دراسة حكومية جديدة تكشف مأساة: 61 % من ذوات الهمم ضحية للعنف الزوجى!

العنف الزوجى
العنف الزوجى

هبة بيومى

عندما تتعرض المرأة لأى من أشكال العنف على يد الزوج قد تعجز عن إمكانية الإبلاغ عما تعرضت له، فماذا عن هذه المرأة إذا كانت تعانى نوعًا من الإعاقة التى تحول دون الإفصاح عن صرخاتها المكتومة ليصل صوتها للمجتمع؟! من هذا المنطلق أجرى المجلس القومى للمرأة بالاشتراك مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء دراسة عنوانها "العنف ضد المرأة ذات الإعاقة" ترصد حجم هذه الظاهرة المأساوية.
تستهدف الدراسة وضع إطار قانونى للحد من هذه الممارسات التى كشفت أن 61% من الزوجات ذوات الإعاقة يعانين التعرض للعنف على مدار حياتهن الزوجية وأكثر من ثلثهن تعرض للإصابة جراء هذا العنف، وأكثر من الثلثين تعرض للإصابة أكثر من مرة.

 

شادية عطية استشارى متابعة وتقييم البحوث بالمجلس القومى للمرأة، قالت بعد تحليلها البيانات وإعداد التقرير النهائى للمسح، إنه شمل 5616 امرأة من النساء اللواتى يعانين إعاقات حركية أو سمعية أو بصرية أو متعددة ممثلة من جميع محافظات الجمهورية، وأسفرت النتائج عن أن نحو 61% من النساء (البالغات من العمر 18 عامًا فأكثر) السابق لهن الزواج، ذوات الإعاقة والمستفيدات من برنامج كرامة، تعرضن خلال حياتهن لبعض أشكال العنف على يد الزوج، منهن 54% تعرضن لعنف نفسى و43% لعنف بدنى، و34% لعنف قائم على الإعاقة، و20% لعنف جنسى، بينما 14% من النساء السابق لهن الزواج عانين الأنواع الأربعة من العنف على يد الزوج خلال حياتهن.


وتشير إلى تعرض نحو 36% من النساء السابق لهن الزواج للعنف على يد الزوج مؤخرا (خلال الـ12 شهرًا السابقة على إجراء المسح)، وتعرض 30% لعنف نفسى و16% لعنف بدنى و22% لعنف قائم على الإعاقة، حيث إن غالبية النساء اللواتى تعرضن للعنف على يد الزوج خلال الـ12 شهرًا السابقة على إجراء المسح، تعرضن لهذا العنف أكثر من مرة، وكانت السلوكيات مثل التحكم المالى من جانب الزوج وقبول النساء ضرب الزوجة وخوفهن من أزواجهن تزيد من احتمالية تعرض النساء للعنف على يد الزوج.


وكانت أعلى المعدلات لجميع أنواع العنف على يد الزوج خلال حياة النساء الزوجية (بما فى ذلك العنف خلال الحمل) بين النساء المطلقات أو المنفصلات، وكانت النساء تحت عمر 35 سنة فأكثر، أكثر عرضة للعنف على يد الزوج فى الآونة الأخيرة، وكان التعرض للعنف النفسى أو البدنى على يد الزوج خلال حياة المرأة أكثر شيوعا بين ذوات الإعاقة البصرية عنه بين اللواتى يعانين أنواعًا أخرى من الإعاقات.


بينما كانت النساء اللواتى لديهن إعاقة سمعية أكثر عرضة للعنف الجنسى أو العنف القائم على الإعاقة، كما أنهن كن أكثر عُرضة للتعرض للعنف البدنى، فى حين تعرضت نسبة كبيرة من النساء ذوات الإعاقات المتعددة واللواتى يعانين إعاقات شديدة إلى عنف نفسى أو بدنى أو جنسى أو عنف قائم على الإعاقة من جانب أزواجهن وذلك خلال العام السابق على المسح، فنحو 31% من النساء ذوات الإعاقة المتعددة تعرضن للعنف على يد الزوج، ونصف النساء اللواتى يعانين إعاقة شديدة فى السمع وثلث النساء (33%) اللواتى يعانين إعاقة شديدة فى الرعاية الشخصية، وما بين 22 إلى 29% من النساء اللواتى يعانين إعاقات شديدة أخرى تعرضن لأحد أشكال العنف الزوجى، ونحو 13% من النساء اللواتى حملن فى أى وقتٍ مضى تعرضن للعنف البدنى أثناء الحمل على يد أزواجهن، وحدث معظم هذا العنف أكثر من مرة.


