مصر الجديدة:

العامية والفصحى.. قضية قديمة

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

فى الأسابيع الأخيرة ظهرت ترجمة باللهجة العامية لرواية الغريب لألبير كامى.

لست ضد أى مغامرة فى الكتابة.

لكن غلّف الأمر حديث قديم أن هذا عودة إلى لغتنا الأصلية.

اعتبرت الأمر نوعًا من الدعابة لا أكثر لأن لا العامية ولا الفصحى كانت لغتنا الأصلية.

لغتنا عبر السنين دخلتها لغات أخرى، وحين أتت اللغة العربية لم تستطع أن تمحو كثيرا منها، وحتى بعد استقرارها دخلتها مئات الكلمات الإيطالية واليونانية والإنجليزية والفرنسية.

على سبيل المثال كلمات مثل استبينا وألِسطة وفالصو وتورتة وجيلاتى وبوسطة وروشتة وفيزيتا وبلياتشو وأفوكاتو وميكانيكى وبياصة وبنسة وترسو وبريمو وغيرها كثير كلمات إيطالية تسربت إلى العامية والفصحى، ويمكن أن تمد الحبل من اللغات الأخرى التى مرت على مصر.

ليس فى مصر معركة بين الفصحى والعامية وما حدث مع بداية القرن العشرين من الحديث عن العامية كهوية فى مواجهة الفصحى انتهى دون ترك أى أثر لأن الكتاب والمبدعين من كتاب المسرح والرواية والشعر لاذوا باللغة واللهجة الأعظم فى حمل أفكارهم إلى الجمهور.

على عظمة بيرم التونسى فى الشعر العامى لم يترك شعراء الفصحى كتابتهم، بل أن أحمد شوقى حين كتب أغنيات لمحمد عبد الوهاب بالعامية كان أعظم من رائع، لكنه لم يترك اللغة الفصحى فى شعره ولا فى مسرحياته التى كتبها. لماذا لم يفعل ذلك رغم إغراء العامية؟.

لأنه يدرك معنى الصدق الفنى. لا قيمة لعمل مسرحية عن قيس وليلى مثلا باللهجة العامية وإلا كيف سيكون الشعر الذى سيردده قيس؟ .

توفيق الحكيم أنهى الأمر أنه يحاول أن يجد لغة تمزج بين الاثنتين، بينما نجيب محفوظ استمر يكتب بالفصحى فى رواياته ولم يقلّ جمهوره أبدا.

حين ظهر يوسف ادريس بمجموعته «أرخص ليالى « صمم أن يكون عنوانها هكذا بخطئه الإملائى فالصواب «أرخص ليالٍ» وقدمها له طه حسين نفسه مدركا معنى الصدق الفنى والصورة الفنية. تقدم يوسف إدريس  فصارت الفصحى بين السطور فى تكوينها فى قصصه الأخيرة بينما ظل المسرح بالعامية. لماذا ؟

لأن المسرح يواجهه الجمهور مباشرة بينما قراءة الكتاب تعنى التأمل على مهل فيه.

أنا لم أشغل نفسى بهذه القضية منذ كتبت معتمدا على الصدق الفنى الذى أشعر به فى الشخصيات فيمكن جدا أن يكون الحوار أو السرد بالعامية أو بالفصحى حسب المتحدث والمكان والزمان.

وهنا لا ألوم الترجمة بالعامية لكن صعب أن تنقل مشاعر الشخصيات الأجنبية إلى مشاعرك المحلية.

الترجمة تعنى أن تأخذنى إلى هناك لا أن تأتى بها إلى هنا. يمكن أن يكون ذلك سببا فى سهولة الرواية حقا لكن يمكن أن تغيب عنها آفاقها الفلسفية. ورغم ذلك فكل شخص حر، لكن محاولة إعادة القول بأن العامية هى لغتنا وهويتنا أمر سيفشل كما فشل من قبل.

الهوية فى الفن غير الهوية فى الشارع.