فى يوم المخطوط العربى.. مستقبل 3 ملايين مخطوط في زمن العولمة

يوم المخطوط العربي
يوم المخطوط العربي

كتبت : منى نور

نظم معهد المخطوطات العربية التابعة لجامعة الدول العربية فعالية ليوم المخطوط العربى، بعنوان «إرثنا المخطوط فى زمن العولمة».
 

وكانت الفكرة عند المنظمين، أن زمن العولمة الثقافية، هو زمن فرض المحتويات الثقافية الغربية، بإيقاع يتعاظم كل يوم فى شتى المجالات، حتى ألفيناه يستحوذ على كل أرجاء العلوم، فأضحى تجاوزه أو الفكاك من تياره الجارف مبتغى مستحيلاً.

وثمة سؤال فرض نفسه خلال طرح عنوان الاحتفالية، وهو: هل تعنى هيمنة الحضور الثقافى الغربى هذه، تكور تراثنا الفكرى والمعرفى ونأيه عن الخوض فى هذا المضمار، والإحجام عن تجسيد هوة هذا الحضور فى بحر الثقافة العالمية المائج؟

هذه الاحتفالية ليوم المخطوط العربى «إرثنا المخطوط فى زمن العولمة» إنما هى سعى إلى جعل هذه المناسبة الثقافية المحتفى بها، تفتح درب التشغيل الحضارى لإرثنا المخطوط من خلال الاستثمار الأمثل للتقنيات والبرامج والحوامل المعلوماتية التى تتيحها لغة عصر العولمة.

شهد أحداث الاحتفالية مسرح دار الأوبرا، بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، مدينة السادس من أكتوبر.
وفى بدايتها تحدث الدكتور محمد ولد أعمر، المدير العام لمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- إلكسو- مشيراً إلى أننا بحاضرة القاهرة موئل الإشعاع الثقافى والحركية الفكرية الرائدة.

ويزيد من غبطتى تشريف هذا اليوم بحضور ثلة من الشخصيات الكريمة، هذا اليوم حظى منذ إقراره من طرف مؤتمر الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية فى الوطن العربى عام 2013، باهتمام خاص من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، من خلال سعيها الدؤوب إلى جعله يتجاوز الاحتفاء الرمزى بالمخطوط العربى، نحو المناسبة التى تكلل حصيلة سنة كاملة من المبادرات والإنجازات والممارسات الفضلى فى حقل التراث الفكرى العربى، بما ينسجم مع رؤية المنظمة لتدبير حقل التراث الثقافى العربى، وفق ما ترسمه توجهات الخطة الشاملة للثقافة العربية.

وأكد أن يوم المخطوط العربى أضحى كما سنشهد فى هذه الاحتفالية مناسبة لتعزيز وعى الأجيال العربية بأهمية تراثهم لفكرى فى بناء انتمائه الحضارى مشيراً إلى أنه ولتنسيق الاحتفاء بهذا اليوم، بجل ربوع الوطن العربى، حصيلة إقامة فعاليات متنوعة تمتد طيلة شهر أبريل، وخصوصاً لتقييم حصيلة سنة كاملة من العمل فى حقل التراث الفكرى والمعرفى العربى.

ولفت د. ولد أعمر إلى أن جهاز المنظمة المتخصص، كموضوع رئيسى لهذا العام: «إرثنا المخطوط فى زمن العولمة» هو اختيار موفق بالنظر إلى راهنية الموضوع، فى زمن أضحت فيه التحولات المتسارعة والمتغيرات البنيوية التى تجرها العولمة الثقافية، تفرض على أهل التراث ملاءمة أهدافهم وأولوياتهم وخططهم التنفيذية على ضوء مستجدات زمن العولمة، بالعمل على مواجهة سلبياته والإفادة من إمكانياته الهائلة.

وأوضح: إننا نعتبر اختيار تحقيق التراث بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، كشريك فى تنظيم هذا الحدث، موفقاً، بالنظر إلى كونه جاء منسجماً مع موضوع الحدث، لمكانة هذه الجامعة العضو فى اتحاد الجامعات العربية فى البحث العلمى الجامعى المواكب لآخر المستجدات الأكاديمية لزمن العولمة.

وشدد على أن تراثنا المخطوط يواجه تحديات جمة فى جميع مستويات الاشتغال فيه، صيانة وتجميعاً ونشراً وتعريفاً وتوظيفاً، فهو تراث يفوق الثلاثة ملايين مخطوط، منها ما عرفت، ومنها ما لم تصله يد الباحثين، وقد اضطلع معهد المخطوطات العربية منذ إنشائه سنة 1946، بتصوير جزء مهم من هذا التراث المتناثر بالدول العربية وبدول العالم، وعمل على وضع الأسس المرجعية لتحقيقه وفهرسته، ودراسته النقدية، وإتاحة بياناته الببلوغرافية فى قاعدة بياناته.

