باع أسرار الغواصة النووية مقابل عملات مشفرة واتهم زوجته بالتجسس لتخفيف العقوبة

خيانة مزدوجة للمهندس الأمريكي الجاسوس

مهندس الأمريكي الجاسوس
مهندس الأمريكي الجاسوس

 دينا جلال

واحدة من أغرب قضايا التجسس التي تنظرها المحاكم الأمريكية، تحمل تفاصيلها محطات مثيرة حين دفعت الخيانة مهندس بحرية ذو منصب رفيع شديد الحساسية إلى عرض بيع أسرار عسكرية للدول الاخرى من أجل حفنة من آلاف الدولارات، وحين انكشف امره لم يجد طريقًا لتخفيف عقوبته سوى المزيد من الخيانة بعقد صفقة «تخفيف الذنب» مع السلطات الأمريكية لتحميل زوجته المسئولية كاملة فى قضية التجسس من اجل الإفلات من العقوبة أو تخفيض سنوات سجنه حتى وإن تطلب الامر سجن زوجته لأطول فترة ممكنة بعيدًا عن طفليهما الصغيرين. 

لم تقتصر محاكمة المهندس البحري جوناثان توبي -43 سنة- وزوجته المُعلمة ديانا من أنابوليس بولاية ماريلاند على الجانب العسكري فقط المليئ بالتفاصيل التي تناولتها الصحف الأمريكية وغيرها لتكشف عن مميزات غواصة نووية تولى المتهم الإشراف على تصميمها ليعرض بيع أسرارها لدولة اخرى، وإنما لفتت القضية انتباه الأمريكيين بسبب تحول محاكمة الزوجين إلى ساحة لتبادل الاتهامات بين المتهمين لرغبة كلامنهما فى تخفيف العقوبة عنه.

 

سري للغاية

انكشفت تفاصيل قضية المهندس جوناثان في أكتوبر الماضي وذلك بعد اتهامه بالأدلة من قبل المدعين الفيدراليين؛ بإساءة استغلال عمله ومركزه شديد الحساسية؛ فهو موظف حكومي يشغل منصب مهندس نووي في البحرية الأمريكية ولديه تصريح أمني من  وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الطاقة الأمريكية للوصول إلى معلومات حكومية سرية للغاية، وضع جوناثان يده على اخطر المعلومات التي تبحث عنها الدول الاخرى حتى وإن كانت دولة حليفة لأمريكا حول تفاصيل تصميم وخصائص احدى الغواصات النووية وبالفعل عرض بنفسه بيع المعلومات لحكومة دولة اجنبية ترجح التقارير الإعلامية أنها دولة أوروبية صديقة لأمريكا مقابل عشرات الآلاف من الدولارات إلا أنه وقع في فخ الشرطة الفيدرالية.

 

شهدت جلسة الاستماع تفاصيل مثيرة في القضية الجنائية امام المحكمة الاتحادية المتهم فيها جوناثان وزوجته، وكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي؛ أن عملية الخيانة بدأت في إبريل 2020، عندما أرسل جوناثان توبي مجموعة من وثائق البحرية إلى أطراف اجنبية بعد تواصله معهم لعرض معلومات شديدة السرية، واعترف المتهم بالذنب في التهمة الرئيسية الموجهة إليه، وهى التآمر لتمرير وبيع معلومات سرية  حساسة عسكريًا حول الغواصة النووية «فرجينيا» وكشف موقع ديلي ميل عن عروض المتهم السخية لبيع تصميم ومعايير تشغيل وخصائص أداء مفاعلات الغواصات الأكثر تقدما والتى تعمل بالطاقة النووية حيث يتم تزويدها بمفاعل نووي يمكن أن يستمر لمدة 33 سنة مغمورة بالمياه دون اكتشافها ودون حاجة إلى تزويدها بالوقود، وتقدر تكلفة بناء هذه المركبات تحت الماء بنحو 3 مليارات دولار، واشترط المتهم بيع المعلومات مقابل آلاف الدولارات فقط من العملات المشفرة ليشير القاضي أن افشاء المعلومات يتسبب فى إيذاء حكومة بلاده الولايات المتحدة بشكل مباشر.

 

تواصل خاطئ

نعود إلى خطة اكتشاف جريمة المتهم جوناثان توبي التي كشف عنها موقع وزارة العدل الامريكي في نشرة رسمية، وبدأت القضية بعرض المتهم خدماته عبر بريد إلكتروني مشفر ارسل فيه بياناته إلى حكومة أجنبية وأرفقها بعينة من البيانات السرية وتعليمات للتواصل السري معه، واعتقد جوناثان انه تواصل بالفعل مع ممثل حكومة أخرى إلا أنه كان يتواصل مع  عميل سري تابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي ضمن خطة الايقاع بالمتهم حيث تواصل معه العميل السري الامريكي من مقر مكتبه القانوني بالدولة الأخرى لكسب ثقة المهندس المتهم. 

 

استمرت العملية السرية للايقاع بالمتهم شهر كامل اتفق فيها العميل السري معه على دفع مائة ألف دولار فقط مقابل المعلومات، وأرسل العميل السري 70 ألف دولار بالعملة المشفرة مقابل معلومات قدمها بالفعل، واشترط المتهم إخفاء المعلومات في مكان سري ورفض تماما لقاء العميل وجهًا لوجه، اهتم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع المزيد من الادلة عبر تفتيش منزل الزوجين في أنابوليس بولاية ماريلاند ليعثروا على فلاش ميموري او كارت ذاكرة محملة بالمعلومات والبيانات السرية كان يخفيها فى حقيبة غذائه داخل «الساندوتش» للإفلات من تفتيشه كما عثروا على كيس قمامة به مستندات ممزقة وآلاف الدولارات نقدًا وجوازات سفر صالحة للأطفال وحقيبة سفر للطوارئ.

 

تخفيف العقوبة

أمام تلك الادلة والاتهامات الجنائية الصادمة قضى قاضي ولاية غرب فرجينيا الموافقة على طلب المدعين بسجن الزوجين في مركز إصلاح غرب فرجينيا في انتظار حكم بعقوبته بالسجن لمدة تتراوح بين 12 و18 عامًا، سلكت الزوجة المتهمة نهجًا قانونيًا اكثر صرامة من زوجها حيث استعانت بفريق من المحامين ذوي الخبرة بينما اعتمد زوجها على المحامي العام، وقاتلت ديانا من اجل إطلاق سراحها ولو بكفالة لتطلب من القاضي تمكينها من رعاية أطفالهما في سن المدرسة ولكن طلبها قوبل بالرفض من قبل القاضي.


 ازداد موقف الزوجة سوءًا حين انقلب الزوج عليها ففوجئت بعرضه تقديم المزيد من المعلومات والاعترافات بغرض التعاون مع السلطات مقابل تخفيف عقوبته كجزء من صفقة الإقرار بالذنب، وتوالت اتهاماته ضدها بدفعه إلى بيع المعلومات الحساسة ووصفها رسميًا بقائدته فى الجريمة ومسئولة المراسلات والمراقبة فى جميع معاملاته السرية التي بدأت بحفظ الزوج اسرار حكومية على كارت الذاكرة، وبالطبع انهارت الزوجة اثناء مواجهتها بالتهم لتؤكد؛ أن زوجها يبحث عن تخفيف عقوبته عبر خيانتها والإيقاع بها ورفض ممثلو الادعاء الإفراج المؤقت عنها بعد اتهامها رسميًا والتشكيك فى احتمال هربها من البلاد بدلاً من المثول للمحاكمة.