العاشر من رمضان بطولة وفداء.. حكاية خير أجناد الأرض و«عبقرية العبور»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: محمد ياسين

في حرب العاشر من رمضان، حقق الجيش المصرى الانتصار على العدو الإسرائيلى، واستطاع جنودنا البواسل استعادة الأرض، بفضل عقديته الثابتة القائمة على التضحية والفداء من أجل الوطن.

ورغم كل المعوقات التى كان يرددها البعض حينها، وكانت تروج لها القوى العظمى، فإن جيشنا الذي لا يعرف المستحيل استطاع تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر, وكسر ذراع الطيران الإسرائيلى وحطَّم خط بارليف الذي تكلف 238 مليار دولار فانهار تحت أقدام الجندى المصري في ست ساعات, فكانت خطة العبور العبقرية التي أصابت قادة إسرائيل بالشلل وأدهشت العالم بالخداع الاستراتيجى وشراسة المعارك التي صنعها أبطالنا بعرقهم ودمائهم الطاهرة ليقدموا أنفسهم فداءً لرمال سيناء الغالية. واليوم نستذكر ذلك النصر ونستلهم روح شهدائنا الأبرار، لتظل راية مصر مرفوعة دائمًا بفضل هذا الجيش العظيم.

شراسة معارك الثغرة غير مسبوقة فى تاريخ الحروب

تظل حرب السادس من أكتوبر 1973، التى وافقت يوم العاشر من رمضان، واحدة من أعظم الحروب فى التاريخ، حيث تزدحم بالكثير من البطولات الكبرى التى صنعها خير أجناد الأرض.. رجال وجنود مصر العظماء، صنعوها بعرقهم ودمائهم الطاهرة التى اختلطت برمال تلك الأرض المباركة.

بطولات كشفت عقولا جبارة لديها من الوعى والفكر الذى غير أبجديات القتال والحروب وقواعد العسكرية المعتادة، فكانت المعارك العظيمة، المعركة الصينية وإغراق المدمرة ايلات وخطة الخداع الاستيراتيجى التى استطاعت مصر خداع أعتى أجهزة الاستخبارات العالمية سواء الأمريكية أو الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت بالإضافة إلى جهاز الموساد إلى جانب إغلاق مضيق باب المندب الذى أصبح ورقة مهمة فى يد المفاوض المصرى.. «آخرساعة» ترصد أهم المعارك والبطولات التى خاضتها قواتنا المسلحة فى حرب العبور والكرامة التى ساهمت فى تغيير الفكر العسكرى والاستراتيجى.

يحكى اللواء حلمى زكى، عن «عبقرية العبور» التى كانت من أكثر العمليات نجاحا، لقد كان الخداع على مستويين استراتيجى عندما أعلن الرئيس السادات زيارته للجزائر يوم 5 أكتوبر 1973 وأيضا فتح باب العمرة للضباط فى الجيش وأيضا بعد أن تمت إحدى المناورات على الضفة على الجبهة فى 25 سبتمبر 1973 وعمل هياكل خشبية للدبابات على الخطوط الأمامية.
ويوم العبور كان هناك مجموعات من الجنود استخدمتهم القيادة العامة للتمويه فمنهم مجموعة تصطاد الأسماك فى السادسة صباحا وأخرى تلعب كرة القدم على مرأى من القوات الإسرائيلية.

ولا ننسى دور العقيد صلاح فهمى نحلة الذى حدد يوم وشهر وساعة العبور من خلال العوامل الجوية ووضع القمر والمد والجزر وأعياد الإسرائيليين حتى تم تقديم التقرير وقدمه للقيادة التى وافقت عليه واعتمدته.

إقرأ أيضاً | الحلبي: انتصار العاشر من رمضان شطب نظريات عسكرية كثيرة في العالم| فيديو

حائط الصواريخ
ومن قبل هناك عبقرية بناء حائط الصواريخ، ففى عام 1970 كان هناك طلب لوقف إطلاق النار بالرغم من قيام القوات المصرية بعمليات داخل الجبهة فى سيناء كبدت العدو الإسرائيلى الكثير من الخسائر، رغم اعتراضات الكثير على قبول الرئيس عبدالناصر لوقف إطلاق النار فى حين لا يعرف أحد أنه طلب وقفا لإطلاق النار لإعطاء فرصة لبناء حائط الصواريخ لأن أى بناء لحائط الصواريخ كان يتم تدميره بواسطة القوات الجوية الإسرائيلية.

