«على قدر حلمك».. معرض لأعمال الخيامية بمذاق خاص

معرض لأعمال الخيامية
معرض لأعمال الخيامية

كتبتب : منى عبد الكريم

يقول الشاعر محمود درويش «على قدر حلمك تتسع الأرض» ، من وحى هذه الكلمات التى ظلت خالدة تداعب أرواح المؤمنين بأحلامهم وتدفعهم لمطاردة أحلامهم، جاء اختيار عنوان معرض لأعمال الخيامية الفنية «على قدر حلمك» التى تم تصميمها بطريقة عصرية، وقام بتنفيذها صناع الخيامية المهرة، واستضافتها ساحة عرض جراج - الفاكتورى بوسط البلد . 

وما بين الأعمال التى جائت كإعادة تنفيذ لبعض معلقات الخيامية التراثية ومن بينها مثلا «نصر من الله وفتح قريب » التى يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وكانت تستخدم فى الموالد والاحتفالات، وكذلك قطعة «أعد نظرا تجد صنعا جميلا .. ها قد أقمت لك الدليل » والتى تعود كذلك إلى أواخر القرن التاسع عشر.

وبين تلك التى تناولت موضوعات معاصرة مثل «التوكتوك نهارا » و «التوكتوك ليلا »، خرج المعرض بمذاق خاص، أضاف إليه اختيار جراج الفاكتورى بجدرانه التى يكسوها الطوب لتأخذك معها للماضى . 


إذ بدت كل قطعة من القطع المعروضة كلوحة فنية غير متكررة .. كميلاد مؤكد لحلم إحياء تلك الحرفة التراثية الأصيلة بمذاق عصرى .. ولذا جاء عنوان المعرض وموضوعه ليتمحورا حول فكرة الحلم .. فموضوع المعرض كما جاء بالكلمة المصاحبة له هو حالات الحلم المختلفة .. فمن الحلم العالمى بالازدهار والوفرة والذى نراه فى الحدائق والفاكهة كاملة النضج، إلى الحلم بالسكينة متمثلا فى الحركة اللطيفة للمراكب التى تُبحر فى سكون وتتهادى على صفحة النيل . كذلك جسدت بعض القطع حالات الحلم فى ارتباطها بالواقع، ومن بينها حلم التعليم، ذلك الحلم الذى غالبا ما يحلمه الآباء لأبنائهم .

وكذلك أحلام الدولة التى تركز رؤيتها حاليا على تحقيق نهضة مصرية . وحتى الحلم البسيط المتمثل فى الاستقلال المادى والمغامرة والذى تعبر عنه مشاهد سائقى «التوكتوك» الساعين وراء الرزق فى أحياء القاهرة المختلفة . 

وربما كانت مجموعة «تعلم الأبجدية » واحدة من الأمثلة التى جمعت بين معالجة قضية عصرية، آلا وهى قضية التعليم، وبين توظيف رموز وأشكال مستلهمة من التراث، فكما جاء فى توصيف الأعمال نجد أن مثلا معلقة «س - سيد قشطة » وظفت فرس النهر بكل تلك الدلالات والمعانى التى ارتبطت به فى الحضارة المصرية القديمة، فقد ارتبطت أفراس النهر بالحياة والتجديد والبعث، أما معلقة « ت - تمساح » فهى تعيدنا لرمزية التمساح فى الحماية من العين، فقد كان التمساح حاضرا بقوة فى الخيال والثقافة المصرية مثله مثل الهدهد.

ويمكن العثور عليه معلقا فوق أبواب المنازل الريفية لحماية أصحابها ، أما «ق - قطن » فقد ارتبط القطن باسم مصر فى القرن التاسع عشر حين ازدهرت زراعة القطن بها . وهكذا.

وقد جاء هذا المعرض كنتاج للتعاون بين المؤرخ سيف الرشيدى الذى يهدف عمله الأساسى إلى الحفاظ على التراث الثقافى، والذى سبق له وأن قام بتنسيق معرضا متميزا عن الخيامية تحت عنوان «ذكريات معلقة » بقاعة أوبنتو بالزمالك، كما ألف هو والدكتور سام بوكر كتاب «صانعو الخيام فى القاهرة : حرفة الصناعة التطبيقية الحديثة فى العصور الوسطى والحديثة فى مصر ».

