جريمة «صالون هدى» خدش الحياء أم اختراق الوعي؟

ميسا عبد الهادى وجلال مصاروة فى لقطة من «صالون هدى»
ميسا عبد الهادى وجلال مصاروة فى لقطة من «صالون هدى»

فى فيلمه «الجنة الآن» والذى رُشح لأوسكار وحصد به عدة جوائز منها الجولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبى عام ٢٠٠٦، تاهت المفاهيم وذابت الفوارق، فلم يدرك هانى أبو أسعد المخرج الفلسطينى الهولندى الفرق بين الفدائى والإرهابى، فصنع فيلما يدين المقاومة الفلسطينية ويقدم رجالها كإرهابيين، ينطلقون بلا وعى تحت تأثير قادتهم وليس دفاعا عن وطن مسلوب، يفجرون أنفسهم فى عمليات «إرهابية» طالبين الشهادة والجنة وهم فى الحقيقة قتلة. هى رؤية مغلوطة ومزيفة للمقاومة والعمليات الاستشهادية.. رسالة يروجها الغرب وطبيعى أن تجد لها داعما ومنتجا فى هولندا وغيرها، وترحب بها المهرجانات الدولية وتمنحها الجوائز .

بعد ١٦ عاما، يقدم لنا أبو أسعد فيلما جديدا هو «صالون هدى»، وكما تطورت لغته السينمائية، تطور لديه الالتباس فى المفاهيم، فلم يعد يدرك الفرق بين المقاومة والاحتلال، الوطن والعدو، يدور فى فلك فيلمه الذى كان سببا فى شهرته «الجنة الآن» يغازل الغرب  مرة أخرى، فيلوى بخبث عنق الحقيقة بفيلم عن أحداث حقيقية، حول تورط صاحبة صالون لتصفيف شعر السيدات فى إسقاط نساء فلسطينيات للتعاون مع المخابرات الإسرائيلية.


يبدأ الفيلم بمشهد جرىء صادم للمشاهد العربى، ريم زوجة وأم لطفلة رضيعة جاءت تصفف شعرها، فقامت هدى صاحبة الصالون المهجور، بتخديرها، وتصويرها عارية تماما وبجوارها شاب تستأجره لهذا الغرض، وهى كتمثال فاقدة الوعى والإحساس طبعا، تستيقظ  الضحية فتهددها هدى بالصور وتقوم بابتزازها لإجبارها على التعاون مع المخابرات الإسرائيلية، لكنها ترفض وتهرب مذعورة. وتنقلب حياة الزوجة البريئة، فى حين تسقط  صاحبة الصالون فى يد رجال المقاومة، يقتادونها  لمخبأ مظلم، يتفحصون الصور، فيتعرفون على الشاب الذى يعاونها فى إسقاط ضحاياها، يأتون به ودون تحقيق يتم حرقه فى مشهد بالغ العنف يظهر فيه رجال المقاومة كعصابة إجرامية، وفى غرفة التحقيق المظلمة، تجلس «القوّادة» هدى فى ثبات وثقة أمام «القائد» حسن المهتز، ليبدأ المخرج لعبته المفضلة، فى مواجهة بين طرفى الواقع المرير.


فى المواجهة بين «القوادة العميلة» والقائد صاحب القضية، يشعل القائد نار المدفأة وكأنه يمهد لسهرة حميمة دافئة، يجلس الإثنان على مائدة صغيرة تقربهما تماما، يرص صور العاريات كأوراق الكوتشينة على مائدة قمار، يشعل لها السيجارة، لتحدثه بمنتهى الجرأة، وبنبل لا يليق بمثلها، تعترف بأنها المذنب الوحيد ولا ذنب للنساء اللاتى أسقطتهن.. هن ضحايا مثلها لزوج ظالم، ومجتمع يعانى الازدواجية ويمارس الظلم على الضعيف، ظلمها زوجها وحرمها المجتمع من أبنائها فسارت فى طريقها، تعمل مع المخابرات مقابل ١٤٠٠ شيكل تراجعت لـ ٨٠٠  بعد انتشار الفيس بوك، فلم يعد هناك احتياج لمثلها! نعرف أنها تختار ضحاياها من النساء اللاتى يعانين فى حياتهن الزوجية حين يعلق حسن متأملًا صور العاريات عن ذوقها فى اختيار الجميلات! ويلاحظ اهتمامها بحماية صاحبة الصورة الأخيرة (ريم)، تعترف هدى بأنها لم تعمل معها أبدًا فهى مظلومة، وهى زوجة، لكنه  يأمر رجاله بمطاردتها، ليحول حياتها لجحيم وتسقط  ريم بلا سند فى دوامة، بين «إرهاب» المقاومة وزوج ضعيف لا يشعر بمعاناتها (فى الفيلم لن تجد رجلا سويا، فهم إما ضعفاء مرتعشون لا قيمة لهم،

