اللون.. هو إنسانية المبدع

اللون هو إنسانية المبدع
اللون هو إنسانية المبدع

عاطف محمد عبد المجيد

من الأسئلة التى يطرحها الكاتب وهو يتحدث عن اللوفر: من أين بدأت السريالية؟ وهل مضت على وجودها فى متحف اللوفر قرون؟ أم أن أندريه بريتون ودالى ودوشامب وأبولينير كانوا هم من استحدثوها؟ وما هى أهمية المتحف؟ ومن هم الطلائعيون؟

الكل هنا فى متحف اللوفر كأنه فى رحاب معبد العشق، يؤدى صلوات أركانها مختلفة، عدد ركعاتها لا حدود له بصريًّا. هذا ما يكتبه الناقد والفنان التشكيلى المصرى المقيم فى باريس عبد الرازق عكاشة فى مقدمته لكتابه «اللوفر..فجر العشق الإبداعى»، الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفيه يقول إن العالم يتحدث عن متحف اللوفر بكل ما يتعلق به من مساحة وجغرافيا، وحدائق تفصل بينه وبين متحف الأورسى عبر حديقة العشاق.


فى اللوفر، يقول عكاشة، يوجد قسم فرعونى ويابانى وآشورى، محتويًا على أعمال تنتمى إلى المدرسة الكلاسيكية، والفن الأكاديمى وعصر النهضة


هنا يسأل الكاتب قارئه: هل حدثك أحد قبل ذلك عن بحر الألوان؟ عن تفاصيل نهر يُغرق عين المبصرين فى شبع لا يوصف، وعطش لا يُروى بالعين المجردة إلا فى اللوفر؟ ومواصلًا تساؤلاته يمضى قائلًا: هل حدثكم أحد من قبل عن لون منه ألف لون، بل مليون لون مختلف، ألف رائحة، ومثلها ألف درجة من درجات لون واحد؟ هل حدثكم أحد من قبل عن ألف حكاية، عن تفاصيل هذا اللون الذى يغرق قلبك بالحب أيها المتلقى فى محبة لا تنتهى، وسلام العاشقين؟


متحف عائم على ألوان
فى كتابه الذى لم يكن يعرف كم من الوقت سوف تستغرق كتابته، يتحدث عن تفاصيل متحف عائم على ألوان وألوان، قائلًا إنه هنا أمام هذا التناقض اللونى، مدن كبرى تغرق فى مياه البحر، لكن أن تسبح مدينة متحف اللوفر على نهر مياه ملونة، فإننا هنا إزاء كم بحيرة لونية؟ فى المتحف، الاسم ذكرى صامدة أمام ثقوب العقول المهمومة بلهو الحياة. كيف لا وقد صُممت المتاحف، ومن بينها اللوفر، لتكون جنة المبدعين؟


ما يؤكده الكاتب هنا أنه رغم آلاف ملايين العابرين الذين التقطوا صورًا لمتحف اللوفر، لكنهم لم يلتقطوا تفاصيل من إنسانية المبدع أمام بالتّة، فاللون هو إنسانية المبدع، ورقة الفنان ومشاعره أمام قماش أبيض، مثل القلوب الطاهرة التى تنتظر حبيبها «اللون» العامر قلبه بالحنان. هنا ومعلنًا أن اللون الأحمر هو سيد الألوان الصارخة، يقول عكاشة إن هناك ألف لون من الأحمر فى متحف اللوفر، وربما ألف درجة، مضيفًا أن أحمر دافنشى مختلف عن أحمر مايكل أنجلو، كما أن أحمر رفائيل مختلف عن أحمر يتسيانو فيتشيلو وكل فنانى عصر النهضة، والأحمر بكل درجاته فى عصر النهضة يختلف عن عصر ما بعد النهضة، وكذلك فنانو أوروبا يختلفون فى ما بينهم، مضيفًا أن حكايات الأحمر واللوفر لا تنتهى بسهولة، خاصة وهو لون بسبعة أرواح.


فى كتابه اللوفر، يخبرنا عكاشة أن دافنشى من أشهر وأهم فنانى إيطاليا فى عصر النهضة الأوروبية، وهو صاحب لوحتى الموناليزا و«سيد العشاء الأخير»، وقد درس التشريح والفلك وعلم النبات والجيولوجيا وصمم آلات عدة منها الطائرة المروحية والغواصة والباراشوت. 


