تنمية غير مسبوقة بالصعيد.. و«حياة كريمة» تقتحم القرى والنجوع المنسية

تنمية غير مسبوقة بالصعيد.. و«حياة كريمة» تقتحم القرى والنجوع المنسية
تنمية غير مسبوقة بالصعيد.. و«حياة كريمة» تقتحم القرى والنجوع المنسية

اقترب الرئيس عبد الفتاح السيسى من أحد طلاب الكلية الحربية وسأله: إنت منين؟ فأجاب الطالب من الصعيد.. ابتسم الرئيس وقال: «أنا بحب الصعايدة جدًا.. وفى الجيش شوفنا كل الناس.. والصعايدة يعنى الرجولة والأصالة والجدعنة والعزة».. انتهى الموقف... ذهبت إلى بلدتى فى أقصى الصعيد، قابلت الحاج حسين، وعم سيد، والخال صالح، وخالتى صفية والعمة فايزة، وردوا التحية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى وقالوا: إحنا كمان بنحبك يا ريس..

هؤلاء الصعايدة، بسطاء مصر، الذين يحبون الوطن والرئيس، فى هذا التحقيق غير مهتمين بإحصاء أسماء الملوك والقادة والوزراء والكتّاب والمبدعين والمشاهير من أهل الصعيد على مدار التاريخ.

ولكن بملامح الشخصية الصعيدية التى شكلت صورتها الذهنية المحببة للنفوس، وتكوينها الانفعالى الذى يخضع لعادات وتقاليد يتوارثها الأجيال من أجل الحفاظ على القيم الثابتة فى مواجهة عالم متغير.


د. هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى والعسكرى أشارت إلى ما يتمتع به المجتمع المصرى من سمات عامة وخاصة، والأخيرة مرتبطة بثقافة معينة، فلكل بيئة ملامحها، وفى كل دول العالم يتمتع أهل الجنوب بسمات خاصة عن أهل الشمال.

حافظ الذاكرة الوطنية
وأضافت: كانت مصر تتعرض طيلة تاريخها الطويل للغزو من الشمال أو الشرق، فى الوقت الذى كان الشعب المصرى يتراجع إلى الجنوب حتى يتم التحضير لصد الغزاة، ما جعل الصعيد مركزا للذاكرة الوطنية..


وتابعت: هناك 40 أمة حكمت مصر، لم تستطع أى منها الوصول إلى الصعيد، وضربت مثلا بالملك أحمس حين صد الهكسوس الذين حكموا مصر 150 عاما، وكيف كوّن الجيش فى الصعيد، وهناك صنع العجلات الحربية وطور القوات المسلحة، وبطلعة واحدة من الصعيد كنس الهكسوس من مصر.


وتحكى عضو المجلس الاعلى للإعلام عن «أيا حوتب» التى كانت تدفع ابنها الصغير «أحمس» حتى يثأر لوالده سقنن رع، وأخيه كامس اللذين ماتا شهيدين فى الحرب ضد الهكسوس، ليقود ابن الـ17 عاما الجيش، ويحقق انتصاره الأعظم.


وتقول: حين عادوا كانت الملكة الأم تترقب وتسأل: هل مات أحمس ولحق بأبيه وأخيه؟.. وفوجئت بجموع الشعب المصرى ترد عليها بالنشيد الوطنى «وحوى يا وحوي.. إياحا».. أى: «افرحى افرحى يا قمر الزمان»، ما يعنى أن الخطر كان يأتى دائما من الشمال، بينما كان ترتيب الأوراق والنصر من الجنوب.


وتلفت د. هدى إلى وجود عائلات وقبائل استوطنت الصعيد قبل الإسلام، كانت تأتى إلى مصر طالبة اللجوء السياسى من الفرعون، وكان الحرس يطلبون منهم كتابة طلب (فيزا)، فى حين لم يكن القادمون يعرفون الكتابة سوى على العظم، والخشب، بينما يأتى لهم الحراس بورق البردى لكتابة طلب الدخول إلى مصر من أجل أن يدرسه الفرعون.


