عالم الخصوبة بأمريكا: أتمنى إقامة صرح طبي للأمراض الوراثية بأسيوط | حوار

الدكتور هشام جريس
الدكتور هشام جريس

- يتبنى إقامة صرح طبي للأمراض الوراثية بأسيوط

-تعاون مع المراكز البحثية يساهم في توطين دودة القز وصناعة الحرير في مصر

-تطبيق أبحاث دكتور جريس في دول أفريقيا وأمريكا و52 دولة أخرى

-القبطي الوحيد الذي نشر أبحاث في مجلة الأزهر العلمية

-أهدر دمه من الجماعات الإسلامية مرتين وأطلقوا عليه لقب فضيلة الدكتور هشام

-بعد 38 قتيلا و92 مصابا نجح في عقد الصلح بين عائلات مير بأسيوط

 

لم يتردد الدكتور هشام فؤاد جريس عالم الجينات الوراثية بالولايات المتحدة في رد الجميل إلى وطنه الأم مصر، بعدما تواصل معه أبناء الوطن ليساهم بعلمه وخبرته في مجاله، وبناء مستشفى متخصص في علم الأجنة وأمراض الذكورة بأسيوط، على غرار مستشفى الدكتور مجدي يعقوب للقلب في أسوان.

 

قائمة الشهادات العلمية والدراسات التي اجتازها الدكتور هشام جريس خلال رحلته العلمية تؤكد على نبوغه والمكانة البارزة التي وصل إليها في حياته العلمية، لم تأت من فراغ. حيث حصل على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة وعلى درجة الدكتوراه في الانتقاء الجيني من الأكاديمية البلغارية.

 

وحصل على درجة الأستاذية الفخرية في الأكاديمية الأوكرانية، وهو أيضا مدير مختبر إكلينيكي معتمد عالي التعقيد (HCLD)، ومدير مختبر علم الأجنة (ELD) من المجلس الأمريكي للتحليل الحيوي (ABB). والمتخصص معتمد في بنك الأنسجة من الجمعية الأمريكية لبنوك الأنسجة (AATB).

 

شغل جريس العديد من المناصب المرموقة، بما في ذلك مدير مختبر مركز الغرب الأوسط للخصوبة في منطقة شيكاغو، ومدير مختبر مركز بألم بيتش للخصوبة ومشرف علم الأجنة وأمراض الذكورة في مركز التكاثر البشري في إلينوي بشيكاغو.

 

نشر الدكتور جريس أكثر من 50 بحثا في 10 دول حول الانتقاء الجيني، ولكن أكثر ما يفتخر به إنه القبطي الوحيد الذي نشر بحثا في مجلة الأزهر العلمية. زار أكثر من 25 دولة بصفة مهنية، وجل ما يفتخر به، عندما رفع العلم المصري وعزف السلام الجمهوري أثناء زيارته لمستشفى بن جوريون بإسرائيل.  

كان لقائي مع الخبير المصري، من خلال السفير سامح أبو العنيين، قنصل عام شيكاغو، وولايات وسط الغرب الأمريكي، المشهور بأنه صاحب بيت المصريين بشيكاغو، والحريص على خلق جسر دائم بين أبناء الجالية المصرية من علماء وخبراء وربطهم مع وطنهم الأم للاستفادة من خبراتهم.

 

