القاعدة وداعش.. على خط الحرب في أوكرانيا

القاعدة وداعش
القاعدة وداعش

 عمرو فاروق 

يدرك الجميع أن الجماعات الراديكالية دائماً تمثل الورقة الرابحة للولايات المتحدة الأمريكية، في تصفية الحسابات وتمرير الأجندت السياسية، في دول كثيرة في العالم مثل افغانستان والعراق، وكذلك مع خصومها السياسيين في إطار معركة الدول الكبرى والعظمى، وتكريس هيمنة القطب الأوحد المتحكم في مصير الشعوب، وقضاياهم الداخلية والسياسية.

 

فأين ستقف الجماعات الإسلاموية المسلحة في ساحة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو؟، هل ستلعب كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بورقة التنظيمات القاعدية والداعشية، لاسيما المتمركزة بقوة في «ولاية القوقاز»، لإدارة المعركة بالوكالة، مثلما استخدمت من قبل ظاهرة «التكفيريين العرب»، في مواجهة واستنزاف الدب الروسي، وسقوطه في بئر الجماعات الأصولية، في أفغانستان والشيشان، وكذلك مساهمتها في دعم روسيا في تلك الحرب بجيشها ودعمها المالي، وحتى بالمواقف الدولية للقوات الصربية.


وهل ستمثل المرحلة الراهنة، بداية لصناعة شبكة عالمية جديدة متسقة من تلاميذ، سامر السويلم، الشهير بـ»الأمير خطاب»، وشامل باساييف» الشهير بـ «بن لادن روسيا»، مؤسس «وحدات المجاهدين الخاصة»، لمواجهة القوات الروسية، ودوكو عمروف، المعروف بـ» الأمير عثمان»، مؤسس» إمارة القوقاز»، عام2007، والتي تحولت لفرع تابع لتنظيم داعش حالياً، وعلي كبيكوف، الأمير الثاني لـ»إمارة القوقاز الإسلامية»، المقتول في أبريل 2015، ومحمد سليمانوف، الزعيم الثالث لـ»إمارة القوقاز»، المقتول في أغسطس 2015.


وهل ستدفع بريطانيا بالقائد العسكري الشيشاني، أحمد زكاييف؟، الحاصل على حق اللوجوء السياسي لديها، والداعم لإمارة القوقاز الداعشية حالياً، كي يكون في مقدمة صفوف المواجهة أمام أعدائه من جنود الكرملين؟، هل سيلتحف الغرب بتلاميذ «الملا عمر»، في أفغانستان، واتباع عبد الله عزام، وأسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو بكر البغدادي، وايمن الظواهري في سوريا والعراق؟!


وهل ستكون أفغانستان غرفة العمليات التي تجهز ملامح تلك المعركة في ظل وجود عداء بين حركة طالبان والجانب الروسي؟، ومحاولاتها الدائمة إثبات الولاء والتابعية للجانب الأمريكي، بعد أن تم تنصيبها على رأس السلطة في كابول في إطار صفقة سياسية تم خلالها الإطاحة بحكومة أشرف غني، فضلاً عن تحول المنطقة لبؤرة نشطة للجماعات القاعدية والداعشية، لا سيما العائدة من سوريا والعراق، بجانب قوة تنظيم «خراسان»، أحد الفروع الداعشية المتغلغلة في دول جنوب وشرق أسيا.


لا شك في أن الغرب ومن ورائه واشنطن، سيستثمر العداء التاريخي بين الجماعات الأصولية الراديكالية، وبين الجانب الروسي في إطار المواجهة المباشرة كوكيل للمعركة دون أن يكون في المقدمة مثلما حدث في نهاية الثمانينات والتسعينات، وتكوين تنظيم القاعدة لمواجهة الإتحاد الشوفيتي الشيوعي، سواء في الحرب الأفغانية أو الحرب الشيشانية أو في حروب «البوسنة والهرسك»، التي دعمتها عسكرياً ومادياً.


ثمة محاولات حالية لإثارة المشاعر الدينية والإسلامية، وصناعة مظلة لتمرير تلك الحالة، من خلال تصدير بيانات تحمل الطابع السياسي الديني من ممثلي بعض المنظمات الإسلامية الموالية للجماعات الأصولية المتطرفة، وفي مقدمتهم مفتي أوكرانيا، سعيد إسماعيلوف، ومجلس مسلمي أوكرانيا، ومثلها من المحسوبة على جماعات الإخوان الإرهابية، وترتبط بعلاقات وثيقة مع اتحاد علماء المسلمين الذي أسسه يوسف القرضاوي، وتتبنى موقفاً مناهضاً مع الجانب الروسي على طول الخط.


كما أصدر مفتي شبه جزيرة القرم، الشيخ أيدر روستيموف، بيانًا ناشد فيه مسلمي القوقاز وتتارستان وباشكورتوستان، بعدم إرسال أولادهم إلى أوكرانيا للقتال ضمن صفوف الجيش الروس، كما بعث برسائل لآباء وأمهات وأقارب المقاتلين يوضح فيها الفتوى التي أقرها بحرمة المشاركة في القتال ضد الجيش الأوكراني.