وقد نهض العديد من المراكز والمؤسسات بالدول العربية وبالعالم بأدوار رائدة مكنت من التعرف على جزء كبير من هذا التراث، كما مكنت المكتبات الوطنية العربية من تجميع أرصدة نفيسة كشفت للعالم غنى التراث الفكرى والرصيد الحضارى للوطن العربى.

ومدى مساهمته فى مسيرة المعرفة الإنسانية والبناء الحضارى الكونى، بيد أن الطفرة التواصلية الكبيرة التى أتاحتها شبكة الإنترنت وبرمجيات قواعد البيانات والتخزين وتقنيات الرقمنة والتصوير، فتحت مع مطلع الألفية الثالثة عهداً جديداً أمام الباحثين والمهتمين مشيراً إلى أن صور المخطوطات التى كانت تشد إليها الرحال أضحت تشد بضغطة زر، والفهارس والكشافات التى كانت السر المكنون لجهابذة الباحثين والمحققين، جمع العديد منها فى قواعد البيانات المتاحة.

وتوجهت الدراسات من المتون، إلى خوارج النص إلى وعاء المخطوط المادى، الذى تحول إلى مرشد حقيقى عن عتمات النص وتفاصيله المستعصية فى إطار علم الكوديكولوجيا المستجد وأمام هذه المكاسب الجديدة التى أتاحها زمن العولمة.

ولخص التحديات فى أن العالم العربى لم يصدر بعد فهرساً شاملاً لتراثه المخطوط، كما لم يتمكن من توطين علم كوديكولوجيا عربية، ومازالت المحاولات متواصلة لإصدار بوابة إلكترونية عربية موحدة للمخطوط العربى، ومازالت الحاجة ماسة إلى مركز عربى لصيانة وترميم المخطوط، ومازال تحقيق التراث العربى لا يتوفر على إطار مرجعى توجيهى موحد مؤكداً أن هذه التحديات وغيرها كثير، هى التى فرضت اختيار عنوان «إرثنا المخطوط فى زمن العولمة» بغية استثمار يوم المخطوط العربى.

وتعرض د. محمد ولد أعمر لجهود المؤسسات التراثية العربية والباحثين، مشيراً إلى أنها تستحق التكريم والعرفان، وهو التكريم- حسب قوله- الذى يعتبره معهد المخطوطات العربية اعترافاً وثناءً على هذه الجهود التى لولاها ما استمر وهج وحضور هذا التراث العربى فى المشهد الثقافى.

وفى نهاية كلمته، أثنى د. ولد أعمر على جهود كل من مؤسسة دارة الملك عبدالعزيز (وقد مثلها فى هذه الاحتفالية د. فهد عبدالله السمارى)، كما أثنى على جهود الأستاذ الدكتور عبدالستار الحلوجى، وقدم تهنئة لمحققى كتاب «المحلى شرح المجلى» وهو الدكتور بشار عواد معروف.

كما قدم التحية لخالد الطوخى، رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على ما قدمه لهذا الحدث، من دعم معتبر باستضافة الجامعة لفعالياته، وهى الجامعة التى حرصت بالإضافة إلى اهتمامها بالعلوم والتكنولوجيا أن تفرد اهتماما خاصاً لدراسة تراث المخطوط من خلال مركز تحقيق التراث العربى، والذى ساهم بالتعاون فى إنجاز هذه الاحتفالية.

ثم تحدث د. مراد الريفى، مدير معهد المخطوطات العربية، لافتاً إلى أن هذه الاحتفالية هى الدورة العاشرة ليوم المخطوط العربى، بعد أن أضحى هذا الحديث مناسبة سنوية يقف فيها أهل تراث المخطوط والمهتمون به فى أرجاء الوطن العربى على حال هذه الوديعة الحضارية ومآلها. شارحا أن الحال الآن يتراوح ما بين وعى متنام بما يكتنزه هذه التراث من أرصدة معرفية وفكرية وإشراقات حضارية.

هذا الوعى لقلة من أهل التراث الثابتين لاستنهاض همم إحيائها، وبعثها لتجلى للأمة وللعالم مفرداتها النفيسة.

وأما المآل، فيضعنا أمام أسئلة متوالية عن موقع تراثنا المعرفى والفكرى فيما يعتمل من تقلبات عاصفة فى المشهد الثقافى العربى والعالمي.

