خواطر الإمام الشعراوي | الخسف بقارون

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يقول الحق فى تفسير الآية 81 من سورة القصص: «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ».

الخسف: أن تنشقَّ الأرض فتبتلع ما عليها، كالذى يقول(يا أرض انشقى وابلعينى)، والخسف كان به وبداره التى فيها كنوزه وخزائنه وما يملك «فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله...»، فما نفعه مال، ولا دافع عنه أهل «كَانَ مِنَ المنتصرين» أى: بذاته. فلم تكُنْ له عُصْبة تحميه، ولا استطاع هو حماية نفسه، فمَنْ يدفع عذاب الله إن حلَّ، ومَنْ يمنعه ونقذه إنْ خُسِفت به الأرض؟! وهنا ينبغى أن نتساءل: كيف الآن حال مَنْ اغتروا به، وفُتِنوا بماله وزينته؟
ويقول الحق سبحانه فى الآية 82 من سورة القصص: «وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ»، لقد كانوا بالأمس يقولون: «ياليت لَنَا مِثْلَ ما أُوتِيَ قَارُونُ...»، لكن اليوم وبعد أن عاينوا ما حاق به من عذاب الله وبأسه الذى لا يُردُّ عن القوم الكافرين - اليوم يثوبون إلى رُشْدهم ويقولون: «وَيْكَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ...» «القصص: 82».

كلما (وَىْ) اسم فعل مثل: أُفٍّ وهيهات، وتدل على الندم والتحسُّر على ما حدث منك، فهى تنديد وتَخْطيءٌ للفعل، وقد تُقال (وَيْ) للتعجب. فقولهم (وي) ندماً ما كان منهم من تمنى النعمة التى تنعَّم بها قارون وتخطيئاًَ لأنفسهم، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف التى تنعَّم بها قارون وتخطيئاً لأنفسهم، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف به وبداره، وهم يندمون الآن ويُخطِّئون أنفسهم؛ لأن الله تعالى فى رزقه حكمة وقدراً.

إقرأ أيضاً | خواطر الإمام الشعراوي | كل الخلق سواء أمام الله

«يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ...» أى: يقبض ويُضيق، وليس بسْط الرزق دليل كرامة، ولا تضييقه دليلَ إهانة، بدليل أن الله يبسط الرزق لقارون، ثم أخذه أخْذ عزيز مقتدر.
وقد تعرضتْ سورة الفجر لهذه المسألة فى قوله تعالى: «الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربى أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربى أَهَانَنِ» «الفجر: 15-16».

فالأول اعتبر الرزق الواسع دليل الكرامة، والآخر اعتبر التضييق دليلَ إهانة، فردَّ الحق سبحانه عليهما ليُصحح هذه النظرة فقال: «كَلاَّ...» «الفجر: 17» يعنى: أنتما خاطئان، فلا سعةَ الرزق دليلُ كرامة، ولا تضييقه دليلُ إهانة، وإلا فكيف يكون إيتاء المال دليلَ كرامة، وأنا أعطى بعض الناس المال، فلا يُؤدُّون حقَّ الله فيه؟ «كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً» «الفجر: 17-20».

إذن: فأيُّ كرامة فى مال يكون وبالاً على صاحبه، وابتلاء لا يُوفَّق فيه، فلو سُلب هذا المال من صاحبه لكان خيراً له، فما أشبهَ هذا المال بالسلاح فى يد الذى لا يُحسِن استعماله، فربما قتل نفسه به.
وقوله تعالى: «وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون» تعجُّب من أنه لا يفلح الكافرون عند الله سبحانه وتعالى.