في آداب القاهرة ميلاد متجدد لـ«جابر عصفور»

جانب من الفعالية
جانب من الفعالية

كتبت : منى نور

ميلاد متجدد.. تقليد ذكى ومغاير، نظمه قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، برئاسة د. خيرى دومة، بالتعاون مع مجلة فصول، برئاسة د. حسين حمودة، أراد المنظمان لهذا اليوم سرد المنجز الثقافى والعلمى للراحل جابر عصفور.
وعلى مدى ست ساعات، جمع المتحدثون بين الإنسانى والعلمى فى علاقتهم بجابر عصفور.

لم يكن صانع مؤسسات ثقافية فقط لكنه كان مدرسة فى النقد الأدبى ومهد الطريق لتلاميذه

فى مداخلته أوضح د. عبدالله التطاوى أن جابر عصفور لم يمت، فقد ترك علماً يُنتفع به، وهو مؤسس لمشروع أطلقه فى السبعينيات، يعرف بالصورة الفنية، عمل على تطبيقها فى التراث العربى، ومن خلالها فتح باباً فى تاريخ الأدب العربى القديم، أى أنه اشتغل على التراث القديم بفكر جديد، عمله فى وزارة الثقافة، كان غير مألوف، فقد قدم لنا ثقافة الاستقالة.


وقال د. خيرى دومة رئيس قسم اللغة العربية، إن د. جابر كان يدرك تماماً أنه واحد من سلسال طويل من البناة العظام للعلم والثقافة، كان دائم الاحتفاء بالقيمة، سواء كانت عملاً أدبياً أو شخصية أدبية وعلمية.


وألمح د. أحمد مرسى إلى أن علاقته بجابر عصفور امتدت لأكثر من 50 عاماً،  وكانت نموذجاً لعلاقة إنسانية فكرية، وقال: اختلف معى حول الأدب الشعبى،  وهاجمنى لكن لا يستطيع أحد أن ينزع عن جابر عصفور صفة الإنسان المثقف، وهو امتداد لصناع الفكر العربى المعاصر، الذى مازلنا نعيش فى ظلالهم، أخرج لنا زخماً ثقافياً من خلال المجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومى للترجمة.


وأكد د. محمد حمدى إبراهيم، نائب رئيس الجامعة الأسبق، والأستاذ بقسم اللغة اليونانية واللاتينية، أننا لازلنا ننعم بثمار جابر عصفور فى المجلس الأعلى للثقافة، ولم يكن المجلس مقصوراً على مصر وحدها، بل كان لأمة اللغة العربية، رائداً من رواد التنوير، ومبشراً بزوال عصر مظلم وحلول عصر جديد.


وكان من الحضور صديقه أحمد أبوالعطا، دارس الهندسة، قال إنه يعرف عصفور منذ عام 1969، كانت مصر محور أفكاره وأعماله، مضيفاً: أهم دور قام به دوره كمدرس، رأى نفسه مدرساً.

ومعطاء للأجيال القادمة، تحدث كثيراً عن المستقبل والإعداد له، كان يرى أن مشوار مدرسة رفاعة الطهطاوى محطة رئيسية فى عملية التحديث للترجمة، وكان مشواره للترجمة الركيزة الأساسية لتأسيس المركز القومى للترجمة، ولا ننسى أنه خاض العديد من المعارك الفكرية، وأرى أنه امتداد لأحمد لطفى السيد، طه حسين، سهير القلماوى.


وقالت د. رجاء أحمد على، وكيل كلية الآداب وأستاذ الفلسفة، إن عصفور على الرغم من صرامته العلمية تجده إنساناً بشوشاً، امتزج عطاؤه الثقافى بمودة إنسانية، أسس مشروعاً وطنياً عظيماً، وهو المركز القومى للترجمة، كان مهموماً بقضايا الوطن، رافداً من روافد التنوير، والجامعة عنده دينها العلم.


وعلقت د. هالة فؤاد، أستاذ الفلسفة، أن جابر عصفور لم يكن مجرد زوج عرفته لأكثر من 33 سنة، علمنى معنى كلمة الجامعة ومعنى العلم.