أو رجال عصابات يثيرون الفزع فى النفوس ولا عجب فى فوزه الخميس الماضى بتنويه من مهرجان بيروت لسينما المرأة)!.. يقترب الغريمان أكثر، ويستجيب لطلبها بمعرفة سر انضمامه للمقاومة و«الحياة على كف عفريت»؟! فيقبل التعرى أمامها بسهولة ويعترف بأنه خان (مهند) صديقه الطيب الجبان الذى رفض إلقاء (دُشمة) على سيارة الاحتلال، ليلقى بها هو ويصيب الهدف، لكن صفعة قوية على وجهه كانت كفيلة بدفعه للاعتراف ظلما على صديقه البرىء، ودلهم على بيته ليقتلوه أمامه فى الحال، ومن هنا يقرر التحول من جبان خائن، لمقاوم شجاع ! هكذا تضعنا المواجهة الخبيثة فى مقارنة بين الغريمين، هو بجبنه وخسته وخيانته لصديقه، وهى بشجاعتها ونبلها فى تحمل المسئولية كاملة لحماية ضحاياها وليس حماية أصدقائها!!تتحول الدفة فى مشاهد المواجهة لتبدو وكأنها تحقق معه، وهو يتطهر أمامها مرتعشا حزينا، وتبدو هى الأقوى شخصية ولسانا وحجة وهو ضعيف مهتز العقيدة وليس ندًا لها!.


يتهمها بعصبية بإسقاط النساء الفلسطينيات للتعاون مع العدو، فتسأله عن ماهية العدو؟ أليس المجتمع الظالم أهله بعدو؟! فيثور هائجا بلا حجة ليسقط أمامها وأمام المشاهد وهى تسخر من عصبيته بعدما تعرى أمامها !.


يغلق حسن النور فى وجه هدى حاكما بالنهاية بعد اعترافها، ويعدها بأن ينفذ طلبها الأخير بألا يطلق الرصاص على رأسها، فيأمر الرجال بذلك. تقف هدى فى شموخ وهى تذهب للموت الذى استعدت له، وتسلم على حسن بيدها ويبادلها السلام فى احترام متبادل كغريم شريف!!
تُعدم، بعيدا عن الكاميرا، وتبقى ريم والفلسطينيون فى دوامة ومعاناة لا تنتهى.


يمارس المخرج لعبته المفضلة، بحرفية عالية، يؤكد ادعاءات الغرب التى حاولت ومازالت تشويه القضية الفلسطينية باختراق الوعى وتزييف الحقيقة، حوار مكتوب بذكاء شديد، يدعمه تكوينات ذكية لكادرات، واختيار حجم اللقطات وحركة الكاميرا، والإضاءة والألوان التى عكست البهجة والحياة فى مقارنة بين اختيار هدى للزهور والألوان كديكور لصالونها الخارجى المتصل بالجانب الآخر، وألوان ملابس رجال المقاومة والحياة بشكل عام بين الرمادى والأسود والتى تعكس قسوة وقبح الواقع خلف الجدار العازل.. وكان الطُعم الأكثر خبثا، هو ظهور الممثلة الفلسطينية مايسة عبد الهادى عارية تماما ليترك العرب كل ما فى الفيلم من رسائل خبيثة، ويقيمون الدنيا مطالبين برأس المخرج والممثلة المتهمين بخدش حياء المشاهد، وكأن الفيلم بكل ما فيه لم يخدش حياءهم!