34 موقعًا مصريًا تم إعلانها كمناطق عالمية لحماية الطيور المائية.. تعرف عليها

الطيور المائية
الطيور المائية

لا مشهد يسلب الألباب كخفقان أجنحة طير على صفحة ماء، التقاطه لغذائه بحرفية صيادٍ ماهر، راحته من طول المسافة وعناء السفر.. تنوّع البيئات الطبيعية التى تحويها مصر، جعلها محطة لمئات الأنواع من الطيور المائية المهاجرة التى تزورها سنويًا، لثراء مواردها المائية من البحار والبحيرات والأراضى الرطبة، وتبرز أهمية البحيرات الشمالية بشكل خاص كونها من أهم مناطق استراحة الطيور المائية، وهى التى تعتمد على المناطق الرطبة لاستكمال دورة حياتها  سواء للمأوى أو الغذاء والتكاثر.
 

لا يوجد إحصاء دقيق بأعداد الطيور المائية التى تعبر مصر خلال مواسم الهجرة، إلا أنها تتجاوز الملايين حسبما يُشير الخبراء، وتأتى وفق خريطة للهجرة من الأرخبيل الكندى مرورًا بشمال ووسط أوروبا وغرب آسيا، لتصل إلى شمال سيناء التى تعد بوابة الطيور المهاجرة فى مصر، لتعبر بمحاذاة البحر المتوسط إلى البحيرات الشمالية قبل أن تتخذ مسار نهر النيل وصولاً إلى بحيرة ناصر ومنها إلى قارة أفريقيا.


 

ويوضح الدكتور أيمن حمادة، رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجى بقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة، أن مصر تضم 34 موقعًا هامًا للطيور تم إعلانها من جانب المجلس العالمى لحماية الطيور كمناطق عالمية، وذلك بالتنسيق مع قطاع حماية الطبيعة. هذه المناطق يتم تحديدها وفقًا لمعايير ثابتة ومحددة يُقرها المجلس على المستوى الدولى، ومن أهم هذه المواقع على الإطلاق البحيرات الشمالية وعلى رأسها بحيرة البردويل بشمال سيناء، وبحيرة البرلس، والمنزلة التى تضم محمية «أشتوم الجميل»، وكذلك بحيرات قارون والريان بمحافظة الفيوم، فضلاً عن بحيرة ناصر وجزر نهر النيل.


ويشير حمادة، إلى أن هذه الأراضى الرطبة لها أهمية كبيرة للطيور، وهى الأراضى التى تُعرّف طبقًا لاتفاقية «رامسار» بالمناطق التى تغمرها المياه جزئيًا أو كليًا موسميًا أو طول العام، بما فى ذلك المناطق الساحلية التى تتعرض للمد والجزر بعمق لايزيد عن ستة أمتار. وتنتمى الطيور المائية التى تزور مصر خلال موسمى الهجرة كما يوضح إلى 255 نوعًا، منها أنواع البط المهاجر مثل البلبول والخضارى والشرشير، كذلك طيور الفلامنجو والبلشونات الرمادية والأرجوانية، والخطاطيف والبجع واللقالق ودجاج الماء وغيرها من الأنواع التى تتميز بثرائها وتباينها الشكلى واللوني، وتزيد من تنافسية سياحة مشاهدة الطيور لدينا مقارنة بدول أخرى، وهذا ما تسعى وزارة البيئة إلى دعمه وتنميته بالتعاون مع وزارة السياحة.


يتابع: «هجرة الطيور عملية إعجازية مثيرة للاهتمام بكل المقاييس، هناك نوع البكاشين يقطع ستة آلاف ميل فى رحلة واحدة دون راحة. نعمل ليكون لدينا فريق وطنى متخصص فى الطيور، من خلال الكوادر المؤهلة بقطاع حماية الطبيعة والمعنيين بهذا المجال فى المؤسسات المختلفة، هناك برامج رصد سنوية نجريها داخل المحميات الطبيعية فى مواسم هجرة الطيور، بالطبع لا يمكن عدها بشكل كامل لأنها تتجاوز الملايين، لكنها تعد عينات فى توقيتات معيّنة، تُعطى دلالات عن تركيبة الطيور النوعية وأعدادها، هذه البرامج ننفذها بمحميات الزرانيق وأشتوم الجميل والبرلس ومحميات قارون والريان بالفيوم، وساحل خليج العقبة والبحر الأحمر، كذلك محميات رأس محمد ونبق وأبوجالوم ومحميات جزر البحر الأحمر الشمالية، كما تمتد لخارج المحميات الطبيعية بخزان أسوان وبحيرة ناصر وغيرها من المناطق التى تتخذها الطيور أماكن للراحة. 