50 قبيلة - وفق د. زكريا - استوطنت مصر من أيام الفراعنة، بعضهم ذهب إلى مناطق متفرقة كالشرقية، والسلوم، بينما الغالبية استوطنت الصعيد، والدليل على ذلك نستطيع أن نعثر عليه فى القصص الشعبية (أبو زيد الهلالى على سبيل المثال)، لافتة الى أن سمات الصعيد المصرى الصرامة الأخلاقية، والرجولة، والجدعنة، والكرامة العالية، والتضحية بالحياة فى مقابل صد العدوان.


الرجل الصعيدى 
وتتذكر عضو المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف زيارتها إلى الصعيد فى فى منتصف التسعينيات فى زمن الإرهاب مع مجموعة من الباحثين، لتجد الشرطة تطلب منهم ركوب سيارتهم للحماية.


رفضت، وقلت لهم - والكلام على لسان د. هدى-أنا مطمئنة لأننى أعرف أن الرجل الصعيدى لا يهاجم امرأة لأن ذلك ضد كرامته، لا أشعر بأى قلق على نفسي.


وتابعت: فى 2012 سافرت مع إحدى الهيئات المسيحية لعمل تقييم اجتماعي، وكانت فترة صعبة ارتبطت بالتفجيرات، ذهبنا إلى قرية أولاد سلامة بسوهاج، وكانت أبواب القرية جميعا مغلقة، حيث تصادف وجود ثأر فى القرية، فشعرنا بالقلق، ولكن أحدهم قال لنا: لأنكم غرباء، فيمكنكم السير بأمان كيفما تشاءون، ولن يتعرض لكم أحد بسوء، و كنا نسير بأمان فى حماية التقاليد الصعيدية.

واختتمت: إننى لا أشعر بالاطمئنان فى بيتى أكثر من الصعيد!.يصنع العادات والتقاليد ويصدرها للشمال ويؤكد الباحث الأثرى سامح الزهار أن الجذور الصعيدية لها إضافات مهمة فى تاريخ مصر الحضارى والإنسانى على مر العصور.


ويقول: بينما المعروف هو إسهامات الإنسان الجنوبى فى عصور مصر القديمة (ما قبل التاريخ) من بناء الحضارة والمعابد والقصور، على اعتبار أن الجنوب بلد الملوك والمحاربين الكبار والقادة الكبار والمهندسين والبنائين، فإن المكون الصعيدى كان له أثرا كبيرا فى العصور الوسطى (الحضارة العربية الإسلامية).


ويشرح: بصفة عامة فى تلك الفترات كانت الجيوش هى المحرك الرئيسي، وغالبا لم يكن فيها مصريون، أو عرب، واستمر الحال على ذلك النحو حتى جاء محمد علي، وكون الجيش من المصريين..

وأوضح: فى تلك الفترة تفرغ المصريون لبناء حضارتهم فى الداخل (زراعة وصناعة وتجارة)، ما أفرز لنا عددا كبيرا من كبار الصناع والفنانين والحرفيين والمثقفين..ويؤكد: أكتر من 70%-وهذه نسبة محققة-من البنائين (المهندسين) والنحاتين، والمرخمين كانت من الصعيد، خاصة أن تقاليد العصور الوسطى كانت ترسخ لفكرة أن القريب من العاصمة قريب من السلطة حتى يقدم مواهبه ليحصل على المكانة التى يسعى إليها.


كانت القاهرة فى ذلك الوقت مفرمة الأحداث، ما تسبب فى حالة من التوتر عطلت بناء الحضارة، لأن الناس تغير وظائفها ومهنها بناء على الأحداث ووفق متطلبات السوق، وتغيرات الزمن، على عكس ما كان يحدث فى الأقاليم التى لم يكن يعنيها الحالة السياسية بشكل كبير، لتكون النتيجة ازدهار الحرف.


ويضرب مثالا بمدينة قفط التى احتوت فى العصور الوسطى على أفضل مرممى الآثار، والمنقبين عنها، كما تميزت كل محافظة فى الجنوب بصناعة وحرفة لها طبيعة معينة من الصعب وجودها فى العاصمة، وحتى الصنايعى الموجود فى القاهرة فى تلك الفترة ستجد أنه قادم من الأقاليم.