هل جمعنا هذا التراث من مظانه المنتشرة بالوطن العربى والعالم؟

هل تعرفنا بما يكفى على تراث الكتاب العربى المخطوط؟

هل أعددنا العدة المعرفية الشافية المنهجية الكافية لدراسته النقدية النافعة، غير المكررة والموعزة على شتى فنون هذا التراث؟

هل وحدنا مناهج نشره وإتاحته والإفادة منه لجمهور الباحثين؟

هل صنعنا تلك الرؤية الحضارية الموجهة لتشغيل موارده التقعيدية والفكرية والاجتهادية فى الحاضر والمستقبل تشغيلا يعضد مقومات الشخصية العربية الإسلامية ويعزز مكانتها بين الأمم؟

ويجيب د.الريف، أن الجواب على هذه الأسئلة، لا يمكنه أن يتم خارج إطار السياق الحضارى الذى يحيىا فى كنفه هذا التراث، وهو ما حدا بنا إلى اختيار عنوان «إرثنا المخطوط فى زمن العولمة» كموضوع رئيسي، للاحتفال بيوم المخطوط العربى هذا العام.

وأشار إلى أن تلك المتغيرات المتسارعة التى جاء بها زمن العولمة فى ميادين نقل المعارف وحركية المعلومات وزخم صبيبها الجارف، مع ما يعنى ذلك من رجة أصابت صميم منظومة الاشتغال الفكرى التراثى الرصين. فكانت غايتنا بسط موضوع اليوم من زاويتين.

الأولى اعتبار تراث المخطوطات إرثا فى عهدتنا، نتعهده ونرعاه كأمانة حضارية يقع على عاتقنا بقاء جذوته متوهجة عبر أجيال المجتمعات العربية.

وزاوية تفاعل هذا التراث مع مستجدات العصر، بما يجعله شاهدا حضاريا فاعلا فى المشهد الثقافى ومؤثرا فى مسيرة البناء الحضارى المتواصلة، مع ما يعنى ذلك من استثمار لأدوات العصر من قواعد بيانات وبرمجيات وتقنيات وتسخيرها لخدمة هذا التراث، صيانة ونشر و إتاحة وتصنيفا.

أما الزاوية الثانية - فهى التى نقدمها فى معرضنا الذى خصصناه لإبراز أهم ما أتى به زمن العولمة من أوعية جديدة نعمل على استثمارها وتشغيلها بما ينفع الأهداف الاستراتيجية التى وضعتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - ألكسو، فى حماية وتأهيل واستثمار تراث المخطوط العربي.

وتم فى هذه الجلسة تكريم لكل من: الدكتور عبدالستار الحلوجي، كشخصية العام للبحث التراثي، وتكريم مؤسسة دارة الملك عبدالعزيز، (واستلم درع التكريم د.فهد عبدالله السماري، الأمين العام)، وتكريم محققى كتاب (المحلى فى شرح المجلي) للدكتور بشار عواد معروف.

وتم توجيه تحية خاصة لخالد الطوخي، رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على ما قدمته لهذا الحدث، فضلا عن اهتمامها بدراسة تراث المخطوط من خلال مركز تحقيق التراث العربي، وحضر عن الطوخي، د.أشرف حيدر، رئيس الجامعة.

وفى كلمته أشار د.أنس الفقي، مدير مركز تحقيق التراث بجامعة مصر، إلى أن هذا الاحتفال السنوى الذى تنظمه جامعة الدول العربية، ممثلة فى معهد المخطوطات العربية، لا يتوقف على احتفالية يوم فقط، بل سوف يستمر لأكثر من شهر ليفتح مجالا لمشاركة المؤسسات التراثية العربية فى شتى أنحاء العالم، إذ ربما نجد بعض المؤسسات المعنية بالتراث العربى المخطوط فى دولة أجنبية وهذا ما يشعرنا بالفخر إزاء هذا التراث العظيم، مضيفا أن عنوان الاحتفالية يمثل نداء لنا ولأبنائنا، يحفزنا على الانطلاق من أصول العلوم والمعارف إلى آفاق التطور والتكنولوجيا، لنخرج من إطار التقليد إلى عالم الإبداع والتجديد.

وأكد د.أشرف حيدر غالب، رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا - فى مشاركته - على أن إنشاء مركز لتحقيق التراث العربى بالجامعة ليكون نبراسا ورائدا تسير على خطاه سائر الجامعات العربية، واعتبرنا أن ذلك واجب قومي والتزام أخلاقى، فمن لا ماضى له، لا حاضر له وهو جزء لا يتجزأ من رسالة الجامعة فى مجالى خدمة المجتمع والبحث العلمي مشيرا إلى أن المركز حريص على الجمع بين تحقيق المخطوطات التراثية، وآخر المستجدات العلمية الحديثة فى ذات التخصص وذلك من خلال الاستعانة بمجموعة من الأساتذة المتخصصين. وأن عنوان الاحتفالية يمثل تحديا كبيرا يجب خوض غماره فى عالم التقدم العلمى الحديث.

اقرأ ايضا | افتتحته اليونسكو واختتمته الموسيقى: 130 مبدعاً فى مهرجان بابل الثقافى