 

وبين مؤسسة «مركز » التى أسسها كل من رائدة الأعمال الاجتماعية نائلة الشيشينى ومحمد أمين بدافع من الشغف العميق بالحرف اليدوية المصرية، وكذلك صناع الخيامية المهرة. 


وخلال جولتى بالمعرض التقيت بمحمد عبد الواحد(35 سنة) الذى ورث حرفة الخيامية أبا عن جد، لكن هذا لم يمنعه من الاستمرار فى التعليم وصولا للتخرج فى كلية التجارة قسم اللغة الإنجليزية والحصول على درجة الماجستير، دون أن يعيق شغفه بالخيامية مساره التعليمى أو العكس بل يبدو أن دراساته فتحت أمامه أفاقا جديدة فى التعامل مع الحرفة التراثية وتسويقها، إذ حاول محمد أن يخرج بتفكيره عن النطاق المحدود لتنفيذ تصميمات الخيامية المكررة.

يقول: حاولنا كثيرا أن نجدد فى التصميمات التى نستخدمها بحثا عن تطوير الحرفة، وقد تعرفت على د. سيف الرشيدى منذ سنوات بعيدة، وهو الذى قام بوضع التصميمات التى تضمنها معرض «على قدر حلمك » وقد جاءت بعد سنوات طويلة من الخبرة ومن المعرفة العميقة بكل تصميمات الخيامية قديما وحديثا، أما اختيار الأقمشة وألوانها فقد ساعدت فى ذلك م. نائلة الشيشينى، ففى مؤسسة «مركز » لديهم كمية كبيرة من الأقمشة بمختلف الخامات، بعضها يصل لأن تكون أقمشة نادرة، فبعد الحصول على التصميم نجلس لنتشاور فى كل تفصيلة لكيفية تنفيذه بالأقمشة بأفضل نتيجة . 

ومن جانبه يقول سيف الرشيدى: الهدف من هذا المعرض هو تقديم أعمال خيامية مستمدة من التراث ولكن بصيغ عصرية، إذ حرصنا أن نقدم قطعا فنية أصيلة مختلفة فى شكلها عن المألوف.

ولكنها مرتبطة بالتاريخ والهوية، وقد جاءت التصميمات الجديدة لتوظف عناصر مستمدة من التراث وفى الوقت نفسه تعكس قضايا وموضوعات بل ومشاهد من مصر المعاصرة التى تحيط بصناع الخيام حالياً، فالفن لابد أن يعبر عن السياق الذى ولد فيه، فلم تكن الخيامية تاريخيا منفصلة عن الواقع الذى أبدعت فيه، فبالرجوع للقطع التاريخية للخيامية نجد أنها كانت تعبر عما يحيط بالفنانين، فمثلا الخيامية القديمة كانت تعبر عن عمارة القرن التاسع عشر بما فى ذلك من زخارف وكتابات . 

ربما كانت واحدة من ألطف القطع التى شاهدتها بالمعرض التى تترجم توظيف الخيامية لتعبر عن قضايا معاصرة «التوكتوك نهارا» و«التوكتوك ليلا - جوهر المليون حلم »، التى يقول عنها الرشيدى الحقيقة أن فكرة هذين العملين ترتبط بشارع الخيامية حاليا، فقد وجدت أن كثيرمن الشباب يفضلون سواقة التوكتوك عن تعلم حرفة الخيامية والاستمرار فيها، لأن الخيامية تحتاج صبر وجهد، ثانيا لأن التوكتوك واحد من الأشياء الموجودة بكثرة حولهم . 

ويضيف الرشيدى: إن جوهر عملنا يقوم على الابتكار والتجديد، ولذا لن تجد تصميم يشبه الثانى، حتى حين نقوم بإعادة قطعة ما، لابد من إدخال تغيير على بعض عناصر التصميم، فقد تجد لكل تصميم عشر نسخ مختلفة ، فالغالب أن الحرفيين المهرة يفضلون عدم تكرار أنفسهم، ولذا فإن كل قطعة تبدو كعمل فنى منفرد، وأنا أعتبر أن هذا المعرض هو خطوة فى مسيرة ممتدة لفتح آفاق جديدة أمام حرفة الخيامية التراثية .

اقرأ ايضا | فى يوم المخطوط العربى.. مستقبل 3 ملايين مخطوط في زمن العولمة