عاجل

أب يقتل طفله ويُجهض زوجته الثانية للهروب من النفقة

الطفل المجني عليه
الطفل المجني عليه

إسلام عبدالخالق
يظل الإنسان طيلة عمره يحلم باليوم الذي يتزوج فيه ليأتي إلى الدنيا بولدٍ يحمل اسمه وصفاته، ويحمل سيرته من بعده، لا يتمنى لأيٍ من أهل الدنيا أن يتفوق عليه سوى ذاك الولد، لكن ما فعله «علي» فاق في قساوته الحجارة؛ بعدما انتزع من قلبه الرحمة وأنهى حياة طفل لم يقترف ذنبًا في الحياة سوى أنه جاء إلى الدنيا ابن له، وقتله شر قتلة خشية تحمل نفقاته، وزاد الطين بله واقترنت جريمته بأخرى؛ أجهض خلالها زوجته الثانية حال تدخلها للدفاع عن الصغير.

على بُعد أمتار من الطريق الرئيسي، وداخل مسكن بسيط يقع في الطابق الثالث من المدخل الأول للبناية رقم 11 بالمجاورة التاسعة والخمسين بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، وبينما تقترب الساعة من منتصف الليل، كانت نهاية القصة والمشهد الختامي؛ إذ علت يدا «علي» لتهوى على مؤخرة رأس طفله «معاذ» ذي السنوات الثلاث والأشهر العشرة، ضربة لم يتحملها الصغير ليسقط أرضًا وقد فارق الحياة بعدها، وبين هذا وذاك تدخلت زوجة الأب للدفاع عن الفتى رأفةً بحاله وهوَّ ليس ابنها، لكنها دفعت ثمن تدخلها ونالت نصيبًا من تهور زوجها الذي لطمها هيَّ الأخرى ليتسبب في إجهاضها.


تفاصيل متشابكة وخيوط لا تقود لشيءٍ طيب سبق الجريمة، وكانت البداية قبل سنواتٍ بالكاد تصل إلى خمس، حين وافقت تقدم «علي» لخطبة «أسماء» وسرعان ما تم الزواج، لكن القدر لم يكتب لتلك الحياة الزوجية أن تستمر لأكثر من شهرين، وانتهت الأمور بانفصال الزوجين، فيما لاذت الزوجة بأهلها ومكثت لديهم رفقة طفلها «معاذ» الذي رباه جده لوالدته وكأنه ابنًا له لسنواتٍ ثلاث وبضعة أشهر مرت هادئة حتى أذن الله بمن أُعجب بالأم وطلب يدها للزواج وتمت الزيجة ليل الأربعاء التاسع من شهر يونيو من العام الماضي، لتعرف الارتباط بآخر بعد طليقها، الذي ارتبط كذلك بغيرها قبل بضعة أشهر، لكن ما هي إلا ساعات حتى فوجئ الجميع عشية الجمعة الثانية من شهر يونيو الماضي بجلبة في مدخل بلدة الأم المعروفة بـ «قرية الجمايلة» التي تتبع مركز شرطة أبو حماد، وحينها كان صراخ الأم عاتيًا وهي تُفارق يد طفلها بالإكراه من جانب والده (طليقها) الذي استعان بملثمين وتمكن في النهاية من خطف الطفل ولاذ بالفرار.

خطف وتهديد وقتل

لاذت الأم إلى والدها وهرعَّ الجميع إلى مركز الشرطة للإبلاغ عما حدث، في بلاغ رسمي لم يقُد إلى عودة الطفل أو حتى التوصل إلى الأب ومكان اختبائه، وانتهت الأوراق حينها بتقييد ما حدث في قضية نزاع على صغير حملت رقم 458 بسجلات محكمة الأسرة في أبو حماد لسنة 2021.

