العربية بصحن جامع أحمد بن طولون وتم ترميمه وتثبيته على إحدى دعائم رواق القبلة في البائكة الثالثة ومنقوش عليه بالخط الكوفي البسيط البارز اسم الأمير أحمد بن طولون وتاريخ الفراغ من إنشاء الجامع 265هـ الموافق 878م وهي مرحلة انتقال بالخط الكوفي المربع ذو الزوايا الخالي من أي مسحة زخرفية إلى الخط الكوفي البسيط الذي يتميز بإضافة زيادات للحروف على هيئة أفرع نباتية تنتهى به حروفه القائمة،

 كما يكشف هذا الخط عن اسم خطاط شهير خاص بأحمد بن طولون اسمه "طبطب" رائد هذه النوع من الخط الكوفي، وقراءة النص كالآتى "بسم الله الرحمن الرحيم ثم آية الكرسي يليه النص أمر الأمير أبوالعباس أحمد بن، طولون أمير المؤمنين أدام الله له العز والكرامة، والنعمة التامة في الآخرة والأولى ببناء هذا، المسجد المبارك الميمون من خالص ما أفاء، الله عليه وطيبه لجماعة المسلمين ابتغاء، رضوان الله والدار الآخرة وإيثارًا لما فيه تسنية، الدين وألفة المؤمنين ورغبة في عمارة بيت، الله وأداء فرضه وتلاوة كتابه ومداومة ذكره إذ يقول الله تقدس وتعالى في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه (الآية الكريمة) وذلك فى شهر رمضان سنة خمس وستين ومائتين سبحان، ربك رب العزة عما يصفون وسلام على، المرسلين والحمد لله رب العالمين".