جابر عصفور كائن مستفز علمياً وفكرياً، أهم ما قدمه أنه واصل ما بدأه طه حسين وشكرى عياد وعبدالعزيز الأهوانى، كان يرى العلاقة الوطيدة بين النقد الأدبى والفلسفة التى كان يعرفها كأهلها، وهذه مسألة منحته هذا الفكر، فى كتابه الصورة الفنية، اهتم برصد الصورة الفنية بين النقاد وعلماء الكلام (الفلاسفة)، توقف عند نظرية الشعر بوصفها نظرية فلسفية.


مشروعه فى المجلس الأعلى للثقافة وصل للناس، وكذا مشروعه فى المركز القومى للترجمة.ورغم ما تعرض له من هجوم المثقفين إلا أنه نجح فى معركته معهم، وكان يحترم القيمة مهما اختلف معها.


استفاد من رؤى العالم فى التنوير، وكان ينحاز للخيال.وقرأ د. خيرى دومة رسالة أرسلها د. حسين حمودة، لظروف صحية قال فيها: هذا الاحتفال تأكيد جديد على القيمة الكبيرة التى يمثلها عصفور، سواء على مستوى الدور الأكاديمى الذى قام به هنا بهذه الكلية، على أكمل وجه، أو على مستوى الدور النقدى الذى أنجزه فى كتاباته القيِّمة والمتنوعة، أو على مستوى الأدوار الثقافية الكبيرة التى قام بها فى مؤسسات ثقافية عدة، وكان ضمن هذه الأدوار، ما قام به فى مجلة (فصول) التى رأس تحريرها فى فترة تعد من أزهى فترات مسيرتها.


وقد ردت المجلة فى عددها- قيد الطبع- بعض جميل دكتور جابر عليها، بأن خصصت هذا العدد كاملاً لمشروعه النقدى والثقافى، فتضمن العدد دراسات ومقالات عن أعماله ومقاربات لمشروعه، وشهادات عنه، وغير ذلك.


ومن أجل مشاركة المجلة فى هذا الاحتفاء، قمت بتقديم بعض مواد هذا العدد (خصوصاً ما قدمه كتَّاب وكاتبات يتعذر حضورهم ومنهم كثيرون من خارج مصر) لقراءة فقرات منها هنا.
وختم د. حمودة بقوله: هذا اللقاء تعبير ناصع عن حضوره المتجدد بيننا.


وقرأ د. خيرى فقرات من مشاركات المثقفين فى العدد الجديد من فصول، وفى شهادته أشار د. إبراهيم السعافين إلى أن جابر عصفور جعل المجلس الأعلى للثقافة خلية من النشاط الأكاديمى والثقافى، إذ استقطب أهم الأسماء فى عالم الثقافة فى مصر والعالم العربى.

واستحدث جائزة الرواية العربية، وجائزة الشعر العربى، وأقام المنتديات التى تناولت أهم أعلام الفكر والأدب والثقافة، وحين غادر موقع الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، قام بتأسيس معلم ثقافى على غاية الأهمية، هو المركز القومى للترجمة الذى ما يزال يدفع بأهم الكتب الأجنبية.


وعن جابر عصفور كتب رضوان السيد: ما كان جابر عصفور صانع مؤسسات ثقافية وحسب، بل كان قبل ذلك وبعده صاحب مدرسة فى النقد الأدبى، نقد الشعر، ونقد الرواية.. ظهرت قدراته القيادية عندما تولى إدارة مجلة فصول المتميزة للدراسات الأدبية، ثم توليه لإدارة المجلس الأعلى للثقافة الذى كان باب سائر المثقفين.


وقال شكرى عزيز الماضى، أستاذ الأدب بالجامعة الأردنية: إن جابر عصفور سيظل علامة بارزة فى مسار النقد العربى المعاصر، علامة تثير نوعاً من الجدل والأسئلة والتساؤلات، ففضلاً عن إنتاجه الغزير المتطوع- تنظيراً وتطبيقاً- وإنجازاته النقدية والثقافية البيئية، فإنه يتفرد بجملة من الصفات منها، أنه ناقد، باحث دوماً عن أفق نقدى جديد وحريص على تتبع الجديد فى العالم فى سبيل تجسيد الفاعلية لحركة النقد العربى.


وفى مشاركته قال د. فيصل دراج: توقف عصفور أمام المفكرين السابقين وغيرهم، مدافعاً عن مبادئ التنوير أو «جهود الاستنارة» كما كان يقول، منذ أن وضع كتابه المتميز (هوامش على دفتر التنوير) الذى يتضمن أفكاراً كثيرة من كتابه (نحو ثقافة مغايرة) ويفصله عن سابقه أربعة عشر عاماً.