وظهرت نتيجة هذا الحائط باعتراف ديان بأنه أعطى تعليمات لقواته الجوية بعدم الاقتراب من القوات المصرية بعمق 15 كيلو مما أعطى ساترا وغطاء لموجات العبور فى 6 أكتوبر حيث كان الطيران الإسرائيلى متفوقا فى الإمكانيات والمعدات على الطيران المصرى ولكن من حيث كفاءة العنصر البشرى فكان التفوق للمصريين ومن هنا يوضح أن الموافقة على قرار وقف إطلاق النار لم يكن خوفا ولكن لإعطاء الفرصه فى بناء الحائط الذى كلف العدو الكثير من الخسائر.

درس المزرعة الصينية
ولا يمكن أن ننسى من ضمن المعارك معركة المزرعة الصينية التى دخل فيها المشير محمد حسين طنطاوى، فى مواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية وتحديدا مع أرييل شارون أثناء حرب أكتوبر 73، ففى يوم 12 أكتوبر تم دفع إحدى الوحدات التى كان يقودها طنطاوى لتأمين الجانب الأيمن للفرقة لمسافة 3 كيلومترات، وتمكنت الوحدة بقيادة طنطاوى من الاستيلاء على نقطة حصينة على الطرف الشمالى الشرقى من البحيرات المرة، وكان جنود هذه النقطة من الإسرائيليين قد اضطروا للهرب منها تحت جنح الظلام.. وقد تجلى ذكاء وتخطيط طنطاوى عندما هاجمته مدرعات العدو حيث لم يكشف الرجل أوراقه، وقرر التحلى بالصبر، وكتم أنفاسه حتى آخر لحظة وحبس نيران مدفعيته لحين معاينة وتقدير القوة المعادية على الطبيعة، وفى اللحظة المناسبة انطلقت نيران أسلحته وقذائف مدفعيته.. انطلق رجال كتيبته على مدرعات ومجنزرات العدو، فجعلوها أثراً بعد عين.

أطول معركة جوية
وكأنه يصف تفاصيل حية تحدث الآن يقول «المقدم حمدى مقلد»: فى الساعة الثالثة وربع عصر يوم 14 أكتوبر أطلق برج المراقبة بقاعدة المنصورة الجوية مجموعة من الخراطيش فى الهواء يحذرنا بهجوم جوى ضخم، لقد قررت القوات الإسرائيلية مهاجمة الدلتا بأكثر من 80 طائرة.

وعلى الفور تم إقلاع عشرين طائرة فى زمن قياسى من دقيقتين إلى أربع دقائق من قاعدة المنصورة الجوية، كما أقلعت 16 طائرة أخرى من قاعدة طنطا الجوية، فى الوقت نفسه كان هناك تشكيل من عدد 4 طائرات تقوم بعمل حماية جوية شرق بورسعيد، وقد انتهى زمن الوقت المحدد لهم وأثناء عودتهم للهبوط تم إبلاغهم  بوجود طائرات معادية على مسافة 100كيلو من القاعدة، وأثناء استعدادهم للهبوط أبلغتهم العمليات بدورها أن المقاتلات المعادية على  بعد 20 كيلو فقط، لحظتها اتخذوا قرارا بالدفاع عن قاعدة المنصورة الجوية حتى لو فقدوا حياتهم.

«النقيب همام» يشاهد الطائرات المعادية تحاول الهجوم على القاعدة فتقابل معهم وجها لوجه قبل أن يصطدم بهم فلا يوجد معه وقود كاف للمناورة، ليرتبك الأعداء فيلقوا القنابل على الأراضى الزراعية خاصة بعد أن استطاع «قدرى عبد الحميد» – عضو التشكيل المصرى -  إسقاط طائرة، قبل أن ينفد وقوده هو الآخر فقفز بالمظلة، فيما استطاع باقى التشكيل الهبوط بصعوبة لدرجة أن «همام» صدرت له الأوامر بالهبوط فى قاعدة طنطا، وهبط بأعجوبة لدرجة الوقود نفد بمجرد لمسه للممر.

وتبدأ أكبر وأطول معركة بين طائرات مقاتلة حديثة فى التاريخ ولمدة  53 دقيقة، لقد لاحظ «اللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية» أن المعركة أكبر من إمكانيات القوات، فأمر كلا من «العقيد طيار نبيل شكرى» المتمركز فى «قاعدة أنشاص الجوية» و»العقيد  طيار تحسين صايمه» التمركز فى أبو حماد بتعزيز أعمال القتال وهنا أقلع عشرات النسور من شباب مصر من أنشاص وأبو حماد متجاوزين سرعة الصوت متجهين إلى سماء المنصورة لمساندة زملائهم وكانت معركة مبهرة، وكانت الطائرات تهبط فى قاعدة المنصورة الجوية ليتم إعادة ملئها فى أقل من 7 دقائق، فيما موجود بها الطيار قبل أن يقلع مرة أخرى.