للدكتور هشام جريس عالم الجينات الوراثية، صولات وجولات وقصص درامية فريدة، تصلح أن تكون دراما تليفزيونية، لما تتمتع بها من روح الفكاهة والمغامرة والبطولة امتدت عبر أربعين عاما قضاها في مصر قبل أن يعقد العزم على الهجرة إلى الولايات المتحدة، ويبدأ حياته من جديد. كان بطلا رياضيا على مستوى الجمهورية وأفريقيا، وقناص معتمد بالولايات المتحدة في ضرب النار عن 600 ياردة ، أهدر دمه مرتين على يد الجماعات الإرهابية، ورفض اختراعه من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ولم يستسلم، فمنحته الأكاديمية الأوكرانية درجة الأستاذية الفخرية على نفس الاختراع، تم استخدام فكرته في غانا، وأوغندا، وجنوب أفريقيا. واليوم يري نجاح فكرته التي نادي بها قبل عشرين عاما تتحقق في أرض الوطن. وبين مصر والولايات المتحدة رحلة طويلة من الجهد والعرق والمثابرة وتاريخ طويل يرويه لنا عالم الجينات هشام جريس في هذا اللقاء.

س: قبل الحديث عن البدايات، شاركت في كتاب صدر عن هيئة الطاقة الذرية ما هي قصة تعاونك مع هذه الهيئة الدولية؟

ج: أعدت هيئة الطاقة الذرية كتابا بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حول كيف تنشئ الدول النامية مراكز قومية للأورام.  والتي تعد مورداً رئيسياً في ضمان اتباع نهج شامل لعلاج السرطان والتخطيط له. كجزء من خارطة طريق جديدة طورتها منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة البلدان على تصميم برامج وطنية لمكافحة السرطان. 

يوضح الكتاب وسائل تطوير هذه المراكز والأطر المستخدمة كدليل للتنفيذ. تشرف على هذا المشروع الدكتورة مي مصطفي عبد الوهاب، نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية في فينا،  وقد تبرعت في هذا الإصدار ببحث حول ما انتهي إليه العلم من المواصفات القياسية لإنشاء مثل هذه المراكز في الولايات المتحدة، وصدر الكتاب في فبراير 2022. ويحمل عنوان Setting Up a Cancer Center: A WHO—IAEA Framework.

 

 س: هاجرت للولايات المتحدة الأمريكية عام 2000، وأنت على مشارف الأربعينيات، ألم تخشى من البدايات الجديدة؟

ج: أنا إنسان لا أخشى إلا الله، أؤمن أن رزقي لن يأخذه غيري، حيث جاء تكليفي بعد التخرج من طب القصر العيني في 1983، بقرية مير محافظة أسيوط، وهي مسقط رأس والدي، وفي ذات الوقت كنت مهتم بمجال الجينات، وأعمل على الدكتوراه في الجينات، واخترت دودة القز لأجري عليها الأبحاث، وعلم الجينات ينقسم لنوعين، إما التحاليل لتحديد المرض، وأو استنباط علم الوراثة.

وفي تلك الآونة، كان لدي اختلاف مستمر مع مركز البحوث وما أقدمه من أفكار تقدمية. اختارني الدكتور يوسف والي لإحدى اللجان النوعية، وأصر رئيس قسم الحرير على أننا دولة من المستحيل أن تكون منتجة للحرير. وحتى لا ادخل معه في سجال عميق، طبقت أفكاري عمليا، وأرسلت متخصص في شهر ديسمبر إلي صديقة بالمنصورة لديها شجر توت، لتطبيق نظريتي عمليا، وبعد نجاح التجربة، أرسلت النتائج للدكتور والي. 

والحمد لله بعد 20 عاما، والتغير الذي طرأ على مصر، حاليا تجرى اتصالات بيني وبين يسرية ساويرس، الدكتورة سعاد محمد، رئيس قسم الحرير بالإسكندرية والدكتور محمود سعد، رئيس مركز البحوث بالزقازيق لعمل توطين زراعة الحرير، مؤكدين على أن ما قدمته من أفكار في نهاية التسعينيات كان متقدما، وعلى الفور ابلغتهم باستعدادي للتعاون معهم.