ويلفت حمادة إلى أن هناك العديد من التحديات والمخاطر التى تواجه الطيور، على رأسها الصيد الجائر وغير المنظم وهو ما نسعى إلى مجابهته من خلال عدد من البرامج والإجراءات التنفيذية، والمشكلة أن عملية الصيد ترتبط بعوامل اجتماعية واقتصادية للمجتمعات المحلية، هناك مظلة تشريعية لحماية القانون تتمثل فى قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 وقانون المحميات الطبيعية، فضلاً عن القرارات الوزارية التى يتم إصدارها كل عام قبل موسم الهجرة الشتوية، لتنظيم موسم الصيد ووضع الضوابط وآليات المتابعة والاشتراطات الواجب اتباعها عند القيام بهذه الأنشطة. ونتعاون بشكل دائم مع منظمات المجتمع المدنى المعنية بحماية الطبيعة، فى حملات توعية للسكان المحليين خاصة بمحافظة كفر الشيخ وشمال سيناء، للتصدى للممارسات الخاطئة والإبلاغ عن الصيد الجائر.


يواصل: إن أغلب الاتفاقيات الدولية المعنية بصون التنوع البيولوجى نحن أعضاء فاعلون بها، جميع الإجراءات التى تتخذها مصر تأتى تماشيًا مع الاتفاقيات التى نلتزم بتنفيذ ما تقتضيه، وعلى رأسها اتفاقية التنوع البيولوجى التى شرفت مصر برئاستها فى دورتها الحالية، كذلك اتفاقية حماية الأنواع المهاجرة CMS التى تهدف إلى تخفيف الضغوط والمهددات على الكائنات الحية فى رحلات هجراتها، وتنبثق عنها مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، أهمها بالنسبة لنا اتفاقية حماية الطيور المائية الأفريقية الأوروأسيوية المهاجرة «الأيوا»، واتفاقية رامسار لصون الأراضى الرطبة.

 تأسيس أول مدرسة علمية للطيور فى مصر

تحديات عِدة واجهت الدكتورة بسمة شتا، خبيرة الطيور، لتؤسس نواة مدرسة علمية لدراسة الطيور بالجامعات المصرية، وهو التخصص الذى لم يكن موجودًا فى أروقة البحث العلمى فى مصر، رغم الثراء الكبير الذى تحظى به البيئة المصرية فى تنوّع الطيور المقيمة والمهاجرة.

شتا التى تشغل منصب أستاذ مساعد إيكولوجيا الطيور بكلية العلوم بجامعة دمياط، تعد أول مصرية تتخصص فى دراسة بيئة الطيور منذ التحقت بالسلك الأكاديمى بالجامعة، وتقول: «إن أغلب الإسهامات البحثية فى التنوع البيولوجى لدينا تتعلق بدراسة الأنواع النباتية والبيئة البحرية، كما أن أقسام البيئة فى كليات العلوم تقتصر على دراسة العوامل البيئية بتفاعلات التربة والهواء»، مشيرة إلى أن هذه الفجوة دفعتها إلى المضى قدمًا فى هذا التخصص.


تتابع: منذ حصلت على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة، بدأت بتحديث دراسة البيئة والفونا المصرية بقسم علم الحيوان بجامعة دمياط، وبحكم تخصصى فى بيئة الطيور بدأت فى وضع خطة لزيادة الإسهام العلمى من الدراسات المختصة بالتنوع البيولوجي، لمست إقبالاً كبيرًا من المُعيدين وطلاب الدراسات العليا خاصة من السيدات لدراسة الطيور، وصل عددهم حتى الآن إلى 10 متخصصين من الشغوفين بالبيئة والحياة البرية، أعتبرهم نواة للحلم الذى أسعى إلى تحقيقه، رغم الصعوبات التى تُحيط بالشق الميدانى من العمل البحثي، نمضى ساعات طويلة فى تتبّع ومراقبة الطيور بمسارات هجرتها، فضلاً عن صعوبات الحصول على عينات للطيور ودراستها ووزنها وترقيمها، لإعادة إطلاقها مرة أخرى فى البرية، كل ذلك يتم باتباع طرق علمية وباستخدام معدات محددة.

تضيف: الطيور تتشارك معنا الكرة الأرضية، وفهمها يعد ضرورة حتمية لإدراك تفاعلات النُظم البيئية، فوجودها فى الطبيعة وحالتها وتعدادها، يحمل دلالات عديدة عن سلامة النظام البيئى وتكامله أو الخلل الواقع به. أغلب الدراسات والمشروعات البحثية التى نعمل عليها تختص بالطيور المائية والتنوع البيولوجى فى بحيرات مصر الشمالية خاصة البرلس والمنزلة، لدينا أبحاث متنوعة عن تزاوج الطيور وتأثير التلوث البيئى فيه، كما نعمل على مشروع بحثى ممول من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية، يتناول التركيب الجينى للطيور المهاجرة المصابة بإنفلونزا الطيور وقابلية العدوى فى مسارات الهجرة.

