رحيق السطور: «المزيفون» يحاولون اغتصاب تاريخنا

رحيق السطور : «المزيفون» يحاولون اغتصاب تاريخنا
رحيق السطور : «المزيفون» يحاولون اغتصاب تاريخنا

ما حفز الكاتب الصحفى المتميز إيهاب الحضرى -المسكون بالتاريخ المصري- ليصدر كتابه (فراعنة مزيفون) سببان الأول: هو دهشته واستغرابه من هوس ترديد بعض مشايخ الفضائيات -حتى الآن- ما حفلت به كتب التراث القديمة من مرويات غير موثقة عن تاريخ مصر القديمة.

وبدايات الإنسان على الأرض، ويتناولون ما جاء بتلك الكتب فى خطبهم وأحاديثهم، وكأنه حديث اليقين، ولم يجهدوا أنفسهم فى محاولة للبحث والتقصى عن المعلومات الحديثة الموثقة عن تاريخ مصر القديم، التى باتت متوافرة فوق أرفف المكتبات.

وعلى أرصفة باعة الكتب، ويتركز جل جهدهم فى استيعاب وترديد ما خلفه الأقدمون فى مؤلفاتهم من أمثال ابن عبدالحكم والمقريزى وابن تغرى بردى وابن إياس، وهم بلا استثناء من مؤرخى عصور ما قبل اكتشاف حجر رشيد وفك رموز اللغة المصرية القديمة، حيث لم تكن هناك معلومات موثقة عن التاريخ المصرى القديم، وعن تلك المعابد والأهرامات والآثار المتعددة بوادى النيل، وبلا أدنى تأنيب ضمير يغترفون من كتب الأقدمين العتيقة التى تم تدشينها قبل المكتشفات العلمية والأثرية.

وهى بالأصل أيضا كتب لم تدون للحديث عن تاريخ ما قبل التاريخ، لكنها كانت عادة متبعة عن الأقدمين أى الكتابة عن بداية الخلق، وبالتالى يتحدث هؤلاء المشايخ عبر الفضائيات عن فراعنة ما أنزل الله بهم من سلطان ويتقعرون فى حديثهم، وكأنهم يمتلكون اليقين وخبراء آثار.


والسبب الثانى: هو المحاولات الصهيونية لتزييف التاريخ القديم، والربط بين ملوك مصر القديمة، وتاريخ بنى إسرائيل، وهى محاولة فجة لتزييف الوعى، وسرقة التاريخ لصالح الفكر الصهيونى، وامتلاك أحقية ليست لهم. ويتعجب الحضرى ساخرا واصفا المشهد بكل أسى: «الغريب أن هذه الأوهام حاليا أصبحت مصدرا يعتمد عليه شيوخ مستنيرون» اكتشفوا فجأة كتب المؤرخين القدماء، وتعاملوا معها بوصفها مصدرا للمعرفة موثوقا به.

وظهروا على شاشات الفضائيات وبدأوا فى استعراض اكتشافاتهم كأنها سبق علمى»، كما يلفت المؤلف الانتباه إلى  جريمة علمية تتم عبر إطلاق هواة ومتخصصين حاليا عملية تشويه متعمدة بافتعال صلة بين ملوك مصر القديمة، وتاريخ بنى إسرائيل دون سند علمى تاريخى، فنجد مثلا فرعون موسى هو رمسيس الثانى فى مخيلتهم والعديد من ذلك يثبته المؤلف حتى ننتبه إلى تلك الجريمة التى ترتكب ضد تاريخنا باسم العلم تارة، وتارة أخرى تحت عباءة الأديان، من هنا تصدى المؤلف بلغة ساخرة رائعة.

وعناوين فصول جاذبة لتفنيد ما يروجون من قصص وحكايات عن فراعين بأسماء تثير العجب، كما يتصدى لمحاولات صهيونية لربط ملوك مصر القديمة بتاريخ بنى إسرائيل.. فبدأ الجزء الأول من الكتاب تحت عنوان «فراعنة مزيفون».

والجزء الثانى «ملوك منهوبون»، وفى بداية الجزء الأول يستعرض المؤلف ما تخيله المؤرخ المصرى ابن إياس عن أول ملك لمصر قبل الطوفان وهو «تبلبل الألسن»، ومن بعده ابنه نقراؤش الجبار، ويشبه الحضرى ما رواه ابن إياس بحكايات «ألف ليلة وليلة»، ثم ينتقل إلى التاريخ الوهمى لعصر بناة الأهرامات.

ويسرده إيهاب لنا بكثير من التعجب من أسماء الفراعين واختراعاتهم.. ثم تأتى حكايات أبناء نوح، ومحاولة إعادة إعمار مصر.. ونقرأ حكايات واختراعات أشبه بقصص الأطفال، ونتعجب كيف يمكن تصديق ذلك وروايته على أنه حقيقة علمية فى عصرنا هذا!. 


ويسرد الحضرى العديد من التهم التى ألحقها الرواة زورا وبهتانا وبغير علم بملوك مصر والتلفيق الأبله بالعديد من الروايات، على سبيل المثال الربط بين «حتشبسوت»، وجعلها إمرأة فرعون التى أبصرت طفلا فى النهر ليصبح النبى موسى ومرويات عن أخناتون.

وجعله مرة إبراهيم أو موسى عليهما السلام، وربط بناء الأهرام بقوم عاد، والقفز بالتاريخ لاختلاق علاقة بين أنبياء الله ورسله وملوك مصر القديمة، ومع الأسف يجرى توظيف العلم للوصل بين ما جاء بالتوراة وهيكل سليمان، والترويج لأن الهكسوس هم بنو إسرائيل، وأن مقتنيات هيكل سليمان منقوشة على جدران معبد الكرنك.


وفى عرض شيق نقرأ عن إصرار عالم التحليل النفسى الأشهر «فرويد» على إصدار كتاب «موسى والتوحيد»، وعلامات الاستفهام حول وفاته، وهل توفى مكتشف مقبرة توت عنخ آمون «هوارد كارتر» بلعنة الفراعنة؟!، ثم يعرض الكتاب محاولات الطبيب الصهيونى إيمانويل فليكوفسكى فى كتابيه: «عصور فى فوضى» وعوالم تصادم» تفكيك التاريخ المصرى القديم، وإعادة صياغته بما يتوافق مع رؤية بالغة الفجاجة والعبثية، وهى أن بنى إسرائيل قد حرروا مصر من الهكسوس.

وأن حتشبسوت هى بلقيس ملكة سبأ، وأن تحتمس الثالث سطا على مملكة النبى سليمان، هكذا يحاول الصهيونى سلب تاريخ ملوك وفراعنة مصر القديمة بلا أدنى حياء، ويختتم الحضرى كتابه بهدفه النبيل حيث يشير.. «فى هذا الكتاب جمعنا جانبا كبيرا من الخرافات كى نمنح القارئ جرعة مكثفة من المصل الواقى للأوهام».

اقرأ ايضا | الجدران الفرعونية تحكي للشباب الإفريقي قصة بناء معابد الكرنك