والسؤال الأساسى: لماذا ثابر جابر عصفور، طيلة حياته على الدفاع عن قضية لم يربحها غيره، فلا طه حسين ظفر بما حلم به، ولا الشيخ محمد عبده عثر على من يتابع منهجه إلا صدفة.

ولا نصر حامد أبوزيد، وجد من ينصره ويقيه من أذى المنفى والتحريض بدينه. ربما هو إخلاص الأحياء للأموات، وربما هو الدفاع عن الصحيح الذى تحتاجه المجتمعات والأوطان.


وعنه كتب عبدالله إبراهيم، ناقد وكاتب عراقى: جابر عصفور كان آخر عنقود المثقفين الإنسانيين العرب، الذين يبسطون ظلالهم على ثقافة عصرهم، فلا يحدهم حد أكاديمى أو ثقافى، فهو يجد فى الثقافة التى عاصرها موضوعاً للتفاوض، والتباحث والحوار والنقد، بهدف تخليصها مما تسرب إليها من آثار سلبية، أو أنه كان يغذيها بما يفيدها من الثقافات المعاصرة لها، ولهذا اتسع مشروعه الثقافى. 


وقال محمد برادة: إن ما أريد أن أتوقف عنده فى هذه الكلمة، هو ذلك الجانب الذى يحظى باهتمامنا معاً، وكثيراً ما تطارحناه من موقعينا المختلفين فى تفاصيل التجربة الخاصة بكل منا، أقصد العلاقة بالحقل الثقافى ذى المستويات المتعددة فى أقطار الفضاء العربى الذى ننتمى إليه.


كانت الثقافة هى وسيلته فى تحقيق ذاته والإسهام فى خدمة المجتمع، وأقصد هنا، الثقافة، بمعناها الواسع الموصول بالحداثة والعقلانية والانفتاح على كل جديد يستحق الاعتبار، وقد كان النقد الأدبى والثقافى وسيلته الأساسية فى المساءلة وصوغ الإشكالية، إلى جانب الترجمة عن اللغة الإنجليزية، والإسهام فى تدبير مؤسسات وازنة إلا المجلس الأعلى للثقافة.

والمركز القومى للترجمة، وهذا الطموح الشاسع تعكسه كتبه العديدة ومقالاته فى الصحف والمجلات ومشاركاته داخل الوطن وخارجه.


وعن طريق الفيديو شارك د. يوسف الإدريسى، كلية الآداب جامعة قطر: مشيراً إلى أن هذه المشاركة لحظة اعتراف بفضل أستاذ ترك تراثنا سيظل حاضراً وشاهداً، علمنا كيف نطرح السؤال.

ويؤكد لنا أن السؤال الأكاديمى هو السؤال المبنى على وعى بالسياقات النفسية والاجتماعية والتاريخية، وأن السؤال لا يمكنه إطلاقاً أن يكون بريئاً، بل صياغته وفحواه ومضمونه وأهدافه تظل فى تكوين طارحه.

وجاء الجزء الأخير من الاحتفالية لتلاميذ جابر عصفور، فتحدث د. محمد الشحات، موضحاً أن المستقبل نسق معرفى فى مشروع جابر عصفور الممتد فى الزمان، وقد استوقفنى انشغاله بالمستقبل، فقد دخل معركة مع الماضى لاستنهاض القوى الخفية لهذا التراث.

 

وكان يقوم بمراجعات فكرية لما كتبه القدماء، استقراء يمكن أن يؤسس لشكل من أشكال المعجم الاصطلاحى النقدى، الخطابى، طه حسين كان حاضراً فى وعى عصفور، فهو مفكر مستقبلى.


وطالب الشحات بتأسيس معجم اصطلاحى نقدى من عناوين وموضوعات تراث جابر عصفور، وهو مشروع يحتاج إلى وقت طويل.


وكان د. هشام زغلول- التلميذ الذى تبناه مؤخراً- آخر المتحدثين، لفت الانتباه بأن من يتأمل مشروع د. عصفور، يجده متنوعاً إلى حد يصعب تصنيفه، متمرداً على قوالب التخصصات الدقيقة، لكنه بقى فى كل تجلياته كاشفاً عن مثقف مستنير، يمجد قيم العقل، ويحلم بالتغيير.

اقرأ أيضا | «الثقافة» تحيى ليالي رمضان