هؤلاء لا ينتظرن التكريم .. الأمهات «الجدعان»

يوم المرأة العالمى
يوم المرأة العالمى

كتبت: آية فؤاد


يعتبر مارس شهر المرأة بجدارة، إذ إن فيه العديد من المناسبات الخاصة بـ«نصف المجتمع» مثل يوم المرأة العالمى «٨ مارس» ويوم المرأة المصرية «١٦ مارس»، وعيد الأم الموافق 21 مارس، كما يحتفل أغلب دول العالم سنويا يوم 21 مارس بعيد الأم أيضًا، كنوع من تقديم الشكر والعرفان للأمهات على دورهن المؤثر والفعّال فى حياة أبنائهن، فالأم هى مصدر الحنان والعطاء، ولا أحد يغفل دور الأب فهو مصدر الأمان والقوة، إلا أن هناك سيدات أرغمتهن الحياة على القيام بالدورين معًا بعدما تخلى الأب عن مهامه وواجباته تجاه أسرته، فوجدن أنفسهن فى عجلة الحياة.. الشقى عنوان رئيس لحكاياتهن، والتكريم فى يوم الأم حق لهن، برغم أنهن لا ينتظرن ذلك!


لم تعلم نجوى أنها على موعد مع الإهانة والذل عندما وافقت على العريس الذى تقدم لوالدها ووافق الأخير عليه ليتخلص من حملٍ كان ثقيلا على كاهله، وهى الأخرى وافقت مضطرة وهاربة من الزحام وسط عدد كبير من الأشقاء. ذهبت معه لبيت الزوجية وهى آملة أن تبنى أسرة سعيدة، وخططت أن تمنح أولادها فى المستقبل حناناً حُرِمت منه وهى فتاة صغيرة لأن حب الأب والأم كان موزعا على عدد كبير من الأبناء، لكن بعد فترة من الزواج وجدت نجوى نفسها أمام مأساة جديدة، فالزوج يعمل كهربائيًا يشهد الجميع له بتمكنه فى مهنته، إلا أنه رجل كسول لا يحبذ الاجتهاد والسعي، وشغله الشاغل هو الكيف والتدخين، ووجدت نجوى نفسها مع رجل غير مسئول عنها أو عن ابنهما الذى لم يتجاوز عمره بضعة أشهر، حتى ضاقت بها السبل معه وفى محاولات إصلاحه وإقناعه أنه أصبح أبًا ولا بُد أن يقوم بدوره كرب أسرة، ولكن دون جدوى.


لم تجد نجوى أمامها سوى أن تخرج للعمل، وبالفعل بدأت فى التردد على البيوت والعمل بها، فكانت هى الأب والأم ورب الأسرة تتحمل نفقات أفراد أسرتها كاملة، وعلى رأسهم زوجها الذى كان يجبرها ويهددها بضرب الأولاد فى مقابل أن يستحوذ على المال الذى تتحصل عليه بعد جهد وتعب وخدمة بالبيوت، حتى ينفق على مزاجه وشراء المواد المخدرة، ورغم انفصالها عنه أكثر من مرة، كانت ترجع له مستندة على وعود، سرعان ما كانت تكتشف أنها كاذبة، واستمر الوضع هكذا حتى بعدما أصبحت نجوى أما لثلاثة أولاد، لكن الزوج ظل غير مسئول، فى حين كانت الأم مسئولة وصبورة واستطاعت أن تعلم أبناءها الثلاثة وتنفق عليهم وتحافظ على أسرتها حتى أصبحوا شبابا فى سن الزواج.


وحتى زواج أبنائها تكفلت به نجوى فقد استطاعت بعد سنوات طويلة من العمل أن تدخر أموالاً أنفقتها بعد ذلك على شراء قطعة أرض وبناء منزل عليها لإعطاء كل ولد شقة يبدأ فيها حياته الزوجية، ووضعت فى حساباتها وفتحت مشروعا خاصا بها حتى يساعدها فى الإنفاق بعد سنوات طويلة من العمل بالبيوت، ما تسبب فى تدهور صحتها تدريجيا، لكنها حاولت الاعتماد على زوجها ربما لمرة أخيرة، حيث طلب منها أن يقوم بإدارة المشروع ولكنه تسبب فى عدم نجاحه، وعادت نجوى مرة أخرى للعمل فى البيوت  لتكمل ما بدأته وتظل هى ربة الأسرة.


