يوميات الأخبار

«شام».. ومعادلة الخوارزمي

د. خالد القاضى
د. خالد القاضى

المواطنة شـعور وجدانى بالارتباط بالأرض وبأفـراد المجتمع الآخرين المتفاعلين على تلك الأرض

أبهرتنا طفلة لم يتعد عمرها عشر سنوات، اسمها «شام» .. كانت أصغر من حضر ملتقى الأجيال، الذى دعوتُ إليه منذ أيام وحضره نخبة من المفكرين والمثقفين من مصر والدول العربية الشقيقة، لمناقشة القيم والتقاليد والأعراف، للجد والأب والحفيد، بين الثوابت والمتغيرات. 
وسر انبهارنا بشام .. هو حفظها لمعادلة الخوارزمى .. فقد سُئل هذا العالم الجليل قبل 1200 سنة عن الإنسان، فأجاب بمعادلة رياضية غاية فى الروعة والجمال، قال: «الإنسان بأخلاقه يساوى الرقم (1) فإذا كان ذا جمال نضع صفرا يمين الواحد أى يصبح (10)، فإذا كان ذا مال نزيد صفرا أى يصبح (100) وإن كان ذا حسب ونسب فأيضا نزيد صفرا فيصبح (1000)، وتنقص الأصفار وتزيد على حسب هذه المكتسبات، ولكن عندما يفقد الإنسان الأخلاق فهنا تأتى مُعضلة المعادلة، (معضلة أى مشكلة) حيث يختفى الواحد الذى يعطى معنى لجميع الأصفار مهما كثرت أو زادت فهى لا معنى لها بدون الواحد، فهى مجرد أصفار لا قيمة لها، قيمتها وأهميتها فقط عند وجود الرقم واحد».


رددتها «شام» ببساطتها وبراءتها الطفولية، وقالت إن الإنسان بدون أخلاق يساوى (صفر)، مهما كان ذا جمال ومال وحسب ونسب. 
وفى الواقع إن أنموذج «شام»..

يعطى الأمل والزهو والفخر ليس بها فقط، بل بمن رباها (والداها الكريمان)، وكرّس فيها تلك القيم (مدرسوها المخلصين) ..

وكذلك من سار معها على دربها واقتفى منهجها (زملاؤها وأصدقاؤها الأوفياء لمبادئهم) .. وهو الأنموذج  الذى ينبغى أن يسود بين أبناء الأجيال الجديدة التى غالبًا ما تتوارى فيها منظومة القيم والتقاليد والأعراف الرفيعة، وتتصدر المشهد نماذج مغايرة تمامًا من سيادة ثقافة النفعية والانتهازية والكذب والافتراء، إلى حد التزوير لتحقيق مآرب وقتية زائلة لا قيمة حقيقية لها.


وقد دعا ملتقى الأجيال فى ختام أعماله إلى إطلاق مبادرة وطنية  لتواصل الأجيال الثلاثة (الجد - الأب -  الابن) تحت شعار: «بالعلم والوطنية .. تتواصل الأجيال»، تأسيسًا على أن العلاقة بين الأجيال حوار .. وليست صراعا»، بهدف صياغة استراتيجية علمية تطبيقية عبر تلك الأجيال، حفاظًا على هويتنا الوطنية والثقافية المصرية الخالصة، يشارك فيها كافة المعنيين من العلماء والباحثين والمسؤولين، من خلال إجراء البحوث العلمية البحثية، والميدانية التطبيقية، واستطلاعات الرأى فى كافة المحافظات، ومختلف الفئات المجتمعية ، سواء فى المدارس والجامعات، مراكز الشباب، وقصور الثقافة، ومؤسسات المجتمع المدني، والمنارات الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي، وكذلك البرلمان بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، أو غيرها، وصولًا لتوصيات عملية فاعلة لصناع القرار ، ممن ينتهى الخبراء إلى صياغتها، فى مسارات متوازية وفاعلة وقابلة للتطبيق. 


نعم .. طريقنا العلم .. لأن العلماء والباحثين الشرفاء هم شداة النور الضاربين بعزم ٍ تحت هجير وهج  الحقيقة فى صحراء المعرفة ودروب العلم .. الذين يتبارون فى استلهام الحكمة أنّى وجدوها فهم الأجدر بحملها، كما أنهم على وعى كامل و بكل دقةٍ  بمجملَ حركة الإنسان سواء فى نفسه وميوله ودوافعه وانفعالاته، أو فى حركة مجتمعه وعلوم اجتماعه، أو فى صلته بالطبيعة وحركة الكون، وعلومه التطبيقية التجريبية.


ويتخذ العلماء، من المنهج المُقارَن وسيلة لإدراك التمايز بين الأجيال الثلاثة (الجد – الأب – الحفيد)، فى مختلف الشعوب والجماعات والأعراق والأنساب والأوطان، فما يصلح فى أحد الأجيال لا يمكن أن يكون الصواب دوماً .. كما أنه لا يمكن استنساخ تجارب إنسانيةٍ وزراعتها عُنوة ً فى أجساد مجتمعات أخرى، وهو شر لو تعلمون مبين!!


