كتَّاب روس كبار من أصول أوكرانية

آنا أخماتوف
آنا أخماتوف

كتب : د. محمد نصر الدين الجبالى

ترتبط روسيا وأوكرانيا بتاريخ مشترك يمتد عبر قرون عديدة منذ سنوات تأسيس الإمبراطورية الروسية القديمة، والتى أطلق عليها اسم كييف روس نسبة إلى مدينة كييف عاصمة أوكرانيا حالياً. وعبر قرون طويلة ارتبط مصير الشعبين نظراً لوحدة العرق والديانة والثقافة والتاريخ. 


وعلى الرغم من الانقسام الذى وقع فى 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتى واستقلال كل من روسيا وأوكرانيا إلا أن هناك العديد من الظواهر الثقافية والإبداعية من المستحيل أن يتم تقسيمها بل الأصح أن تبقى إرثًا مشتركًا بين الثقافتين ومن هؤلاء كبار الأدباء الروس من أصول أوكرانية والذين أبدعوا أدباً راقياً عالمياً، وكان لهم دور كبير فى إثراء الثقافتين .


ويمكن القول إنه حتى نهاية القرن التاسع عشر كان معظم أعمال الكتَّاب من أصول أوكرانية لا تُكتب باللغة الأوكرانية بل بالروسية ومن أبرز الأدباء الروس من أصل أوكرانى فى القرن التاسع عشر نيقولاى جوجول. وفى القرن العشرين برز العديد من الأدباء الروس ذوى الأصول الأوكرانية وأسهموا بقوة فى تطور مدارس الأدب الروسى ونذكر منهم الشاعرة التى تلقب بأميرة الشعر الروسى آنا أخماتوفا، والكاتب ميخائيل بولجاكوف الذى تُنسب إليه أروع الروايات الروسية فى القرن العشرين بلا منازع «العلم ومارجريتا». 


وفى القرن العشرين أيضاً برز العديد من الكتاب من ذوى الأصول الأوكرانية الذين عاشوا فى روسيا وأبدعوا كتابات بالروسية ونذكر منهم داود بورليوك ونيقولاى بيرليوك وبوجيدار. 
 وفى الحقبة السوفيتية نذكر كلاً من بوريس تشيتشيبابين وستانيسلاف سلافيتش ونيقولاى أوشاكوف وليونيد كيسيليوف وليونيد فيشيسلافسكى حيث كان هؤلاء يقيمون فى أوكرانيا ولكنهم يكتبون بالروسية، وفيما يلى سنعرض ببعض التفصيل لحياة بعض هؤلاء الكتاب.


آنا أخماتوفا
 بالإضافة لجوجول، هناك أيضاً الشاعرة الكبيرة آنا أخماتوفا التى تُعتبر من عظماء الشعر الروسى فى القرن العشرين، ويُطلق عليها أميرة الشعر الروسى فى العصر الفضى. كما عملت أخماتوفا ناقدة أدبية ومترجمة. وُلدت فى الثالث والعشرين من يونيو 1889 بمدينة أوديسا فى أوكرانيا. 

 


فى عام 1893 انتقلت العائلة إلى مدينة سان بطرسبرج، حيث التحقت أخماتوفا بالمدرسة. وفى عام 1906 سافرت أخماتوفا إلى مدينة كييف لإنهاء دراستها، وهناك ظهر شغفها الشديد بالمسرح. وفى خريف عام 1908 التحقت بجامعة كييف بكلية الحقوق.


فى عام 1909 طلب منها الشاعر الروسى الشهير نيقولاى جوموليوف الزواج فوافقت، وتم الزواج فى 25 أبريل عام 1910 وعاش الزوجان فى قرية الشاعر بوشكين تسارسكوى سيلو بالقرب من العاصمة بطرسبورج فى الفترة من 1911-1916 حيث نشطت فى المشاركة فى الصالونات الأدبية حتى أطلق عليها أميرة العصر الفضى. كما أطلقت عليها الشاعرة الشهيرة مارينا تسفيتايفا لقب «آنا لعموم روسيا». وازدادت شهرة الشاعرة، وفى عام 1917 صدر لها ديوان جديد وواصلت أخماتوفا الكتابة والنشر حيث أصدرت ديوانين هما «رفقاء السفر» و«أنو دومينى» فى عام 1921. 


أما آخر ديوان صدر فى حياة الشاعرة فكان بعنوان «ركض الزمن» (1965) وفى العام التالى توفيت الشاعرة الكبيرة، ودُفنت بقرية كوماروفا بعد أن أصبحت المرأة الرمز للعصر الفضى فى الأدب الروسى. وفى الوقت الذى تُعتبر من رموز تاريخ الأدب الروسى فإن مكانتها فى أوكرانيا لا تقل عن ذلك حيث تم إدراجها فى قائمة أعظم 100 شخصية أوكرانية. 


