خواطر الإمام الشعراوي | كل الخلق سواء أمام الله

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يواصل إمام الدعاة خواطره حول الآية 79 من سورة القصص قائلا: من صفات المؤمن أن يحب الخير عند أخيه كما يحبه لنفسه، وحين لا تحب النعمة عند غيرك، فما أذنبه هو؟ فكأنك تعترض على قدر الله فيه، وما دُمْتَ قد تأبيت واعترضت على قدر المنعم، فلابد أن يحرمك منها، لذلك يقول سبحانه فى موضع آخر: «وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ...» «النساء: 32».

 لأن لكل منكم مهمة ودورا فى الحياة، ولكل منكم مواهبه وميزاته التى يمتاز بها عن الآخرين، ولابد أن يكون فيك خصال أحسن ممن تحسده، لكنك غافل عنها غير متنبه لها. وسبق أن قلنا: إن الحق سبحانه قد وزَّع أسباب فَضْله على خَلْقه؛ لأننا جميعاً أمام الله سواء، وهو سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً؛ لذلك قلنا: إن مجموع مواهب كل فرد تساوى مجموع مواهب الآخر، فقد تزيد أنت عنى فى خصلة، وأزيد عنك فى أخرى، فهذا يمتاز بالذكاء، وهذا بالصحة، وهذا بالعلم، وهذا بالحِلْم.. إلخ، لأن حركة الحياة تتطلب كل هذه الإمكانيات، فبها تتكامل الحياة، وليس من الممكن أن تتوفر كل هذه المزايا لشخص واحد يقوم بكل الأعمال، بل إنْ تميزْتَ فى عملك، وأتقنتَ مهمتك فلك الشكر، ومن العجيب ألاَّ تنتفع أنت بنبوغك، فى حين ينتفع به غيرك، ومن ذلك قولهم مثلاً (باب النجار مخلع)، فلماذا لا يصنع باباً لنفسه، وهو نجار؟ قالوا: لأنه الباب الوحيد الذى لا يتقاضى عليه أجراً، إذن: حينما تجد غيرك مُتفوِّقاً فى شيء فلا تحقد عليه؛ لأن تفوقه سيعود عليك، وهكذا إذا رأيتَ أخاك قد تفوَّق فى شيء أو أحسن فى صُنْعه فاحمد الله؛ لأن حُسْنه وتفوقه سيعود عليك، وقد لا يعود عليه هو، فلا تحسده، ولا تحقد عليه، بل ادْعُ له بالمزيد؛ لأنك ستنتفع به فى يوم من الأيام، لكن ماذا قال أهل الدنيا الذين بُهِروا بزينة قارون؟.

قالوا:«ياليت لَنَا مِثْلَ ما أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ..» يعني: كما نقول نحن (حظه بمب)؛ لأن هؤلاء لا يعنيهم إلا أمر الدنيا ومُتعها وزُخْرفها، أما أهل العلم وأهل المعرفة فلهم رأْيٌ مخالف، ونظرة أبعد للأمور؛ لذلك رَدُّوا عليهم فى الآية 80 من سورة القصص: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ» فما كان الحق تبارك وتعالى ليترك أهل الدنيا وأهل الباطل يُشكِّكون الناس فى قَدَر الله، ويتمردون على قسمته حتى الكفر والزندقة، والله سبحانه لا يُخِلى الناس من أهل الحق الذين يُعدِّلون ميزان حركة الحياة: إنَّ الذى جَعَلَ الحقِيقةَ عَلْقماً ** لم يخلْ من أَهْل الحقيقة جيلا.

وما دام أن الله تعالى قال فى الجماعة الأولى: «قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا...» فهم لا يروْنَ غيرها، ولا يطمحون لأبعد منها، وقال فى الأخرى: «وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم...» فهذا يعني: أن أهل الدنيا (سطحيون)، لم يكن عندهم علم ينفعهم، لذلك وقعوا فى هذا المأزق الذى نجا منه أهل العلم، حينما أجروا مقارنة بين الطمع فى الدنيا والطمع فى الآخرة، كما قلنا سابقاً: إن عمر الدنيا بالنسبة لك: لا تقُلْ من آدم إلى قيام الساعة؛ فعمرك أنت فيها عمر موقوت، لابد أنْ يفنى، إذن: العاقل مَنْ يختار الباقية على الفانية، لذلك أهل الدنيا قالوا :«ياليت لَنَا مِثْلَ ما أُوتِيَ قَارُونُ...» أما أهل العلم والمعرفة فردُّوا عليهم: «وَيْلَكُمْ...» أي: الويل لكم بسبب هذا التفكير السطحي، وتمنِّى ما عند قارون الويل والهلاك لكم بما حسدتُم الناس، وبما حقدتُم عليهم وباعتراضكم على أقدار الله فى خَلْقه، فأنتم تستحقون الهلاك بهذا.