 

س: تخرجت في مرحلة تعج بالتيارات الإسلامية المتشددة كيف كانت أجواء دراستك، وما هي ذكرياتك عنها؟

ج: صدق المثل القائل، مصائب قوم عند قوم فوائد. دوما كنت طالب رياضي ومتفوق في دراستي، حصلت على ميداليتين ذهبيتين في بطولة شرق ووسط إفريقيا لألعاب القوى في 1981، 1982. وليس لي نشاط غير هاتين المهمتين، في السنة الأولي بطب القصر العيني أثناء تولي الدكتور هاشم فؤاد، كان له موقعه حربية ضد الجامعات الإسلامية شهيرة، بعد الإعلان عن حفل للفنان هاني شنودة بالجامعة، فوجئت بطلب تم استدعاء لي مع الزميلين محمود عبد العال، ومحمد الخطاط وهما أيضا أبطال رياضيين. ونظرا لأن القانون يمنع دخول الشرطة للحرم الجامعي، كانت مهمتنا حماية رئيس الجامعة أثناء الحفل، لإصرار الجماعات الإسلامية على عدم إقامة الحفل وفرض سطوتهم. في البداية رفضنا، انا بحجة انني قبطي ومش عاوز مشاكل، وأخر بحجة انه لاجئ عراقي شيعي، والزميل الثالث التزم الصمت، ورغم هذا أصر هاشم فؤاد على تنفيذ المهمة، وانتهت الموقعة بإقامة الحفل، وكان من تبعاتها، إهدار دمي ودم الزميل العراقي.

أما الجانب المشرق هنا، حرصا على حياتي، أصبح تواجدي بالجامعة للدراسة فقط دون أي فسحة من الوقت بين المحاضرات، وهذا جيد بالنسبة لطالب الطب. فضلا عن إصدار تصريح خاص لسيارتي لدخول الحرم الجامعي، وكنت الطالب الوحيد الذي اجتاز عام الامتياز بعيدا عن القصر العيني بين معهد القلب ومعهد السرطان. 

 

س: حصلت على الدكتوراه من بلغاريا، كيف انتهيت إلى الولايات المتحدة الأمريكية؟

ج: قبل توجهي لبلغاريا، للحصول على درجة الدكتوراه، قدمت فكرة اختراع تساعد على تطوير تشرنق دودة القز، وتم رفضها. لم أيأس، وانتجت فكرتي. وفي ببلغاريا قدمت ٥٠ وحدة من تلك التجربة ومثلهم للأوكرانيين، وفوجئت بمنحي درجة الدكتوراه الفخرية، بعد أن تفوقت بها على الوسائل اليابانية والكورية والسوفيتية. 

 

وغادرت من بلغاريا إلى الولايات المتحدة، لاسيما وأنني شارفت على الأربعينيات من العمر ولم أسس أسرة بعد، نتيجة الظروف المتلاحقة، حيث تقرر إهدار دمي للمرة الثانية أثناء تواجدي بأسيوط بوصفي مسيحي، ولكني نجحت في تحويل الموقف لصالحي بالود والحب، إذ شرعت في عقد صلح في موقعة ثأر ضخمة عام 1997، سقط خلالها 38 قتيلا و92 مصاب طلق ناري، وعقب الصلح أطلق على رسميا مسمى فضيلة الدكتور هشام، ورئيس الجماعة الإسلامية في أسيوط ورئيس الإخوان في تلك المرحلة قالوا وجب علينا حمايته لأنه حقن دماء المسلمين. ولدي محضر الصلح الذي عقد في منزلي، بحضور الدكتور سيد عمر رئيس مجلس المصالحات.

تلك المرحلة كانت فترة رعب لأسرتي رهيبة، أحمل السلاح دائما، كل هذه الملابسات ساهمت بشكل ما في قرار السفر. والحمد لله، بعد كل هذه السنين يتواصل معي أبناء قرية مير لإنشاء مستشفى سعة 500 سرير متخصص على غرار مستشفى مجدي يعقوب، والأهم أن المسلمين والمسيحيين مجتمعين معا على الصالح لبلدتهم. 