فالعالَم - كم يقولون - عيالٌ على العلماء،  وتحرص الإنسانية جمعاء على الإنصات لصوت العلماء، وتحترم فى زهوٍ ومحبةٍ مبادئ التفكير العلمي، ومعايير البحث التجريبي، ومنطق العلم التطبيقي، فلا صوت يعلو على صوت الحقيقة، فهى مجردة ٌ تماماً من شتى ألوان الميول والأغراض، منزهةٌ من الأهواء والرغبات، ومن ثم يعض عليها الراغبون فى التقدم والحالمون بالمستقبل بالنواجذ. 
تعلمتُ وعلمتُ «قيمة الوطن»


علمنى والدى ما أحوجنا أن نتدارس معًا قيمة الوطن فى حياتنا، ونؤكدُ عليه آناء الليل وأطراف النهار.


 وعلمنى والدى أن مفهوم المواطنة، هو مجموعة الروابط التى تربط حركة الفرد بالمجتمع من جهة، والمجتمع بالدولة من جهة أخرى، فمصطلح (المواطنة) صفة بصيغة دالة على المطاوعة والمشاركة، وهى مشتقة مباشرة من اسم الفاعل (مواطن) المشتق من الثلاثى (وَطَن) أى قَطَن وأمِن فى مكان على بقعة من الأرض - البيت والقرية والمدينة كل منها وطن، لكن المفهوم المعاصر يتعدى ذلك إلى القواسم الثقافية المشتركة بين شعب أو أمة تقطن رقعة جغرافية لها حدود سياسية تسمى بلادا..

وهى التى تحدد منظومة الحقوق و الواجبات فى ضوء سياسة الدولة وفلسفاتها، كما أن خصوصية المجتمع وطبيعة هويته الثقافية يكسبان الحقوق والواجبات طابعهما الملائم، والآليات العملية التى تجمعهما كواجب الدفاع عن الوطن وغيرها. 


كما علمنى والدى أن المواطنة الفاعلة هى اسـتشعار المسئولية وتحمل الأمانـة والقيام بكل ما يتطلبه صالح الوطن، وأن المواطنة شـعور وجدانى بالارتباط بالأرض وبأفـراد المجتمع الآخرين المتفاعلين على تلك الأرض، وهذا الارتباط الوجدانى تترجمه مجموعة من القيـم والتقاليد والأعراف التى تربط أفراد المجتمع الواحد وتحضهم على فعل الخير من أجل الصالح العام...


فلهذه الأسباب؛ أصدرتُ كتابًا بعنوان «أعيش فى جلباب أبي» عن مسيرتى العلمية والحياتية حتى مرحلة منتصف العمر،  مؤكدًا أننى  قد عشتُ .. وأعيش .. وسأعيش فى جلباب و فكر ومبادئ وقيم أبى (رحمه الله).


كما علمتُ أبنائى «حب الوطن».. مطبقًا المبادئ الوطنية الخمسة التالية: 


1) غرس حب الوطن والانتماء لدى أبنائهم منذ الصغر، وذلك من خلال تنشئتهم على التمسك بقيم وعادات الدين وكذلك سرد القصص التى تنمى روح الوطنية فى نفوسهم وسرد البطولات والأمجاد.


2)  إجراء الحوار والمناقشة مع الأبناء وحثهم على ضرورة العمل من أجل رفعة الوطن وتقدمه وإبداء المصلحة العامة للوطن عن المصلحة الشخصية وأن حب الوطن من الإيمان.


3) تربيتهم على حب الآخرين والتعاون مع الغير والتضحية من أجل مصلحة مشتركة وواحدة للصالح العام، واحترام النظام والقوانين والعمل بها.


4)  تعليم الطفل إن له حقوق وعليه واجبات يجب احترامها وعدم تعديها وأن يعمل بروح الفريق ويمارس العمل الجماعى التطوعي.
5)  يجب أن يكون الوالدين قدوة ومثل أعلى لأبنائهم فى حب الوطن وتوعية الأبناء بتاريخ وطنهم والرموز الوطنية الشامخة التى أثرت ففى تاريخ الوطن وتبسيط المعانى لهم.


ومن ثم أصدرتُ كتابًا يحمل عنوان «25 سنة مع أنا .. رسائل إلى ابنى محمد» أهديته إلى جميع أبنائى .. شباب وفتيات مصر الغد المشرق ممن هم فى سن ابنى « محمد «وقد جاوزوا مرحلة التكوين إلى مرحلة العطاء لأهلهم  ووطنهم الغالى مصرنا الحبيبة. 


أعياد عالمية فى مارس 


(*) عيد المرأة العالمي: احتفال عالمى يحدث فى اليوم الثامن من شهر مارس، وتكون ركيزة الاحتفالات للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، ويأتى الاحتفال تزامنا مع إحياء ذكرى عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائى الديمقراطى العالمى والذى عقد فى باريس عام 1945.


(*) يوم السعادة العالمي: يحتفل المجتمع الدولى فى 20 مارس من كل عام بيوم السعادة العالمي، وذلك بعد أن اعتمدت الأمم المتحدة فى دورتها السادسة والستين هذا اليوم من كل عام يوما دوليا للسعادة اعترافاً بأهمية السعى للسعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية لجميع الشعوب.


(*) عيد الأم: هو احتفال ظهر حديثاً فى مطلع القرن العشرين، يحتفل به فى بعض الدول لتكريم الأمهات والأمومة ورابطة الأم بأبنائها وتأثير الأمهات على المجتمع، وظهر ذلك برغبة من المفكرين بعد أن وجدوا الأبناء فى مجتمعاتهم يهملون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن فأرادوا أن يجعلوا يوماً فى السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم.


 ويبقى القانون


تنص المادة (10) الدستور المصرى 2014 على أن: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها».