إنها مصر

أيام سوداء !

كرم جبر
كرم جبر

كانت مصر ملعبًا لكل أجهزة التخابر فى العالم، من أمريكا حتى السويد، ومن ألمانيا حتى الدنمارك، وساعدهم على ذلك إعادة صياغة مفاهيم التخابر والخيانة والتجسس في صور إنسانية ومعلوماتية.

لم يعد الجاسوس ذلك الشخص العابس الذى يلبس نظارة سوداء وبالطو كاكي، وينظر من جورنال مخروم، ويقول لزميله الآخر المتخفي «تسمح تولعلي».
الجاسوس الذي ظهر في مصر أثناء أحداث 25 يناير 2011 قد يكون منظّراً ومفكراً وفيلسوفاً وأستاذ جامعة وناشطاً سياسياً، وصاحب «بوتيك» حقوق إنسان، ويتحدث عن الوطنية كأنه مصطفى كامل، وعن الهوية أبرع من سعد زغلول، وعن الاستقلال الوطني أسخن من عبد الناصر، وتم تدريبه وتعليمه وبرمجته في مراكز مخابراتية متخفية في أمريكا وأوروبا.

لم تعد الجاسوسية خيانة يوصم صاحبها بالخزي والعار مدى الحياة، وملاحقة الأحكام القضائية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام، ولكن رأينا من يجعل الخيانة «وجهة نظر» ويبرر لنفسه وأتباعه عمليات بيع الأوطان، وكأنها من ضرورات الانفتاح على مختلف القوى المؤثرة في العالم.
كل هؤلاء الخونة الجدد اتخذوا مصر مسرحاً لنشاطهم قبل 25 يناير وبعدها، خليط شيطاني من عملاء مصريين وأجانب، والتيارات الإخوانية الإجرامية وما انشق عنها من زوائد دودية اشتراكية ومراكز حقوقية، وكل واحد ماسك سكينة وبيقطع في جسم البلد، قتلاً وحرقاً وتخريباً وتجسساً وخيانة، تحت شعارات ثورية ونضالية كاذبة.
وكأن هذا الوطن لم يكن له أصحاب يدافعون عنه، حتى جاء الطوفان الكاسح في 30 يونيو، فانكشف الطابور السادس، وتعرّى نشطاء العار، واختفى صبيان أمريكا والإخوان من وسائل الإعلام، وبدأ البلد يسترد عافيته.

أتذكر سيدة أمريكية ذات أصول مصرية استأجرت شقة في عابدين لإيواء أطفال الشوارع، واستخدامهم في المظاهرات، فكنا نذرف الدموع دماً على مصر وأحوالها بعد أن استباحها «اللي يسوى واللي ما يسواش»، لتخريبها وتمزيقها وإفساد شعبها، وتكالب عليها أولاد السفلة من أبنائها ومن الغرباء، وتفننوا في إيجاد وسائل مبتكرة من الخيانة والعمالة.

اختارت السيدة الأمريكية عابدين لأنها قريبة جدًا من ميدان التحرير ووزارة الداخلية، وفي دقائق معدودة يمكن أن ينتشر أطفالها في المناطق الحساسة، فيحرقون ويثيرون الشغب والفوضى والتخريب، ثم يختفون في الشوارع الضيقة والحواري الثعبانية الملتوية.
هذه الأيام السوداء ذهبت دون رجعة، واستردت مصر كرامتها الوطنية، واسترجعت الأمن والأمان الذي اشتهرت به، وعرفت طريقها، ومَن عدوها ومَن صديقها.