 

س: درجتك العلمية في دودة القز، والأن تعد واحدا من أشهر الأطباء في تخصصك كيف كان هذا التحول؟ 

 ج: ببساطة، تركت الحرير وتعمقت في الجينات، أنا متخصص جينات، ومن ضمن أعمالي الاستنساخ، وفي نفس الوقت طبيب في مصر، وبنصيحة من خالي رئيس قسم أمراض النسا في جامعة شيكاغو، أن أتوسع في دراسة الجينات والعمل في مجال أطفال الأنابيب. وربنا وفقني.

                                                       

س: ما هو الجديد في علم الجينات والذي تتناوله الدوائر العلمية؟

ج: في مجال الجينات وتحديد نوع الجنين والأمراض الخلقية، لم يعد هناك جديد. بعدما صارت كلها قديمة. ولكن الجديد فعلا هو إجرائها بدرجة أسرع وبتقنية عالية عما قبل.

لكن الجديد في علم الوراثة والمعروف بـ Crispr technology أو تعديل في الجينات، كأن نتحكم مثلا في لون عين الجنين، وبالفعل تم تجريب الفكرة بالصين، لكن تم وأدها من البداية، ورفضها المجتمع الأخلاقي، وأصبحت محرمة دوليا، وتطبق على الحيوانات فقط، قد يعود من أسباب الرفض المجتمعي لهذا التعديل، التبعات والأضرار بعد تعديل الجين فيما بعد على الإنسان. وتوقف الجدل حول تلك القضية مع ظهور كوفيد 19.

 

س: هل هناك تعاون بينك وبين زملاء لك من مصر؟

ج: دائما أسعى لنقل التكنولوجيا الحديثة للزملاء، وحاولت مؤخرا إمدادهم بخط إنتاج لـ "الإبر" التي تستخدم في حقن الحيوان المنوي داخل البويضة، والمعروفة بالحقن المجهري، وهي تقنية فائقة الدقة، ولا ترى بالعين المجردة، وتًصنع فقط في أمريكا وأوروبا وكوريا، وهذا المشروع من الممكن أن يصدر إلى أفريقيا ومعظم أسيا.

هذا العمل أقوم به في الولايات المتحدة وودت أن ينفذ في مصر، وقوبلت برفض شديد بحجة وأننا لن ننافس بلدان سبقتنا بعشرين عاما، في حين أنه من الطبيعي ان تتفوق علينا. ولن تكون بذات الجودة في البداية، ولابد من المحاولة وإلا سنظل تستورد طول عمرنا، خافوا من التجربة.

س: بعد 20 عاما في المهجر ماذا تقول عن انجازاتك؟

ج: الحمد لله أنا رئيس فريق التفتيش على المختبرات في العالم، والتي تعد أعلي هيئة بالولايات المتحدة، نجري عمليات المراقبة على مستشفيات مثل كليفلاند كلينك، مايو كلينك، وغيرها، ولدي معمل الخصوبة والتبريد.

والحقيقة أن أكبر انجاز أراه في حياتي أنني القبطي الوحيد الذي نشر له أبحاث في مجلة الأزهر الشريف العلمية، كما أفتخر برفع العلم المصري وعزف السلام الجمهوري، لي أثناء عملي لمشروع تابع لليونسكو في جامعة بن جورين لتطوير مشروع خاص بأفريقيا، وأقصي ما يحققه المرء، أن يحترمه عدوه لشخصي وعلمي، هذا هو الإنجاز.

 

س: هل تنوي العودة لأرض الوطن؟

ج: أنا على استعداد أن أنقل خبراتي العلمية كصدقة جارية، وأرسل زملائي الأطباء لتعليم زملائنا المصريين أسرار التقنيات العلمية في مجالي. لوجه الله، حتى يتذكروني في يوم من الأيام بالخير.

اقرأ أيضًا: زوجة الدبلوماسي.. الجندي المجهول والموظف بلا راتب