الاختيار 3.. رواية دولة قررت المقاومة

دراما الواقع قطعت الطريق على العبث بالتاريخ

دراما الواقع قطعت الطريق على العبث بالتاريخ
دراما الواقع قطعت الطريق على العبث بالتاريخ

كتب : محمود بسيونى

رفع مستوى الوعى الجمعى وتنقيته من السرد التاريخى المزيف الذى يخدم خطاب المؤامرة على مصر مسئولية حملتها الدراما المصرية على مدار الثلاث سنوات الماضية من خلال المشاركة فى معركة الوعى، وجاءت ثلاثية الاختيار لتجسد نجاحا للقوى الناعمة فى تشكيل وصناعة الوعى بالحقائق وفقا لمبدأ أن الحقيقة ملك للشعب، ونجح «الاختيار 3» فى إثبات قدرة الدراما فى التأثير من جانب وقدرتها فى توثيق مرحلة حاسمة فى تاريخ مصر تم فيها استرداد الدولة من قوى الظلام وكذا قدرتها على كشف وسرد الحقائق فى مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، وفضح مخططات جماعة الإخوان الإرهابية بالتوثيق بالصوت والصورة بنشر اللقاءات السرية للجماعة والتى كانت تهدف للنيل من استقرار مؤسسات الدولة، ومع التفاعل الكبير مع المسلسل وأحداثه أثبتت قوة مصر الناعمة القدرة على أن تكون ضلعا فى معركة البناء التى يعتبر فيها بناء الوعى ركنا أساسيا.

أصعب أنواع الدراما هى التى تقرر التصدى لتجسيد الواقع وتقرر ان تقدم الحقيقة المجردة دون التدخل، وتبتعد عن مساحات الخيال ومداعبة أذهان الناس وتحفيزهم على المتابعة بالإثارة والتشويق ومن هنا كانت صعوبة «الاختيار 3» كعمل درامى يستكمل رواية دولة قررت مقاومة معاول الهدم والتطرف والإرهاب وتمكنت من المحافظة على كيانها وهويتها بتضحيات رجالها فى المؤسسات الأمنية المختلفة.


يمكن أن تلمس أهمية وقوة تأثير الاختيار فى التعامل الهستيرى من جانب أدوات الجماعة الإرهابية مع أحداث المسلسل وارتفاع موجات التشويه ضد العمل وضد أبطاله، بشكل مباشر او بشكل غير مباشر، وهى عملية مراوغة تجيدها الجماعة، حيث تستخدم الجماعة شخصيات تظهر على السوشيال ميديا أو وسائل إعلام الجماعة للدفاع عنها مع إعلانهم عدم انتمائهم لها وربما يهاجمون الجماعة لإبعاد الشبهة عنهم.

وهناك أيضا عاصرو الليمون الذين يحاولون إقناع الناس بانتخاب الإخوان حتى لا ينتخبوا غيرهم وهو ما حدث قبل انتخاب الإخوانى محمد مرسى للرئاسة ثم كان مشهد استسلام باقى التيارات السياسية للاخوان فيما سمى بجبهة فيرمونت ليؤكد سيطرة الإخوان على عناصر من التيار المدنى او الليبرالى، وإمكانية استخدامها فى اللحظة المناسبة.

 


الاختيار 3 قرر التصدى إلى الواقع الذى عاشته مصر مع سنة حكم الجماعة وذهب صناع المسلسل بشجاعة الى النقاط المعتمة فى تلك السنة مع تجسيد الابطال الحقيقيين لتلك الوقائع بمن فيهم الرئيس عبدالفتاح السيسى وكل أعضاء مكتب الإرشاد وهو خط درامى بالغ الأهمية لأنه يروى ما كان خفيا على عموم الناس من كواليس عملية اتخاذ القرارات فى مكتب الإرشاد ثم صدورها باسم الرئيس من قصر الاتحادية.


لم يكتف المسلسل بتقديم المشاهد التمثيلية لما جرى ولكن قدم أيضا فى نهاية كل حلقة وثيقة بالصوت والصورة لما كان يقوله قيادات الجماعة عن باقى التيارات السياسة وتحديدا التيارات السلفية التى ضجت من عملية أخونة الدولة وكيف كان الإخوان مخترقين السلفيين ومتحكمين فى قرارهم الداخلى.


خطورة الوثائق المرئية للقاءات الجماعة السرية وضعت حقيقتهم العارية أمام مؤيديها، وأكدت انتهازية الجماعة وإيمان قيادتها بمبدأ ميكيافيلى الشهير «الغاية تبرر الوسيلة» وغاية الجماعة كانت تدمير الدولة الوطنية وهدم مؤسساتها من أجل إحكام سيطرة الجماعة.

 

وأنها لا تمانع من وضع يدها فى يد الشيطان اذا رأت انه يحقق مصالحها بل انها لا تمانع من خراب الدولة ومعاناة المواطن فى سبيل استمرار حكمها وهو ما شهدته مصر ودول عربية أخرى تعرضت لمحنة حكم وسيطرة هذه الجماعة الإرهابية.


