"ميسيه آنه ناليه".. بهذه المقولة يستقبل أبناء النوبة شهر رمضان بالمعايدة وتبادل التهنئة وهى جملة نوبية وتعنى في اللغة النوبية "يعود عليكم رمضان بالخير".
ويعني شهر رمضان الكريم عند أهل النوبة مزيجًا من العادات والتقاليد التي ارتبطت بهم منذ قديم العصور، ورغم عوامل التقدم والتطور لا زالت تلك العادات تطغى عليهم حتى أصبح لرمضان مذاق خاص.
وفى نهار اليوم الأول من شهر رمضان الكريم، يبدأ شباب القرية بالخروج إلى عملهم ثم التوجه إلى شواطئ النيل القريبة من منازلهم للاستمتاع بالهواء والمياه، ومع حلول المغرب يتوجهون إلى منازلهم لتجهيز الموائد أمام المنازل وفرش الحصير، حتى يجتمع الجيران على مائدة كبيرة يعدها الأهالي جميعا تتضمن المأكولات والمشروبات النوبية.
الإفطار في الشارع أحد الطقوس النوبية، حيث تخرج صوانى الطعام مغطاة بـ"الشـور" أي الطبق النوبي من المنازل قبل المغرب، ويتجمع الرجال ويكون الإفطار مجمعا في أقرب نقطة أو أمام أحد المنازل، أو أمام كل منزل للإفطار ومن الاحترام أن يجلس كبار السن أولاً، وكنوع من الكرم النوبى لا يسمح بأن يمر شخص غريب وقت الإفطار إلا وحتماً عليه الجلوس للإفطار وهى بمثابة مائدة رحمن، أما النساء فيفطرن داخل المنازل أو يتجمعن داخل منزل إحدى جارتهن، وعقب انطلاق أذان المغرب يتم كسر الصيام بالتمر "والإبرية" المشروب الرسمى لأهالي النوبة ثم يؤدي الجميع صلاة المغرب في جماعة ويعودون لاستكمال الإفطار، والبعض يؤخر الإفطار بعد كسر الصيام إلى ما بعد صلاة التراويح حيث تبدأ بعد صلاة التراويح جلسات تلاوة القرآن أو الجلوس في مجالس داخل المسجد، أو الجلوس على المصطبة أمام المنزل لتبادل أطراف الحديث.
إفطار يوم الجمعة
تنقسم كل قرى النوبة إلى تجمعات سكانية وجرت العادة أن يفطر أهالي كل قرية يوم الجمعة على مائدة كبيرة بالتناوب وبنظام مختلف عن جميع موائد الرحمن التي نعرفها.. فقوانين العادة والعرف تحكم الموائد الرمضانية لأهالى النوبة، وهكذا تدور أيام وليالي رمضان بين أهل النوبة بالتناوب عامرة موائدهم بأشهر الأطعمة مثل "الأتر" وهو ملوخية مطبوخة بمذاق خاص على الطريقة النوبية، و"الويكة" وهي البامية بعد تجفيفها في الشمس، وخبز "الكابد" من الدقيق والماء.
المشروب الرسمي للنوبيين
مع سماع أذان المغرب، يأتي دور "الإبرية" والذي يعد أشهر المشروبات النوبية وتبدأ المرأة النوبية في جمع الحطب الذي يستخدم كوقود لعمل الإبريه بواسطة ما يسمى «الدوكة» وهى قطعة من الحديد دائرية الشكل يوضع تحتها الحطب ويوضع فوقها عجين الأبريه على الدوكة كالرقائق ثم يترك ليجف ثم يتم تكسيره إلى قطع ويوضع مع عصير الليمون ويبدأ به الصائم قبل الإفطار لكسر الصيام.
وتقول الحاجة فتحية يعقوب، صاحبة 68 عام، إن رمضان في النوبة يختلف فى بعض الطقوس عنه فى أي مكان آخر.. وأبرز ما يميز رمضان فى النوبة مشروب "الأبرية" وهو عبارة عن رقائق من العيش الأبيض الناشف، يكسر إلى قطع صغيرة ويوضع فى عصير الليمون، ويقدم على الإفطار، كذلك الكركديه والتمر هندي من المشروبات الأساسية لدينا في رمضان.
وتابعت صبرية شبه ،58 عام ،ومن الأكلات التى تشتهر بها النوبة "الكابد" وهى عبارة عن عجينة ، ولكنها أكبر فى الحجم وأكثر سمكاً من القطائف العادية، وأكثر الأكلات التى تقدم معها البامية "الويكة" والملوخية "الأتر"، ونستخدم فيها أوراق الخبيزة بدلاً من الملوخية، ويقوم النوبيون بصنعها بأيديهم، أما خارج النوبة فهناك من النوبيين من لديه الفرن الخاص بصنعها، وهناك محال أيضاً موجودة فى مناطق فى أخرى تقوم بعملها، معروفه بااسمها المستحدث "الكريب".
