رحيق السطور آخر تجليات «العطار»

رحيق السطور آخر تجليات «العطار»
رحيق السطور آخر تجليات «العطار»

كتاب قليل الصفحات عظيم القيمة النقدية والأدبية وضع فيه خبرات سنواته الـ»75»..وهو آخر إصدارات الراحل الكبير د.سليمان العطار أستاذ الأدب الأندلسى بآداب القاهرة.» رؤى فى الأدب والفن»وهو مجموعة مقالات يضمها رابط موضوعى يتمثل فى علاقة الشعر بالغناء والفن الإسلامى ومجال القص الشعبى بشكل عام.

ورؤية لمسار الحضارة وتعاملها مع العالم..وما يميز ما يقدمه «العطار» هنا هو تحرره من المرجعيات ليقدم طرحًا مبدئيًا فى حاجة لشىء من إعادة النظر والتأصيل، عبر 144 صفحة مقسمة إلى ثلاثة أجزاء الأول تحت عنوان: «نظرات فى القص والشعر»، والثانى «ثقافة وفولكلور»والثالث «بين الأدب والفن»يحلق بنا الناقد الكبير بنظراته الثاقبة، وبلا أية مقدمات يرى انه»من المشاكل التى عانى  منها النقد-ومازال- سيطرة «أيدلوجيات» أو نظريات معينة على الناقد تجعله يلوى عنق النص كى يتفق مع فكرته المسبقة.

وليس ناقدنا اليوم إلا وريث مفكرى الفرق الكلامية الذين تعسفوا مع النص القرآنى الحكيم حتى يثبتوا ما اهتدوا إليه من تصورات فلسفية ابتدعوها، أو أخذوها عن غيرهم، وقد أدى ذلك إلى تضليل وعى القارىء بل وقطاع عريض لأكثر من جيل من المبدعين الذين ظنوا أن العقائدية تسبق الإبداع، وهكذا خضع نجيب محفوظ لهذا المنهج فى تحليله وتفسيره فى أكبر عدد من الدراسات الأدبية»، ويرى العطار أن من يقفون أمام إبداع الأديب قسمان» الأول هو القراء النقاد وهم أشبه بأجهزة رصد «رادار» بإمكانها مراقبة وتسجيل صور ما وراء الكلمات،والثانى هو الجمهور العريض وهم فى العالم العربى من نخبة المثقفين.

وينتسبون إلى ما يطلق عليه الطبقة المتوسطة، وهى فئة محافظة تكاد تكون معادية للحرية والتقدم وتكاد تنصب من نفسها وصية على الدين ومنظومة التقاليد السائدة كتراث موروث»، ومع عصر المعرفة التراكمية يرى العطار «أننا لم نستفد من العصر ولا من التطور فلا زال تراكم المعرفة لدينا كميًا.

وكل تحول كيفى يتبخر، وتذروه الرياح بل توجد عقبات خطيرة تواجه التراكم الكمى نفسه، فخطوط المعرفة تتقاطع ولا تتواصل، والكتاب الذى يصدر عندنا لايسمع عنه أحد هناك، بل أن جامعاتنا العربية لا تعرف بوجود بحوث بعضها، وتتكرر داخلها الأبحاث،ثم يتحول «العطار» إلى علاقة الأدب بالتصوف، فيرى أنه» تنبه الدارسون والمبدعون إلى وجوده فى السنوات الأخيرة وقد تحول استلهام التصوف فى الشعر والقص عند الجيل الحالى إلى تيار كامل فى الأدب.

والتصوف المسئول الأول عن الغموض والخفاء الذى يسود لغة الأدب كأسلوب تتسع به دائرة  الحرية فى التعبير» ويبدأ الجزء الثانى بحديث ابن خلدون عن الحروب، ثم شهر زاد امرأة الليالى العربية ويشير إلى أننا «مع ألف ليلة وليلة» نعتبره كتاب تسلية دون محاولة فض كنوزه الفنية،ومع ذلك فإن فن القصة الحديثة فى العالم أجمع يبدأ دائما به»، ثم يفرد بابا عن الأدب فيذكر» فى كل آداب العالم ينقسم الإبداع إلى أدب فردى وأدب شعبى، والأدب الفردى من إبداع فردى.

ويتميز بثباته بعد إبداعه ونشره، أما الأدب الشعبى فهو الأدب الذى يشترك المجتمع فى إبداعه وهو دائم التطور مستمر الإبداع غير مكترث مثل الأدب الفردى ويعتمد على الأداء الشفوى ..وحيث إن أغلبية الشعب تتحدث العامية، وتبدع بها فى أغلب الأحيان فإن ما هو شعبى ارتبط بلهجة مبدعة السائدة»، وفى الجزء الثالث يتحدث عن علاقة عمارة المسجد بالقصيدة العربية، وعن الفن الإسلامى وعالمية التلقى»الفن الإسلامى عربى الجنسية إسلامى الروح عالمى الانتشار فقد أمتد خارج الوطن العربى مع امتداد الإسلام».

ويختتم الجزء الأخير بحديث تحت عنوان: «إنما الفن لعب لا لهو فيه»، فيشير إلى نقطة بالغة الأهمية «إن الطفل يلعب فى مجال، ويتسع يومًا بعد يوم ،ويكتشف خلال اللعب هذا العالم الغامض ،ويعيش فى دهشة مستمرة باختراقه المستمر للأشياء.

وبعث الحياة فيها، وإقامة الحوار معها، لكن فى لحظة يرى الكبار أن يحملوه إلى المدرسة، ويفرض عليه فى مكان الاكتشاف والمعرفة  التلقين والتلقى وقهر طاقة الإبداع، إن عليه أن يبتلع المعرفة وليس من حقه اكتشافها وخلقها» وفى النهاية فإن كتاب «رؤى فى الأدب والفن»..آخر تجليات العطار فى أفق النشر العربي، ينضح بالخبرة العميقة للمؤلف، ويستحق الدراسة والقراءة عدة مرات، -وبكل تواضع - يصف «العطار» «كتابه..»هى مازالت-مثل أى رؤى- طرحًا مبدئيًا فى حاجة إلى شىء من إعادة النظر والتأصيل».
اقرأ ايضا | جدل‭ ‬ثقافي‭..‬ هل‭« ‬جوجول»‭ ‬روسي‭ ‬أم‭ ‬أوكراني؟