واستشد الزهار بـ «محمد بن بيلك» المهندس (الصعيدي) الرئيسى الذى شارك فى تصميم وبناء جامع السلطان حسن (الهرم الإسلامي)، وكذلك سعيد بن كاتب الفرغانى صاحب الأصول الصعيدية الذى قام ببناء مسجد أحمد بن طولون، وكان مسيحيا، وهو ما يشير إلى خلو مصر من الطائفية فى ذلك الوقت.


وأوضح: الحضور الجنوبى يأتى مع حضور النيل ودائما له بالغ الأثر، فالمنبع المصرى هو الجنوب، وكما صدّر الجنوب الماء للشمال، صدر مع الماء العادات والتقاليد، ومنها بهاء السكن على النيل حيث لا يستطيع أحد أن يجرح أهل بيتك بالنظر إليهم، وكذلك زفاف العروسة على كورنيش النيل، تقليد جنوبى قديم.. من هنا أثر الجنوب فى الثقافة والمفاهيم الشعبية، وبالتالى فإن المكون الوجدانى للمصرين تأثرت فى المقام الأول بالتقاليد والموروثات الجنوبية.


أما مصر القديمة فقد تعاملت مع الصعيد على أنه الشمس، وتعامل معها المصريون بالتقديس كإله، مثل النيل، بينما الحفاظ عليهما وفقا لدستور (ماعت) يضمن المرور الآمن للجنة.. ويستطرد: أغلب الحكام المصريين والقادة العسكريين على مدار التاريخ من الصعيد، وأهم المعابد المصرية فى الجنوب، فيما امتدت الجذور الجنوبية إلى خارج مصر، ولذلك سوف تجد آثارا مصرية فى البلاد المجاورة، ما يعنى أن الجنوب تسبب فى إشعاع حضارى داخل وخارج الدولة المصرية.


ليس ميكافيليا على الإطلاق
ويقول الدكتور محمد أبو الفضل بدران الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة: كلنا مصريون ولا توجد فوارق بين الصعايدة وغيرهم، ربما الطبيعة الجغرافية منحتهم قوة وصلابة وعادة الثأر التى نتمنى أن تختفى ليحل القانون مكانها، ربما كان الصعيدى أكثر جرأة ولا تعنيه العواقب فهو ليس ميكافيليا على الإطلاق، هجرة أبنائه للعمل بالخارج جعلت المرأة الصعيدية أكثر ثباتا وتحكما فى أمور الأسرة، ووجود الجامعات بالصعيد أسهم فى تعليم المرأة.. ارتباط الصعيدى بالأولياء والتصوف جعل التصوف ينتشر فى مجتمعه أكثر من البيئات الأخرى.


تعدد اللهجات الصعيدية واختلافها عن وجه بحرى جعلته مادة للنكات والقفشات وبالمناسبة هذه اللهجة لا تمت بصلة للهجات الصعيدية فى المسلسلات والأفلام.


وأذكر أنه تصادف سفرى مع المرحوم الأستاذ أنيس منصور الى فرانكفورت على رحلة واحدة فتحدثنا طويلا عن الصعايدة وعن البطالة لديهم فانبرى قائلا: لا يوجد صعيدى واحد عاطل. فقلت له: كيف؟ فقال مبتسما: لأنهم يعملون جميعا فى النكت، واحد صعيدى، واحد صعيدي.


وقد كتبت كثيرا لإلغاء التوزيع الجغرافى فى الجامعات حتى يختلط أبناء مصر فى الجامعات وفى احد الاجتماعات طرحت بالمجلس الأعلى للجامعات هذه الرؤية مازحا: ألغوه فلو ان طالبا صعيديا ذهب لجامعة المنصورة وتخرج منها فربما يتزوج من طالبة من المنصورة.. فأردف الدكتور أشرف حاتم الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات: «لو تزوج الصعيدى واحدة من طنطا او المنصورة ح يخلّف صعيدى».


فخر لجميع للمصريين
ويشير الدكتور على النبوى استشارى الطب النفسى بجامعة الأزهر إلى أن الشخصية الصعيدية أثرت فى المجتمع المصرى كله، ويضرب مثلا بأئمة العلوم والدين، والأدب، والفكر والثقافة، وشعراء وفنانين كبار.