ميخائيل بولجاكوف
ومن كبار الكتاب الروس ذوى الأصول الأوكرانية نذكر أيضاً الأديب ميخائيل بولجاكوف الذى اشتهر فى الربع الأول من القرن العشرين والحقبة السوفيتية بوصفه أديباً وكاتباً مسرحياً ومخرجاً مسرحياً. ومن أشهر أعماله قصة «قلب كلب» ورواية «المعلم ومارجريتا» و«الحرس الأبيض» وقد تُرجمت أعماله إلى مختلف اللغات العالمية وصُنفت روايته «المعلم ومارجريتا» بوصفها أفضل رواية روسية فى القرن العشرين.


وقد ولد بولجاكوف فى عام 1891 فى مدينة كييف وتلقى تعليمه الأساسى والثانوى هناك ثم التحق بكلية الطب بجامعة كييف حتى حصل على شهادة إنهاء الدراسة الجامعية وعمل طبيباً على الجبهة أثناء الحرب العالمية الأولى. 

 


ومع انتهاء الحرب انتقل إلى موسكو حيث بدأت رحلته الإبداعية واستقر فيها تماماً بعد عام 1921.


ديفيد بيرليوك
أما الشاعر ديفيد بيرليوك فقد وُلد فى محافظة خاركوف فى عام 1882 ويعد أحد مؤسسى مدرسة المستقبلية فى الأدب الروسى. درس عدة سنوات فى مدرسة بمدينة سومى الأوكرانية ثم انتقل إلى مدينة تامبوف الروسية ودرس بها أيضاً ثم التحق بمدرسة الفنون فى أوديسا على البحر الأسود ثم سافر الى أوروبا عدة سنوات وعاد إلى روسيا فى عام 1907.


وبدأت رحلته الإبداعية حيث أخذ يشارك بأشعاره فى الإصدارات الشعرية للشعراء الرمزيين بقيادة الشاعر ماياكوفسكى ثم شارك فى إصدار العديد من المجموعات الشعرية برفقة أدباء التيار المستقبلى فى الأدب الروسى ولعل أهمها كتاب «صفعة للنظام الاجتماعى».


بوريس الكسيفيتش
وهناك أيضاً الشاعر بوريس الكسيفيتش تشيتشيبابين الحاصل على جائزة الدولة فى الاتحاد السوفيتى فى عام 1990. وُلد فى عام 1923 بمدينة خاركوف حيث أمضى فترة طويلة من حياته والتحق بجامعة المدينة بكلية التاريخ وفى نوفمبر 1942 استُدعى للتجنيد بالجيش لظروف الحرب العالمية الثانية وأُرسل إلى منطقة القوقاز وشهد عام 1958 صدور أول أعماله وهى مجموعة شعرية صدرت فى مجلة «نوفى مير» (العالم الجديد) الشهيرة.


وفى عام 1960 انتقل إلى موسكو حيث بدأت مسيرته الأدبية الفعلية وأصدر العديد من الدواوين والأشعار فى مجلة «نوفى مير» ومن أهم دواوينه «هارمونيا» وصدر عام 1965 و«الشباب» 1963 و«الصقيع والشمس» 1963 و«سنوات الستينيات» 1990 وغيرها.


وقد صدرت أعماله فى موسكو وكييف فى الوقت نفسه ولم تخل كتاباته من ذكريات عن وطنه الأم والتغنى بالطبيعة هناك. 


وهناك أسماء كثيرة أخرى لا يتسع المجال لذكرها وهو ما يؤكد حقيقة صعوبة الفصل أو اقتسام هذا الإرث الأدبى الضخم والبديع بين الأدبين الروسى والأوكرانى.


وشهد الأدب الأوكرانى فى بدايات القرن العشرين سعيًا مزدوجاً إلى الاحتفاظ بتقاليد الأدب الكلاسيكى الروسى فى القرن التاسع عشر والبحث فى الوقت نفسه عن أشكال جديدة والاستفادة من إنجازات الآداب الغربية الأخرى. حيث شهد هذا الأدب فى تلك الفترة شيوع تيارات تقليدية كالرومانسية والواقعية الجديدة وتطور تيارات الرمزية والمستقبلية.

وبرز عدد من الكتاب الأوكران يميلون إلى استخدام الأسلوب الأوروبى الحديث فى تصوير حياة الشعب الأوكرانى. 


وهكذا يمكن القول إن انتماء عدد من الأدباء الروس الكبار إلى الثقافة الأوكرانية قد أثرى إبداعاتهم ومنحهم أدواتٍ وإمكانات فنية وخبرات نادرة وطاقة إبداعية إضافية هائلة جعلتهم يحوزون مكانة رفيعة وهامة فى تاريخ الأدب الروسى. أثرى هؤلاء الأدب الروسى بعناصر فلكلورية وتراثية وتاريخية وثقافية من بيئتهم الأم ما أضفى على كتاباتهم سحراً وثراءً فكرياً وفنياً فريداً. وقد أفاد الأدب الروسى من هذه التدفقات الحضارية والإبداعية من مختلف مناطق الإمبراطورية الروسية حتى أصبح له الفضل الأول فى تعرف العالم على تاريخ وحضارة وثقافة الشعوب السلافية الشرقية روسيا وأوكرانيا وبيلاروس.

اقرأ ايضا | صور| وزير قطاع الأعمال يتفقد مركز أبحاث أكبر جامعة بأوكرانيا