ظلّ النزاع قائمًا بين الطرفين دون أية خيوط تقود إلى مكان الطفل أو والده، الذي تبين أن الأخير قد استقل بزوجته بعيدًا إلى جوار عمله في أحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان، في خطوات ظلت بعيدة عن معلومات الجميع من أفراد أسرة طليقته وأقاربها، وعلى الرغم من جلوس كبار الطرفين في جلسة عرفية لأجل التوصل إلى حلول -لم يكن جد الطفل لوالدته يرجو خلالها أكثر من أن ينعم بدفء قُرب حفيده وتربيته، إلا أن الحلول استحالت، وبعد مرور ثمانية أشهر ويومين، وبالتحديد صبيحة يوم الأحد 13 فبراير الجاري، قضت المحكمة بأحقية جدة الطفل لوالدته في حضانة الصغير، وتبع ذلك أحقيتها أيضًا في نفقة من والده، لكن الأخير فور علمه بما صدر من حكمٍ أخذ في محاولة استمالة الطفل بكل السُبل، تارةً بالترغيب ومراتٍ بالترهيب، لأجل أن يذهب رفقة اباه إلى محكمة الأسرة ويُقر الصغير هناك بأنه يرغب في العيش رفقة والده، إلا أن الفتى لم يكن يستجيب أو يُغير وجهة طلبه في العيش رفقة والدته أو جده لوالدته، في تفاصيلٍ أكدها جد الطفل لوالدته خلال حديثه لـ«أخبار الحوادث» منوهًا بأن الأب لم تعرف الرحمة طريقها إلى قلبه حين أقدمَّ على قتل الصغير شر قتلة.


سرد الجد تفاصيل ما دار ليلة قتل حفيده، مؤكدًا على أنه قد نما إلى علمه أن الأب قد حاول بشتى الطرق تغيير إرادة الطفل ودفعه للشهادة بطريقةٍ تضمن للأب التنصل من سداد النفقة التي أقرتها المحكمة، إلا أن الصغير كان يرفض على الدوام، ليتبع الأب أساليب الضرب ويهوى لاطمًا مؤخرة الفتى، وسبق ذلك تعذيبه للطفل بواسطة عصا خشبية -بحسب حديث الجد-، واقترنت تلك الجريمة بأخرى أنهى خلالها الأب حمل زوجته الثانية وتسبب في إجهاضها، وفق ما أكده الجد.

فور التأكد من وفاة الصغير أسرع الأب «علي م م» وشهرته «علي الحنفي»، ابن الثلاثين ربيعًا، إلى قسم ثالث شرطة العاشر من رمضان، يُبلغ بوفاة ابنه الطفل «معاذ» البالغ من العمر ثلاث سنوات وعشرة أشهر، جراء تعرض الصغير لحادث تصادم، لكن جهات الأمن في قسم الشرطة عاشر من رمضان، ومن خلال مراجعة الكاميرات الموجودة في نطاق المنطقة التي زعم الأب تعرض الصغير خلالها للحادث، تبين كذب ادعائه، وحين واجهه رجال مباحث القسم بذلك اختلق رواية جديدة مفادها أن الصغير قد سقط من شرفة المسكن الكائن في الطابق الثالث، وتبين كذب ذلك أيضًا حين انتقل رجال الأمن إلى المنطقة وراجعوا الشرفة ومكان السقوط المزعوم، وبتضييق الخناق على الأب أقر؛ بأنه قد ضرب طفله المجني عليه حتى فارق الحياة جراء لطمة على مؤخرة رأسه، فيما جرى التحفظ على الأب المتهم تحت تصرف جهات التحقيق، التي أمرت بانتداب لجنة من الطب الشرعي لتشريح الجثة، وصرحت بالدفن عقب الانتهاء من الصفة التشريحية، وقررت حبس المتهم على ذمة التحقيقات، قبل قرار قاضي المعارضات بمحكمة العاشر من رمضان الجزئية بتجديد الحبس لمدة خمسة عشر يومًا إضافية.


النهاية

التفاصيل الأكثر فزعًا كانت حاضرة حين دفن جثة الطفل في مقابر البلدة القريبة من قرية والدته، إذ فوجئ الجميع بأضواء تشق سكون وظُلمة المنطقة، قبل أن يتبين أن هناك من يتخفى ليلًا لأجل الانتهاء من دفن الجثمان في مقبرة اسرة والده، ووصل الأمر إلى جده لوالدته ليعُم الحزن قلوب الأسرة، وبين هذا وذاك عبارة ظلت تتردد على لسان الجد وهوَّ يبكي نادبًا حظ الطفل العثِر الذي لم يتركه والده يعيش رفقته: «كان سابه يتربى في حضني ومكنتش عاوز منه حاجة.. فلوس إيه ونفقة إيه اللي يقتل ضناه عشانها.. حسبي الله ونعم الوكيل».