جدل واسع
عكاشة متحدثًا عن الفنان رفائيلو سانزيو يقول إن التعابير الغامضة التى رسمها على وجه العذراء وطفلها أثارت جدلًا واسعًا، إذ حاول النقاد ودارسو الفن فكها ومعرفة كنهها، كذلك سعى المؤرخون والفلاسفة عبر العصور إلى تفسير المعانى والسلالات التى تضمنتها هذه اللوحة، ومن بينهم جوته وشرودر وشوبنهاور.

 
فى كتابه الذى يقول فيه يظل جزء هناك من مساحة العدل الساكنة فى كل وجدان، وكل ضمير حى، أيًّا كانت هويته أو معتقده، لا سيما المبدعين الذين يُعدون الأقرب إلى حال التصوف، العشق، الخوف، العدل، مهما بلغت بهم الجرأة، يرى أن المشاهد الجيد هو درويش سِفْر العشق، لون مبدع مبصر، وهذا هو الفرق بين الإبداع والكلام. هنا أيضًا يؤكد الكاتب أن هناك حالات قليلة فى التاريخ الإنسانى تمردت بعشق التجديد وبناء جسور للقادمين على طريق الحلم، مؤكدًا كذلك أن الفراغ الذى يعيشه شباب الفن العربى يأتى نظرًا إلى غياب فن الفرجة، فن المتاحف والعدالة البصرية. 


كذلك يقول عكاشة إن من يزور متحف اللوفر كعابر سبيل لن يدرك التفاصيل، أما من يزوره كعاشق فسوف يُغير وجهته من البحث عن الجوكندا موناليزا، ليبحث فى آخر قاعات اللوفر عن أول فنان وضع أسس التجريد. 

 

أهمية المتحف
من الأسئلة التى يطرحها الكاتب وهو يتحدث عن اللوفر: من أين بدأت السريالية؟ وهل مضت على وجودها فى متحف اللوفر قرون؟ أم أن أندريه بريتون ودالى ودوشامب وأبولينير كانوا هم من استحدثوها؟ وما هى أهمية المتحف؟ ومن هم الطلائعيون؟ هنا يصف عكاشة المتحف بأنه جامع العاشقين، ميدان ثورة المفكرين، نهر ألوان الفنانين، مثلما يقول إن التاريخ الحديث يؤكد لنا أن المتاحف هدف استراتيجى قد يتعرض للقصف أو السرقة فى أوقات الحروب.


ومواصلًا تجواله بنا فى أروقة وقاعات متحف اللوفر يكتب عكاشة قائلًا إن لقداسة الجمال فتنة، ولإبداع الصورة ذكاء وثقافة، ذاكرًا أن ثلث آثار اللوفر من حضارة مصر الفرعونية. 
عكاشة الذى يرى أن متحف اللوفر هو بيت الفنانين ومنزل عشاق الإبداع، وأن اللون الأسود سيد الألوان له ميزة خاصة، وهو تاج رأس اللوحة، ورمز الحياة عند الفراعنة، والخوف والرعب عند الرومان، يكتب هنا قائلًا إن الفن الفطرى فعل مختلف عن الساذج، فهو لفنان لا يمتلك الوع.

وربما لا يعرف حتى القراءة والكتابة من الأساس، إنما مارس الفن كحالة تعبيرية نقية تعوضه عن حاجة شديدة للتعبير، يقول كذلك إن الفنون الفطرية فعل برىء نقى وطفولى أحيانًا، وفى متحف اللوفر وفى طابقه الأسفل المطل على نهر السين أعمال تعبر عن مثل هذه الحالات. وعند الأسود يقول كذلك إن المصريين قد قرأوا سحر الأسود مبكرًا، فهو تأكيد للنور، وإظهار لسحر الأصفر، وجمال الأحمر، وتتويج الأزرق، الأسود هو تاج رأس الألوان، وفى متحف اللوفر، الأسود هو لون الملوك وعطر الشرفاء.


وهكذا وفى كل صفحة من صفحات هذا الكتاب وفى كل لوحة من لوحاته، نجد عشق الكاتب وفتنته بالمتحف الباريسى الكبير الذى تجول فيه وسبر أغوار أروقته وحدثنا عما فيه من فن وفنانين، ومتعة لوحية خاصة لا يتذوقها إلا كل متأمل للفن وعاشق مغرم به وبكل تفاصيله.

اقرأ ايضا | كتَّاب روس كبار من أصول أوكرانية