وأضاف: هذا ما يجعلنا ننظر لشخصية المواطن الصعيدى بتأمل لتحليل تلك الشخصية، والسر فى عظمتها، والعوامل التى تحفز لنجاح وتفوق المواطن الصعيدى. وأول هذه العوامل هو محاولته لتغيير النظرة ناحية الصعيد فهو من أول كلمة ينطقها أمام القاهريين ينظرون إليه بانتباه ويعرفون أنه من الصعيد.


وهو أصيل فى اللغة (اللكنة) ويدل على صلابة شخصيته وتماسكها بشكل قوي، كما وجدنا الشاعر عبد الرحمن الأبنودى حتى آخر أيامه يتحدث بتلك اللغة الصعيدية رغم معيشته فى القاهرة سنوات طويلة وزواجه من إعلامية قاهرية.


تنشأ حالة من التحدى الداخلى لدى المواطن الصعيدى تجعله يتفوق فى المواقف الصعبة، مما جعل كلمة صعيدى فخرا لكل المصريين.. فتجد سكان الدقى والمهندسين يقولون نحن صعايدة لأنها من أحياء محافظة الجيزة.. والجيزة أول محافظات الصعيد.


التنمية فى الصعيد 
يبقى ان نقول ان التنمية فى الصعيد قد شملت كافة القرى والنجوع والمدن بشكل غير مسبوق فى تاريخه، حيث بدأت التوجيهات الرئاسية بتطوير القرى الأكثر احتياجاً من خلال استهداف 80 قرية بالصعيد، وفى عام 2019 بدأت المرحلة التمهيدية من المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، باستهداف 375 قرية، من الأكثر فقراً، وفى عام 2020 انطلق برنامج تطوير الريف المصرى، وتكلفت المرحلة التمهيدية 5.4 مليار جنيه، استفاد منها 4.5 مليون مواطن حتى الآن.


ويوجد 4119 مشروعا فى محافظتى قنا وسوهاج، متبق منها أكثر من 500 مشروع جار تنفيذها، وهى تخدم 5.4 مليون مواطن، ووفرت نحو 269 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بإجمالى استثمارات 15.2 مليار جنيه.


ويبلغ إجمالى الاستثمارات المحلية التى تم ضخها فى محافظات الصعيد حوالى 53.6 مليار جنيه نفذها حوالى 3420 مقاول وشركة، منها تمويل حوالى 500 مليون دولار من البنك الدولى، بجانب مبلغ مماثل من الحكومة المصرية لتنفيذ مشروعات تنمية الصعيد فى قنا وسوهاج.


كما يتم دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال برنامج «مشروعك» وتم إنفاق 10.4 مليار جنيه على الصعيد، وتمويل 271 ألف مشروع، وفرت 563 ألف فرصة عمل، أما صندوق التنمية المحلية فقد وفر 11865 فرصة عمل بتمويل 71 مليون جنيه، كما تم إنفاق 13 مليار جنيه لرصف الطرق المحلية، أما مشروعات البيئة والنظافة فتكلفت 7.4 مليار جنيه، وتطوير ورفع كفاءة الوحدات المحلية تكلفت 3.6 مليار جنيه، والكهرباء والإنارة 3.4 مليار جنيه، و2.6 مليار جنيه لمهام الإطفاء والمرور.


وقد تصدرت مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى، قائمة المشروعات فى قنا وسوهاج، بتنفيذ 115 مشروعا بإجمالى 2.9 مليار جنيه، ومواصلة بناء 6 محطات معالجة تعثرت خلال السنوات الماضية، منها مشروع صرف نقادة بقنا، ومشروع صرف الهجارسة بسوهاج.

وتم العمل على ترفيق المناطق الصناعية فى قنا وسوهاج، من خلال 4 مناطق صناعية، وجار تطوير الخدمات المقدمة لـ6 مناطق أخرى، وتبلغ قيمة الاستثمارات حوالى 6.1 مليار جنيه.

اقرأ ايضا | وزير الدفاع: الشباب هم أمل مصر وسبيلها لبناء مجدها | صور وفيديو