الهجرة والمسلمون.. ملفات رئيسية في السباق للإليزيه

مسلمون يؤدون الصلاة فى مسجد باريس
مسلمون يؤدون الصلاة فى مسجد باريس

أثناء الماراثون الانتخابي، كان المسلمون الفرنسيون الورقة الدعائية الأبرز حضورًا، لكن ليس لكتلتهم التصويتية كونهم يمثلون نحو 10% من المجتمع الفرنسي، وإنما لتوظيفهم وملف الهجرة عمومًا لخدمة الخطاب الشعبوى الذى اعتمد عليه معظم المرشحين لكسب أصوات اليمين صاحب الكتلة التصويتية الأكثر عددًا والأعلى صوتًا.


ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تصدر الاسلام أهم الملفات فى المعركة الانتخابية وصدر للكثير من المسلمين الفرنسيين الشعور بالقلق نتيجة لخطاب الكراهية نحو أكبر أقلية دينية فى البلاد، خاصة التصريحات التى أطلقتها مرشحة اليمين المتشدد، مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني»، وكذلك الصحفى اليهودى إريك زمور، واللذان انتقدا خلالها الإسلام ووصفاه بالإرهاب وتشكيله تهديداً على الأمن القومى الفرنسي.


ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل ترددت هذه العبارات على لسان مسؤولين من اليمين المحافظ وحلفاء للرئيس إيمانويل ماكرون، والذى لا يزال يحذر من خطر الإسلام المتطرف.


يلاحظ أن ثلاثة من المرشحين المنافسين لإيمانويل ماكرون فى الانتخابات القادمة (فاليرى بيكريس، مارى لوبان، إيريك زمور) المتوقع أن يحصلوا على أكثر من 50% من أصوات الناخبين وفق استطلاعات الرأي، يعتمدون فى برنامجهم الانتخابى على الحملات المناهضة للمهاجرين ويستخدمون خطابا عدائيا موحدا ومعهم الرئيس الحاليّ لاستمالة التيار اليمينى ، وصل إلى حد المزايدة بينهم جميعًا على أكثرهم تطرفًا فى الانتقام من المهاجرين والأقليات حال فوزه فى الانتخابات، وهو ما زاد من مشاعر الاحتقان والكراهية داخل الشارع الفرنسي.


وبموجب ما أطلقوا عليه بأن العلمانية فى فرنسا فى خطر - وأن المسلمين ، على وجه التحديد، يرفضون الاندماج فى المجتمع الفرنسي، وبالتالى يهددون القيم المشتركة فقد أدخلت حكومة ماكرون العام الماضى، قانوناً جديداً لحماية فرنسا مما وصفه الرئيس بـ «نزعة انفصالية إسلاموية» داخل الأراضى الفرنسية. أغلقت بموجبه عدد من المساجد ومنعت الزى الإسلامى فى الوظائف، ما كان له أثره فى تصاعد شكوى الكثير من المسلمين فى فرنسا من الأحكام المسبقة والتمييز ضدهم والتشهير بديانتهم وتزايد معدلات الجريمة ضدهم. و هو ما كان سببا فى هجرة عدد منهم خارج فرنسا.


ففى تقرير نشرته مؤخرًا صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بعنوان «رحيل فى الخفاء لمسلمى فرنسا «، استشهدت ببعض الحالات التى غادرت فرنسا قهرًا هربًا من الانتهاكات التى تتعرض لها على أيدى اليمينيين، فى ظل تصاعد خطاب العداء والكراهية للمسلمين بصفة خاصة والأقليات بشكل عام.


كما كشفت الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية «ENAR» - مقرها بروكسل - فى بيان لها تنامى اليمين المتطرف داخل المؤسسات الفرنسية خلال السنوات الماضية، محذرة من تصاعد الانتهاكات ضد المسلمين، كما رأت أن أوروبا يجب أن تكون قلقةً من خطاب الحكومة الفرنسية المتأثر بأيديولوجية اليمين المتطرف ما يزيد من الانقسامات المتزايدة.


أما ملف الهجرة فقد كان له الصدارة ضمن برامج كل المرشحين الـ12 كل وفق رؤيته الاقتصادية والاجتماعية حيث يتجاوز عدد المهاجرين فى فرنسا 7 ملايين مهاجر وهو مايجعل الملف مهما من حيث تأثيراته. فالناخب الفرنسى أمام اختيارين، بين معسكر يمينى ويمينى متطرف يعتبر المهاجرين عبئا اجتماعيا على حساب رفاهية الفرنسيين يتعهد بتشديد القوانين ضد الهجرة، ومعسكر ثان يطرح مقاربة اجتماعية إلى حد ما، تتوخى الإدماج دون أى حديث عن الترحيل الذى يطالب به اليمين


ففى الحملة الانتخابية الاخيرة كما فى الانتخابات السابقة اليمين، سواء التقليدى أو المتطرف، أكثر تشددا حول الهجرة فى المقابل حافظ اليسار على نبرة إنسانية فى معالجته لهذا الملف، ويعتقد مراقبون أن ذلك يعد أحد اسباب انحساره فى السنوات الأخيرة، لانتشار أفكار اليمين المتطرف فى المجتمع الفرنسى.


الرئيس إيمانويل ماكرون مرشح «الجمهورية إلى الأمام» لم يترك لليمينين التقليدى والمتطرف فرصة الاستحواذ على ملف الهجرة، وكانت له مقاربته الخاصة لهذه المسألة، عندما أعلن أن أوروبا ذات سيادة.. وقادرة على ضبط حدودها»، أى تكثيف مراقبة حدود الدول الاوربية وتحسين التعاون مع بلدان المهاجرين الأصلية لتسهيل عودتهم.. بينما وعد إيريك زمور فى برنامجه بوقف لم شمل الأسرة نهائيا، وتقليص حق اللجوء بشكل كبير وترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين ومعاقبة بلدانهم فى حال عدم تعاونها وحجز ممتلكات مسؤوليها. وتعهد بإلغاء قانون «حق الأرض» الذى يحصل بموجبه المولودون فى فرنسا على الجنسية وإلغاء المساعدات الاجتماعية للمهاجرين غير الأوروبيين،

وعدم تجديد إقامة مهاجر بقى دون عمل أكثر من ستة أشهر. وتعهدت مارين لوبان مرشحة حزب «التجمع الوطني» اليمينى المتطرف، ففى حال تقلدها منصب الرئاسة بإجراء استفتاء حول الدستور لتعديل القوانين بشأن الهجرة وتريد عبر هذا الاستفتاء إزالة ما تسميه «العقبات» القانونية التى تحول دون طرد الأجانب المدانين بجرائم أو جنح خطيرة أو الذين يشكلون «تهديدا للنظام العام وتجريم الدخول إلى البلاد بطريقة غير شرعية ومنع تسوية أوضاع من يقوم بذلك إلا «فى حالات استثنائية وتريد من خلاله أن تكون للفرنسى أسبقية فى كل القطاعات من سكن وعمل إلخ.، حتى لو كان الأجنبى فى وضعية قانونية. ولا يستفيد المهاجر النظامى من الخدمات الاجتماعية، إلا بعد مدة خمس سنوات من العمل.