أما نشوى أو «أم منار» وهى سيدة فى الأربعينيات من عمرها فقصتها أشد قسوة حيث إنها أم وأب لخمسة أولاد منهم اثنان تمكن المرض منهما منذ الصغر.. وتقول عن تجربتها: «تزوجت صغيرة لم أكمل عامى العشرين من رجل وضعته الصدفة فى طريق أبى وأقنعه بنفسه كزوج صالح لي، فكان ماهرا فى إخفاء عيوبه التى اكتشفتها بعد الزواج، فهو مدمن على المواد المخدرة والخيانة، وسليط اللسان وطويل اليد، حاولت الانفصال عنه ولكن أهلى رفضوا الفكرة وقالوا لى صراحة اعتبريه ضل راجل»، مضيفة المشكلة تفاقمت بعد إنجابى لطفلتى الأولى واكتشفنا أنها مصابة بضمور فى المخ فأصبح رافضا لى ولابنتنا يتفنن فى تعذيبى بها ولتوفير نفقات العلاج كان لابد أن أبحث عن عمل، وكنت أتنقل من وظيفة لأخرى أحسنها كان بيع الملابس للمعارف والجيران لسيدة كانت تعمل فى التجارة، وكنت أتحصل منها على نسبة، ومرت سنوات على هذا الوضع، ولكن من المفارقة أننى خلال هذه الأعوام رُزقت بأربعة أطفال آخرين منهم فتاة تعانى خللا جينيا يسبب لها تقزما وتأخرا فى النمو.


تضيف: مع كل طفل كان يزداد الأمر سوءا حتى قررت أن أنفصل عنه خاصة بعد أن توفى والدى وبالفعل تم الطلاق دون أن أحصل على أىٍ من حقوقي، وكيف أحصل على حقوق منه بعد الطلاق ولم أحصل على حقوقى منه أثناء فترة زواجنا، ولكننى فضلت النجاة بأولادى من عنفه وعدم آدميته خاصة أن ابنتى الكبيرة مرضها يمنعها من الحركة، وعقلها أقل من عمرها بسنوات، فكان دائم العنف معها حتى أننى كنت أغلق الغرفة عليها قبل خروجى للعمل خوفاً عليها منه، وبالفعل انفصلت عنه لكن دون طلاق، بعدما قام أحد الجيران المحبين لعمل الخير بتوفير غرفة صغيرة بسعر رمزى أحتمى فيها أنا وأطفالي، حقيقة المسئولية صعبة جدا، ولكننى لا أتوقف عن السعى والعمل من أجل أولادى.


 تحدت الظروف والمرض للفوز بأطفالها

لم تقل الحياة قسوة مع شيماء، فهى أم لطفلين دفعها القدر لتحمل مسئوليتهما كاملة دون أب فرغم معاناتها الصحية قررت أن تتحدى المرض والظروف حتى تحفظ لأبنائها سلامهم النفسى على حد قولها، وتضيف: «شلت مسئولية أولادى من وأنا عندى 26 سنة بعد الطلاق، كنت عاوزة أثبت لنفسى وللناس إنى أقدر، وإن قرارى صح، وإن الرضا بالإهانة لا يمكن يكون نتيجته أطفالا أسوياء، فقررت أنى أخلق لهم حياة صحيّة، وبعد الطلاق لم يلتزم طليقى بدفع النفقة، لكن حاولت قدر الإمكان تجاوز كل مشكلاتي».


تتابع: «الخلافات أثرت فى صحتى وأصبت بمرض فى القلب وأجريت جراحتين، لكن كان لازم أقوم وأشتغل علشان خاطر أولادي، وإنى أقدر أوفر لهم أكلهم وشربهم ولبسهم وأدفع إيجار الشقة، خاصة أن عندى أخت يتيمة بتدرس فى الجامعة، وأنا شايلة مسئوليتها مع أولادي»، مضيفة عمرى 35 سنة وعندى مشروع أكل بيتى صغير أصرف منه على بيتي، وأحاول أعوض أولادى معنوياً عن غياب والدهم وأنهم آخر اهتماماته، وأنا مؤمنة بأن دا الأفضل ليهم حتى لو هاقوم بدور الأب والأم.


وعن الضغوط التى تتعرض لها المرأة المعيلة، يقول أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والاجتماعية، إن السيدة المعيلة تعانى ضغوطا كثيرة، فهى مطالبة بتوفير ماديات إذا لم تستطع توفيرها ينعكس ذلك سلبا على حالتها النفسية والمعيشية، فكم من سيدة معيلة تتحمل توفير التزامات خاصة بالسكن والتعليم والمأكل والملبس والعلاج، وفى المقابل لا تجد من يهوِّن عليها حتى بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، كما أن هناك سيدات طُلقن فى سن كبيرة، ولديهن أكثر من ابن ما يمنحهن شعورا بفقدان الأمل فى بناء حياة أسرية جديدة، بالإضافة لضغوط العمل وسعيها فى التوفيق بين العمل والأبناء كونها تقوم بدور الأب والأم معا .


يتابع: إحدى السيدات قالت لى «أنا ماعنديش حق أمرض»، فمعظم هؤلاء السيدات يعملن بأجر يومي، بالتالى فإن تغيبهن عن العمل ولو ليوم واحد أمر غير متاح بالنسبة لهن، فهن مجبورات على النزول للعمل ومواصلة الحياة حتى إن كن مريضات، فهن معرضات للإرهاق والمرض، وفكرة الخروج للتنزه أو الترفيه من المستحيلات بالنسبة لهن، بالتالى يتعرضن للوعكات النفسية دائماً، ويجب الانتباه إلى أن الأمراض النفسية التى يصبن بها قد تؤدى بهن فى المستقبل للإصابة بأمراض عضوية خطيرة، لذلك فهؤلاء السيدات يستحققن الاحترام والتكريم، خصوصا فى عيد الأم.