كما أن معدل العنف البدنى الذى يرتكبه الأزواج فى أثناء الحمل أعلى بكثير من بين النساء دون عمر 25 عامًا (21%) من النساء الأكبر سنًا، فنحو ثلث النساء اللاتى تعرضن للعنف البدنى أو الجنسى على يد الزوج (32%) تعرضن للإصابة نتيجة هذا العنف ونحو ثلثى هؤلاء النساء تعرضن للإصابات أكثر من مرة (64%)، واحتاج ثلثا النساء (66%) المعتدى عليهن والمصابات بسبب أزواجهن إلى خدمة طبية ونحو 14% لم يتلقين الخدمة الطبية رغم الحاجة إليها، حيث يعتقد نحو 22% من ضحايا العنف الزوجى أن إعاقتهن أثرت فى تعرضهن للعنف الزوجى.


من جانبها، تقول الدكتورة مايا مرسى، رئيسة المجلس القومى للمرأة: لقد بذلت الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية جهودا كبيرة من إصلاحات قانونية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، والتزمت مصر بالاتفاقيات الدولية والإعلان العالمى لمناهضة مختلف أشكال العنف ضد المرأة. ومن هذا المنطلق نفذ المجلس القومى للمرأة هذه الدراسة المسحية بالشراكة مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وبدعم من منظمات الأمم المتحدة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائى وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة)، فإذا كان جميع النساء معرضات لأشكال مختلفة من العنف، فإن ذوات الإعاقة أكثر عرضة لخطر العنف وأقل قابلية للإدلاء به، كما أنهن أكثر عرضة من الرجال ذوى الإعاقة والنساء غير المعاقات لخطر التعرض للعنف وسوء المعاملة.


وتوضح أن العنف ضد النساء ذوات الإعاقة يحدث فى المقام الأول نتيجة المواقف تجاه المرأة فى المجتمع الذكورى مقرونة بالضعف الناجم من الظروف التى تنتج عن الإعاقة نفسها، فالعنف ضدهن ليس مجرد مجموعة فرعية من العنف القائم على النوع الاجتماعى، بل هو فئة متعددة الجوانب تتعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعى والإعاقة، ويؤدى اجتماع هذين العاملين إلى تعرض النساء ذوات الإعاقة لعنف شديد، فرغم أنهن يتشاركن العوائق التى تواجه أى امرأة أخرى للهروب من العنف أو إنهائه، فإن هناك عوائق أخرى تؤثر تحديدا فى ذوات الإعاقة وتشمل زيادة الاعتماد على الجانى للحصول على الرعاية والافتقار للدعم الاجتماعى ممن يقومون على رعايتهن والعزلة الاجتماعية التى يعيش فيها كثيرات منهن، وعوائق التواصل التى تعوق الإبلاغ عن العنف، والخوف من الإيداع فى المؤسسات كونهن أقل قدرة جسديًا للدفاع عن أنفسهن، وصعوبة الاتصال بالجهات المعنية للتدخل، وعدم الحصول على معلومات عن الخدمات المتاحة لهن، وكذلك الصعوبات التى تواجههن فى الوصول لوسائل مواصلات.


من جهته، يقول اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء: يمثل الأشخاص ذوو الإعاقة أكبر أقلية فى العالم، إذ تبلغ نسبتهم فى المتوسط 15% من سكان العالم والإعاقة أكثر شيوعا بين النساء منها بين الرجال، حيث يشير التقرير العالمى عن الإعاقة إلى أن نسبتهن 19% مقارنة بـ12% من الرجال، كما أنه لم يُجرَ أى مسحٍ فى مصر لتحديد مدى انتشار ووقوع مختلف أشكال العنف الذى تتعرض له النساء والفتيات ذوات الإعاقة، حيث يعد وجود البيانات الدقيقة شرطا أساسيا لفهم طبيعة هذه الظاهرة، ومدى انتشارها لصياغة سياسات عامة وتدخلات أكثر فاعلية لمناهضة العنف ضد النساء ذوات الإعاقة بشكل فعال.


ويوضح أن غياب انتباه الباحثين لقضية العنف ضد النساء ذوات الإعاقة يسهم فى حجب الرؤية عن إيذائهن، لهذا جاء مسح العنف ضد المرأة ذات الإعاقة لعام 2020 الذى صدرت نتائجه قبل أيام، بهدف جمع وتحليل ونشر معلومات وافية تتعلق بالعنف الذى تتعرض له النساء ذوات الإعاقة، وتوفر هذه المعلومات لصانعى السياسات والمخططين البيانات القائمة على الأدلة، ما يسهم فى تصميم وتنفيذ البرامج الفعالة التى تهدف إلى معالجة أو منع العنف ضد النساء ذوات الإعاقة بشكل صحيح.