كشفت أحداث الاختيار أن مؤسسات الدولة تعاملت بمهنية وتجرد مع حكم الإخوان من أجل الحفاظ على الدولة، واحترمت مؤسسات الدولة اختيار الشعب، وان القوات المسلحة وقياداتها قدمت النصائح المخلصة من أجل المحافظة على الاستقرار والتعامل مع الأزمات المختلفة الا ان الجماعة الإرهابية كانت منشغلة بالتمكين على إنقاذ الدولة المنهارة اقتصاديا والمستنزفة سياسيا، وانهم استخدموا صلاحيات الرئيس فى تنفيذ ذلك التمكين عبر التخلص من أى مؤسسة أو شخص لا يتعاون مع الجماعة ولا يشارك فى عملية الاخونة، وفوق ذلك الاستعداد للعنف المسلح واسع النطاق فى حالة انهيار سلطتهم.


اشارة خيرت الشاطر فى الوثيقة المرئية فى نهاية أحداث حلقة النائب العام، إلى ثأر الجماعة من المؤسسة العسكرية وباقى المؤسسات الأمنية كان لها مسار واحد وهو هدم دولة المؤسسات واستبدال المشروع الوطنى بالمشروع الاخوانى، وهو مشروع قائم على الجماعة فقط ويعنى ربط مصر بالجماعة وارتهان القرار المصرى بقرار من يحرك الجماعة ويملك مفاتيح حركتها فى الخارج، سواء أجهزة استخبارات أو أنظمة معادية.


كان الترهيب اختيار الاخوان فى التعامل مع المؤسسات الأمنية اذا فشلت الاستمالة، وكان الشاطر ومحمد البلتاجى هما رأس الحربة فى تنفيذ تلك الخطة.


صحيح ان خطر الاخوان هو الظاهر لكن كان هناك خطر آخر بوجود شخص مثل عبدالمنعم أبوالفتوح وهو من اقوى الشخصيات داخل الجماعة، لم يكن يقابله سوى الشاطر، والحقيقة أن أبوالفتوح كان ضحية من ضحايا طموح الشاطر فى السيطرة على الجماعة ومن ثم مصر.


كلاهما كان يلعب بجماعة البنا لمصالحه الخاصة، وعقب يناير ظهر صراع تكسير عظام بين ابو الفتوح و الشاطر، وتسابقا على كسب ود السفارة الأمريكية، ومنظمات حقوق الإنسان، وسعى الشاطر وابو الفتوح خلال الانتخابات الرئاسية وبعدها إلى التقرب إلى القوات المسلحة، وكلاهما تبادل اللكمات بلا رحمه بينما عناصرهم فى الشارع تحاول تجميل صورتهما من أجل ضمان الفوز بالانتخابات.


أبوالفتوح هو الوجه الآخر للشاطر، كلاهما سعى لابتلاع مصر بطريقته الخاصة، الشاطر اختار طريق الخشونة والعنف، اما أبوالفتوح فاختار النعومة واستقطاب أقصى اليمين واقصى اليسار وتأييد السفارات الأجنبية، كلاهما لديه نفس الخطة، ونفس الهدف ويخدم نفس الفكرة، والدليل ضمان الجماعة فى جولة الاعادة أصوات ابو الفتوح بعد خروجه من السباق.


بين هذا وذاك كان مسار الأخونة واحدا، والانهيار كان قاب قوسين أو أدنى، وهو ما تحقق فى تونس، منصف المرزوقى يساوى ابو الفتوح، والغنوشى يساوى الشاطر والخاسر دائما الدولة والمواطن .


رغم اننا مازلنا فى الحلقات الأولى من المسلسل الا انها اشتبكت سريعا مع وقائع التاريخ التى حاول الإخوان تزييفها لصالحهم، وأثارت الجدل بفضح أوراق الجماعة الخفية أمام عناصرها فى الداخل والخارج.

واثار غضب لجان الجماعة الالكترونية فى كل مكان، وانطلق النفير العام لكل أعضاء الجماعة من اجل مهاجمة المسلسل بكل الطرق وتشويه ابطاله على وسائل التواصل الاجتماعى بعدما فوجئت الجماعة من مدى المشاهدة الواسعة للمسلسل فى كل الدول العربية من المحيط الى الخليج وانه كان سببا فى زيادة اوجاع الجماعة المحتضرة والمحاصرة تقريبا فى كل بقاع الأرض.


لقد وضع الاختيار 3 الحقيقة أمام أجيال المصريين سواء من عاصر الأحداث أو من سمع عنها، لم يكن الاخوان نظام حكم طبيعى وحتى مرسى لم يكن رئيسا بل مجرد فرد فى تشكيل عصابى اختطف مصر لتنفيذ خطة تمكين ستنفذ اما بالصندوق أو بالقتل ورسم لمصر طريق واحدا ينتهى اما بقبول ديكتاتورية الجماعة أو الحرب الأهلية.


الاختيار تحول إلى كشاف نور للمصريين يكشف ببساطة ما خفى عنهم لسنوات ويهدم ما تنسجه ميديا الاخوان من اكاذيب وتدليس تستهدف المواطن العادى، ويعمل على بناء جدار من الوعى يقف بصلابة امام اى تحد تجابهه الدولة المصرية فى المستقبل.

اقرأ ايضا | سر ظهور شحنة «خيرت الشاطر» المُحملة بالأسلحة في «الاختيار 3»