وصفة بريجنسكى فى أفغانستان يتم تطبيقها بأوكرانيا

«آخر ساعة» تكشف تفاصيل اللعبة الأمريكية في الحرب الروسية الأوكرانية

اللعبة الأمريكية
اللعبة الأمريكية

دينا توفيق

يبدو أن الرئيس الأمريكى «جو بايدن» حث على الغزو الروسى لأوكرانيا لإفلاس الاقتصاد الروسى والدفع إلى تغيير النظام، لكن هل تنجح الاستراتيجية هذه المرة؟.. اشتُهر مستشار الرئيس الأمريكى السابق «جيمى كارتر» لمجلس الأمن القومي، «زبيجنيو بريجنسكي»، بالتباهى بأنه من تسبب فى غزو سوفيتى لأفغانستان فى ديسمبر 1979 من خلال دعم الأصوليين الإسلاميين. كانت لهذه الاستراتيجية أضرارها الجانبية، حيث تسبب الغزو السوفيتى لأفغانستان فى تدميرها ونمو القاعدة، ولكن كل هذا لم يكن ذا أهمية بالنسبة لـ «سيد الشطرنج الكبير»، الذى قال لأحد المراسلين آنذاك: «ما هو الأهم فى تاريخ العالم؟ طالبان أم انهيار الإمبراطورية السوفيتية؟ بعض المسلمين الثائرين أم تحرير وسط أوروبا ونهاية الحرب الباردة؟ والآن، استبدلت أفغانستان بأوكرانيا.

 

ويبدو أن استراتيجيتها كانت تهدف إلى إحداث غزو روسى لأوكرانيا بهدف إغراق روسيا فى مستنقع الحرب، ومن ثم تشل اقتصادها من خلال العقوبات التى يمكن أن تؤدى إلى إسقاط بوتين وشل حركة روسيا، المهمة ملحة بشكل خاص بالنظر إلى التحالف الجيوسياسى المتنامى بين روسيا والصين الذى يهدد بإنهاء حقبة القوة أحادية القطب الأمريكية بشكل نهائي؛ وطموح الألمان فى العودة إلى فترة الحرب العالمية الثانية والاستيلاء على النفط وثروات الروس، وأوكرانيا التى كانت حينها ضمن الاتحاد السوفيتي، ما يجعل ألمانيا إمبراطورية كبرى مهيمنة. وفى فترة الحرب الباردة استطاعت واشنطن جعل ألمانيا حليفتها، ما تسبب فى استفزاز السوفيت وأُجبروا على بناء حائط برلين، وحاصرت روسيا وراء الحائط بطموحها. لقد كرهت الولايات المتحدة بوتين منذ أن بدأ فى استعادته السيطرة على الاقتصاد الروسى بعد عقد من الخصخصة فى عهد سلفه «بوريس يلتسين» التى نتج عنها نهب من قِبل الرأسماليين الأجانب والأوليجاركيين المرتبطين بالغرب.


تترك وسائل الإعلام الأمريكية انطباعًا بأن بوتين غزا أوكرانيا بناءً على أهوائه الشيطانية، تاركًا القصة الخلفية بالكامل. سيدرك مؤرخو المستقبل أن الولايات المتحدة هى من أشعلت الحرب الحالية من خلال رفض الالتزام بمطلب بوتين المشروع بعدم توسيع منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو) لتشمل أوكرانيا أو أى بلد قريب من الحدود الروسية، بما يتعارض مع الوعد الشهير الذى قطعه عام 1990 وزير الخارجية الأمريكى جيمس بيكر «لا توسع بوصة واحدة باتجاه الشرق».


وأشار أستاذ العلوم السياسية فى جامعة شيكاغو «جون مارشيمر» إلى أن «بوتين لم يكن لديه النية ليغزو أوكرانيا لو كانت إدارة بايدن قد أعطت ضمانًا مكتوبًا بعدم توسع الناتو ليشمل أوكرانيا»، وتعهدت بوقف تسليح وتدريب الجيش الأوكراني، وهو ما رفضه بايدن. كما دعمت الولايات المتحدة «ثورة الميدان الأوروبى أو الانقلاب الميدانى»، وحرب حكومة كييف الموالية لها على شرق أوكرانيا.

وأثار نظام ما بعد الانقلاب بقيادة الملياردير «بترو بوروشينكو»، الذى وجهت إليه تهم الخيانة، صراعًا مع روسيا عندما غزا مقاطعتى دونيتسك ولوهانسك بدعم من واشنطن بعد أن صوتا للانفصال. كما ساعد بوروشينكو فى تمويل الثورة البرتقالية الموالية للغرب عام 2004. ودعمت واشنطن أوكرانيا لأنها خرقت بروتوكول «مينسك» لوقف إطلاق النار.


أعلنت إدارة بايدن عن زيادة العقوبات الاقتصادية بتجميد أصول البنك المركزى الروسى الموجودة فى الولايات المتحدة، واستهداف صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وهو صندوق سيادى يديره حليف وثيق لبوتين. وتم توضيح الغرض من العقوبات فى تقرير عام 2019 الصادر عن مؤسسة «راند»، التابعة للبنتاجون، بعنوان «التوسع فى روسيا وضمان عدم توازنها»، الذى قيّم كيفية تشجيع الاحتجاجات المحلية، وتقديم مساعدات كبيرة لأوكرانيا وتقويض صورة روسيا فى الخارج ما قد يضعف ويزعزع استقرار البلاد ويلقى الشعب الروسى باللوم على بوتين بحيث يتمرد ضده.


فى أواخر يناير الماضي، وجه اثنان من كبار مسئولى إدارة بايدن تحذيرًا إلى بوتين أنه إذا أقدم على غزو أوكرانيا، فإن العقوبات القاسية «ستؤدى إلى ضمور القدرة الإنتاجية لروسيا بمرور الوقت، وسوف يحرم روسيا من القدرة على تنويع اقتصادها». كان الهدف معاقبة روسيا بدلاً من تجنب الصراع واضحًا فى 26 فبراير الماضى عندما اختار الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكي» الانسحاب من المفاوضات بشأن الوضع المحايد مع روسيا وأبقى أوكرانيا تقاتل، ربما تحت ضغط الولايات المتحدة؛ فيما أشارت وزارة الخارجية إلى معارضة اجتماع بين بوتين وزيلينسكى لمناقشة وقف إطلاق النار.


وقد شعرت الولايات المتحدة بخطورة تقوية العلاقات الروسية - الألمانية ما يهدد مصالحها؛ وتم الضغط على المستشار الألمانى أولاف شولتز فى هذا الوقت من أجل وقف اتفاقية خط أنابيب نوردستريم 2، وإرسال 500 صواريخ «ستينجر» المضادة للطائرات إلى كييف فى انتهاك لتعهد ألمانيا السابق بوقف أى مساعدة عسكرية.  وبدأت الولايات المتحدة أيضًا فى توفير «ستينجر» السلاح الرئيسى الذى تم تعزيز المجاهدين الأفغان به لمحاربة السوفيت فى ثمانينيات القرن الماضي، بينما كان البيت الأبيض يطلب من الكونجرس الموافقة على حزمة مساعدات بقيمة 6٫4 مليار دولار لأوكرانيا. وقال بايدن إنه كان عازمًا على تحويل بوتين إلى «منبوذ» وفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد الروسى من خلال العقوبات. ولكن إذا انتصرت روسيا، سيكون الروس قد هزموا شبح «زبيجنيو بريجنسكي» وأحبطوا المخططات الشيطانية لورثته.