وتوضح شتا أنه جرى استحداث لائحة جديدة لبيئة الحيوان والفونا فى الجامعات المصرية تتيح لطلبة الدراسات العليا من خريجى كليات العلوم والزراعة دراسة متخصصة لبيئة الطيور، متابعة: «حصلنا على موافقة اللجنة الخاصة بقطاع العلوم الأساسية بوزارة التعليم العالى والبحث العلمي، وننتظر موافقة المجلس الأعلى للجامعات لإقرار اللائحة، نأمل أن نتمكن من ذلك بدءًا من الفصل الدراسى القادم، فمجالات العمل التى بدأت فى مجال مراقبة الطيور بمشروع صون الطيور الحوامة المُهاجرة، شجّعت على زيادة الكوادر المتخصصة فى التنوع البيولوجي».

وتوضح: هناك زيادة ملحوظة فى أعداد السيدات اللواتى يُقبلن على هذا المجال رغم صعوبته، ما أراه نقلة نوعية أشعر بالفخر إزاءها، ونعمل من خلال المشروع على تعميق معرفة المُتدربين من المراقبين بمشروعات طاقة الرياح فى رأس غارب، بكل ما يخص الطيور وتركيبتها الفسيولوجية، فضلاً عن سلوكياتها أثناء عملية الهجرة، فالطيور تهاجر فى مجموعات لكل منها تكنيك مختلف، الطيور المغردة الصغيرة على سبيل المثال تميل للطيران ليلاً، كما أن أسراب بعض الأنواع تتميز بوجود قائد مُميز جينيًا ولديه سلوك الإيثار الذى يجعله مهيئا لتلقى المخاطر واقتحام المجهول. فهذا التخصص يمكننا من الوصول لفهم أدق وأعمق لهذه العملية وأنظمة الطيران المختلفة للطيور، والتى تتحدد وفق عوامل عدة من بينها تكوينها الجسمانى ومعدلات الدهون التى تحملها، وآلية الرؤية التى تعتمدها سواء من اعتمادها على النجوم أو العلامات الأرضية.

حماية الطبيعة فى التوازن البيئي

يُثمِّن الدكتور شريف بهاء الدين رئيس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، من أهمية رفع الوعى البيئى لصون التنوع البيولوجى والتراث الطبيعى، مشيرًا إلى أن الجمعية منذ تأسيسها عام 2005 أخذت على عاتقها المساهمة فى ذلك لتحقيق هدف الحفاظ على الحياة البرية فى مصر، عن طريق التعاون مع المؤسسات المعنية محليًا ودوليًا، ومنها المجلس العالمى للطيور الذى نعد الشريك الوطنى والممثل له، وعندما نتحدث عن الطيور لابد أن نُشير إلى عظمة الخدمات التى تُقدمها للطبيعة، ودورها فى التوازن البيئى الذى لا يُقدّر بثمن، فالطيور الحوّامة والجوارح على سبيل المثال تقع فى قمة السلسلة الغذائية، وتلعب دورًا حاسمًا فى توازن النظام الإيكولوجى.


يتابع: هناك أنواع تتغذى على القوارض وتسهم فى توازن أعدادها فى الطبيعة، بخلاف دورها فى المكافحة الحيوية للجيف الطبيعية. بينما نجد أن تفاعلات النظم البيئية معقدة جدًا والخلل الذى يحدث فى هذه النظم مدمر، وله انعكاس على جميع عناصر البيئة فى العالم بأسره. أغلب الطيور الحوّامة تُعد من الطيور كبيرة الحجم، طويلة العمر نسبيًا وقليلة العدد مقارنة بالأنواع الأخرى، فضلاً عن ارتفاع قيمتها فى تجارة الحياة البرية، ما جعل كثيرا من أنواعها مهددا بخطر الانقراض. فللأسف تتزايد المخاطر التى تتعرض لها الطيور المهاجرة جراء التأثيرات المباشرة للنشاط الإنساني، يأتى على رأس هذه المخاطر تدمير البيئات والموائل الطبيعية الملائمة لدورة حياة الطيور وتلوثها يليها خطر الصيد الجائر. فقدرة الطيور المهاجرة على التكيف مع المخاطر والمتغيرات متفاوتة ومتباينة، هناك أنواع تزيد حساسيتها عن أنواع أخرى، وتظهر القدرة على التكيف فى التفاعل مع التغيرات المناخية التى ألقت بآثار سلبية هائلة على التنوع البيولوجى وهجرة الكائنات الحية حول الأرض.