ويشير إلى أن بعض العادات أيضاً يشكل ضغوطا على المرأة، ويظهر ذلك مع السيدات المتزوجات ولكن مع إيقاف التنفيذ، بمعنى أنها متزوجة ولكنها هى المسئولة فى العلاقة، فهى التى تعمل وتنفق وتقوم بكل مهام الأب، هذه السيدة ضحية للمعتقدات المجتمعية الخاطئة بأن وجود زوج فى حياتها هو حصن وأمان لها حتى إن كان وجوده مثل عدمه، وكثير منهن يعشن تحت سقف واحد مع الزوج فى حالة من الطلاق الصامت، فالزوج ليس له علاقة بها بالمرة، بالإضافة إلى أنها هى التى تعمل وتنفق، ولكن هذه السيدة بحاجة لتوعية للخروج من هذه العلاقة غير السوية بأقل خسائر نفسية وإعطائها الأمل بأن هناك دائما حلولا وحياة أفضل يمكن أن تؤسسها.


ويؤكد أهمية النظر فى تعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، وأهمها القوانين الخاصة بحرية الانتقال والسفر، وسرعة إنجاز المعاملات فى الولاية التعليمية، بأن يكون للأم أيضا حق فى التصرف فيها، مستشهداً بكثير من الحالات التى تكون الأم مسئولة عن كل كبيرة وصغيرة عن أبنائها ولكن ليس لها حق نقل الأبناء من المدرسة، مشيرا إلى إحدى الأمهات التى تعنت معها الزوج فى تقديم مستند رسمى منه لتخفيض المصروفات الدراسية لأحد أبنائها فى حين أنه لا يشارك فى الإنفاق عليها، مطالبًا بإعادة النظر فى القوانين الخاصة بالمعاش، بإعطاء المطلقة حق الحصول على معاش والدها ووالدتها كنوع من الدعم المادي، أو إعطائها منحة دورية تعينها على سداد التزاماتها، وتوفير تأمين صحى لها ولأبنائها، وكذلك إعادة النظر فى قوانين الحضانة فى حالة زواج الأم مرة أخرى فليس من الإنصاف بالنسبة إليها أن تذهب حضانة الأولاد للأب بعد سنوات طويلة من إهماله لأبنائه، وفى نفس الوقت من حق الأم أن تبدأ حياة جديدة سعيدة تنشدها مع زوج آخر. 


من جانبها، توضح أشجان نبيل، استشارى تطوير مجتمعي، أن نسبة المرأة المعيلة طبقاً للإحصائيات الرسمية لا تقل عن 38%، والسيدة المعيلة إما مطلقة أو أرملة أو متزوجة دفعتها الظروف لتحمل مسئولية أسرتها كاملة، وأغلبهن يعانى ضغوطا كثيرة يستلزم حلها ثلاثة محاور، هى أولاً تعديل قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة المعيلة «المطلقة»، لأن معظم هؤلاء غير قادرات على مواجهة إجراءات التقاضى الطويلة، والحصول على حقوقهن من نفقة ومصروفات الأبناء الدراسية والمعيشية وغيرها.


لافتة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال احتفالية عيد الأم العام الماضى وجه مجلس النواب بسن قانون يعدل ما بين الرجل والمرأة، ويكون فى ذات الوقت فى مصلحة الطفل، أما المحور الثانى فخاص بالمتزوجة التى تعول أسرتها، حيث وجه المجتمع المدنى بالاهتمام بمشروعات الدمج للمرأة فى مصر على غرار الأسر المنتجة، ودمجهن من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتدريبهن على الحرف المختلفة والمشغولات اليدوية، حتى تستطيع السيدة تحمل المسئوليات التى تقع على عاتقها وفرضتها عليها ظروف الحياة، وحتى لا تزيد أعداد الغارمات، حيث إن هذه المشروعات تعينهن على سد احتياجات أسرهن بشكل آمن بدخل ثابت ومضمون.


والمحور الثالث خاص بالتوعية المجتمعية ودور المجالس المتخصصة، كالمجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للأمومة والطفولة وتفعيل أدوارها، واختراق المحافظات الصغيرة والحدودية والقرى، والوقوف بقوة للحصول على حقوق السيدات المعيلات ليس المطلقات منهن فقط، ولكن الأرامل أيضاً، والمتزوجات، وحتى الفتيات الصغيرات اللواتى يُعِلن أسرهن، وتوفير فرص عمل وتوعية لهن، والاهتمام بالمسئولية الاجتماعية لدعم غير القادرين منهن على العمل.