بينما أفتى الشيخ محمد الصغير، أحد أعضاء الجماعة الإسلامية في مصر، والموالي حالي لجماعة الإخوان الإرهابية، والهارب إلى تركيا، بتحريم مشاركة المسلمين في صفوف جيش بوتين، داعياً المسلمين بشكل عام للمشاركة في القتال ضمن صفوف الجيش الأوكراني، من باب «إغاثة الملهوف»، معتبراً في بيانه أن مشاركة العناصر الشيشانية لبوتين مناصرة للإثم والعدوان ودعماً للظلمين والفاسدين.


ربما كانت الشرارة الأولى لتجييش العناصر الأصولية المتطرفة للإشتراك في أتون الحرب الروسية الأكروانية، انطلقت من حساب الشيخ، مبارك البذالي، معلناً ضرورة النفير إلى أوكرانيا بدعوى حماية المسلمين فيها، والانتقام من الروس الذين قتلوا مسلمي سوريا أيضاً، لكن ولأن بوتين تعلم وأدرك دروس الماضي القريب والبعيد؛ فعمل مبكراً على استمالة فلول الجماعات المسلحة الشيشانية، للقتال بالوكالة في الداخل الأوكراني، بجانب إرسال 10 آلاف من قوات إنفاذ القانون الشيشانية، بتوافقات مع الرئيس رمضان قاديروف، حليف بوتين الحالي، بعد سنوات طويلة من المعارك التي دارت رحاها بين روسيا والشيشان منذ ديسمبر 1994 وأغسطس 1996.


فدخول عدد من العناصر الشيشانية، لقلب المعركة جنباً إلى جنب مع الدوب الروسي من شأنه إشعال الموقف، وبناء مبررت أصولية ردايكالية، تدور حول ضرورة مواجهة الجانب الروسي الشيوعي، والعدو الأول لتنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة» في كل من سوريا وخراسان وأفغانستان والقوقاز، ونقل العركة مع الجانب الروسي من ساحة القوقاز إلى الداخل الأوكراني، في إطار الحالة الثأرية مع بوتين، تحت مزاعم حماية المسلمين في  العاصمة كييف.


العالم أمام ليس حربا عالمية ثالثة فقط، لكن أمام موجة جديدة من الجماعات والحركات الأصولية المسلحة التي ستنشط وتتمدد بقوة، تحت رعاية لندن وواشنطن، للحد من تغلغل النفوذ الروسي في إطار العقيدة الجيوسياسية للرئيس بوتين، ومحاولة إعادة الإتحاد السوفيتي للمشهد ووضعه على الخريطة الدولية كقوة عظمى في مواجهة الولايات المتحدة ومن ورائه الدول الغربية، فلا يمكن تجاهل العناصر القوقازية التي أيدت ودعمت توطين تنظيم «داعش»، و»جبهة النصرة»، وتنظيم «القاعدة»، في الشمال والغرب السوري، وربما تأخد التعليمات بالعودة لمحاربة الدب الروسي، في العاصمة كييف، مثل» إمارة القوقاز في الشام»، التي أسسها «صلاح الدين الشيشاني»، و»جيش المهاجرين والأنصار»، الذي أسسه أبو عمر الشيشاني و»جند القوقاز» الذي تأسس على يد «عبد الحكيم الشيشاني»، و»مجاهدو القوقاز والشام»، وكتبية «أنصار الدين» الطاجكية، وكتيبة «التوحيد والجهاد»، وكتيبة «الإمام البخاري» الأوزبكية.


يضاف إلى ذلك تمركز حركة أوزبكستان الأصولية، الموالية لتيار السلفية الجهادية، في دول آسيا الوسطى (أوزبكستان، كازخستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، تركمنستان)، وجنوب القوقاز (أذربيجان، جورجيا، أرمينيا)، والتي ساهمت بأكثر من (5) آلاف مقاتل شاركوا في العمليات المسلحة في العمق السوري، وفقاً لما أعلنه مسؤلو الأمن القومي الأوزبكي في مارس 2015.


الواقع يشير إلى عدم نية الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدين، في إرسال قوات عسكرية لأوكرانيا، حيث أنها ليست عضواً في حلف «الناتو»، ولذلك لا تنطبق عليها المادة رقم (5) من ميثاق الحلف التي تقضي بتحريك الدول الأعضاء لقواتها للدفاع عن أحد الأعضاء في حال تعرضه لعدوان عسكري، كما أن هذه القرار الأمريكي يأتي متسقاً مع توجهات الرأي العام الأمريكية، حيث يفضل غالبية الأمريكيين عدم انخراط الإدارة الأمريكية في الصراع العسكري في أوكرانيا، ومن ثم اللعب بورقة التنظيمات الأصولية ربما يكون الأرجح في هذا المشهد العبثي الذي خلفته السياسيات الصهيو أمريكية في إطار الإستفراز المستمر للدب الروسي، الذي يحمل على عاتقه صناعة تحالفت عسكرية وسياسية واقتصادية كبرى تعيده لمشهد الخصم العنيد والمسيطر.


انتهت الحرب في القوقاز بانتهاء الحرب رسمياً في الشيشان، لكن لم تتوقف حركات التمرد في منطقة القوقاز التي تغلفت بالإطار الأيديولوجي الديني، ودارت في فلك السلفية الجهادية، وكبدت موسكو الكثير من الخسائر باستهداف جنودها ومنشآتها المدنية، ونقاط الإرتكاز والمراكز العسكرية للقوات الروسية، وفقاً لاستراتيجية وضعها أمير «إمارة القوقاز» دوكو أوماروف، قبل مقتله عام 2014.