إنها مصر

المقامرة الكبرى !

كرم جبر
كرم جبر

أحيانًا يعود التاريخ متختبئًا فى أقنعة الزمن، مسترجعًا نفس الشخوص، ومستوحيًا نفس الأحداث، ففى مثل هذه الأيام، 9 أبريل 2003، سقطت بغداد فى أيدى قوات التحالف، فى صورة طِبق الأصل لسقوطها فى 10 مارس 1258، على أيدى جيوش المغول.


وفى مثل هذه الأيام من كل عامٍ، أكون حريصًا على الكتابة عن هذا الحدث الأعظم، الذى بدأ بمقامرة الرئيس العراقى صدام حسين واحتلاله الكويت، ولم تنتهِ آثاره وتداعياته حتى الآن، وأهمها تغلغل النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وتهديدها أمن واستقرار دول الخليج.


عثروا على صدام بعد اختلال العراق مختبئًا فى حفرة تحت الأرض، وساقوه إلى المشنقة، فجر عيد الأضحى، وقبل ذلك قتلوا ولديه «عدى» و«قصى»، وعرضوا جثتهيما عرايا على ألواحٍ خشبيةٍ فى العاصمة بغداد، وما أصعبها لحظات حزينة على القائد الذى كان ركنًا مهيبًا، وهو يرى فلذات كبده مذبوحين.


وكأن التاريخ هو هو، فقد ذُبح ولدا المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين، أمامه بنفس الطريقة والأسلوب، بعد أن وقعا فى الأسر، وإذا كان صدام مات شنقًا، فتتعدد روايات موت المستعصم آخر خلفاء العباسيين، إحداها تقول إنه تم حبسه فى إحدى خزائنه الحديدية المليئة بالذهب حتى مات جوعًا، وقيل إنه وُضع داخل "جلد بقر"، وضُرب رفسًا بالأقدام حتى مات، وقيل بل خنق وقيل بل أُغرق، ولا يعلم أحدٌ حقيقة كيف كان قتلهِ ومكان قبره، وكان عمره يومئذ 46 سنة وأربعة أشهر.


 كان المستعصم بالله فى قصره فى بغداد، واخترق الجدران سهمٌ من أحد قناصة المغول الذين يُحاصرون المكان، وفى نصله ورقة مكتوبٌ فيها «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوى العقول عقولهم»، بالفعل كان المغول يطوق قصر الخليفة، وكان الخليفة يمتلك كنوزًا من الذهب والمجوهرات، وضعها فى خزائن كالبحيرات، ولم يسلح بها جيشه، وانتهى حكم العباسيين الذى استمر خمسة قرون، وسقطت بغداد بوابة العرب الشرقية.
وتكرر نفس المشهد مع اختلاف الشخوص والزمان، كانت القوات الأمريكية على أبواب بغداد، وكان «دوبلير» صدام حسين يتجول فى الشوارع، رافعًا يديه بالتحية العسكرية ومصافحًا المارة، الذين لا تعرف من أين جاءوا ولا أين ذهبوا، وكان وزيره الصحاف يتحدث للصحفيين، عن دحر العدو وقطع مؤخرة العلوج وتصفيتهم، وهم على أبواب القصر الرئاسى، ولا فرق فى الأحداث، وإن اختلف الزمان والشخوص،  فالذين ذهبت عقولهم أضاعوا جيوشًا وأوطانًا وشعوبًا، ويا ويل أمة يبتليها الله بهذا الصنف من الحكام.