غلق باب المندب
قصة اللواء أحمد الصادق، مدير الكلية البحرية الأسبق، تبدأ فى ٢١ أكتوبر ١٩٦٧، حيث انطلق سرب لنشات الصواريخ بقيادة  نقيب بحرى أحمد شاكر، والآخر بقيادة النقيب لطفى جاد الله»، لتلقين العدو درساً فأصبحت المدمرة الإسرائيلية إيلات فى قاع البحر.

وأصبحت تفاصيل هذه المعركة تدرس فى كبرى الكليات والمعاهد العسكرية فى كيفية تدمير «مدمرة» بلنش صغير، وفى كيفية خداع طاقم المدمرة الإسرائيلية وإيهامهم أن ما يشاهدونه على شاشات الرادار ما هى إلا مراكب صيد صغير حتى تم اقتناص الفرصة وأغرقت المدمرة الإسرائيلية فى قاع البحر.
فى ٢٧ سبتمبر ١٩٧٣ بدأت خمسون قطعة بحرية مصرية فى الانتشار بصمت وسرية تامة فوق مياه البحر المتوسط والأحمر، كما وصلت مجموعة بحرية مكونة من المدمرات والفرقاطات إلى منطقة باب المندب بحجة القيام ببعض التدريبات بباكستان وقامت وحدات بث الألغام البحرية ببث الألغام فى المناطق المحدودة بخليج السويس.

وجـــاء وقت الاجتمــــاع مع القــــائد، دخــل القائد الميس «مكان تناول الطعام» ، وجلس وفتح مظروفا مغلقا بالشمع الأحمر، وقال بسم الله الرحمن الرحيم جاء اليوم الذى ننتظره جميعاً وقرأ علينا أمر قتال صادرا من القوات البحرية ينص على التواجد فى منطقة محددة للمرور بين جزيرة بريم جنوبا وجبل الطير شمالاً سعة ١٤٠٠ يوم ٦ أكتوبر لتدمير أى سفينة إسرائيلية تحاول العبور من باب المندب مع اعتراض جميع السفن المشتبه فيها وممارسة حق الزيارة والتفتيش، وكانت البسمة تعلو الوجوه وانصرفنا من الاجتماع وانطلقت أجراس مراكز قتال تدوى فى المدمرة لكى يطمئن القائد بجاهزية المدمرة للقتال لتنفيذ المهمة واستمرت المدمرة فى الإبحار حتى وصلنا للمنطقة المحددة قبل بدء الحرب فى الواحدة ظهرا يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ كنا لا نعلم ماذا سيحدث وأن الحرب ستندلع خلال ساعة، وأرسلت إشارة للقيادة بتمام التواجد فى الموقع المحدد.

لقد تمكنت قواتنا البحرية باستخدام المدمرات والغواصات وألغام البحرية فى تنفيذ المهمة بنجاح فى نطاق مسرح عمليات البحر الأحمر على مسافة بعيدة، محققة آثارا عسكرية واقتصادية ومعنوية على إسرائيل وجيشها، خاصة فى مجال الحرمان من الإمداد بالبترول عبر باب المندب وخليج السويس مما ترتب عليه تعطيل حركة الملاحة البحرية من وإلى ميناء إيلات بالكامل وتوقف نقل البترول الخام الذى كان يسد معظم احتياجات إسرائيل من خليج السويس وقد تم اعتراض ما يقرب من ٢٠٠ سفينة خلال الفترة من ٦ أكتوبر ١٩٧٣ إلى فبراير ٧٤ إن إغلاق باب المندب كان ورقة رابحة فى يد المفاوض المصرى.

الفرد يواجهة الدبابة
كان استخدام المقاتل المصرى بشكل فعال فى حرب أكتوبر وكان توظيفه بحيث يواجه على قدميه مدرعات ودبابات العدو الصهيوني، وابتكر المصريون تكتيكات وخططًا جهنمية فى ذلك حيث كان المجندون يحملون الصواريخ المضادة للدبابات ويواجهونها بصدور عارية وقد نجحت مصر فى ذلك وكبدنا إسرائيل خسائر فادحة بتدمير دباباتها ومدرعاتها شرق القناة.

جندى المشاة يحمل السلاح المضاد للدبابات ويواجه به منظومة كاملة من الأسلحة الإسرائيلية وكل الدبابات التى حاولت عمل هجمات مضادة تم تدميرها ولا يمكن أن نغفل دور المقاتل عبد العاطى الذى دمر 26 دبابة بمفرده.