فى الصميم

المصالح وحدها تتكلم..!

جلال عارف
جلال عارف

اللعبة الخطرة تدور أساسا بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهى محكومة ـ قبل أى شىء آخرـ بتوازن الرعب النووى الذى لا مجال للعبث به أو تجاهل ما يفرضه من قواعد صارمة على كل الأطراف.


عندما تحدثت أمريكا عن إمكانية تطور الحرب فى أوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، كان الرد السريع من روسيا هو : إن أمريكا تعلم كما يعلم الجميع أن الحرب الثالثة ستكون نووية!! ومع تطور الأحداث فى أوكرانيا كانت واشنطون صارمة فى التأكيد على أنها لن تحارب مباشرة فى أوكرانيا ولن تدخل فى صدام عسكرى مع روسيا، وأن جنودها فى أوروبا ـأكثر من 80 ألفاـ تقتصر مهمتهم داخل حدود دول «الناتو» وبالأمس خاطبهم رئيس الأركان الأمريكى مؤكدا على ضرورة أن يلتزموا بالعمل من أجل إبعاد شبح الحرب الشاملة.


جزء من هذا الموقف يعود للداخل  الأمريكى الذى لا يريد أن يقاتل جنوده فى الخارج بعد الهزائم التى امتدت من فيتنام إلى افغانستان. ويرى البديل فى «حروب الوكالة» دون تورط مباشر فيها، وفى أسلحة الاقتصاد والتجارة حيث مازالت أمريكا هى القوة الأولى رغم تراجعها المستمر فى السنوات الأخيرة.. وحيث يمكن للحرب فى أوكرانيا أن تصب فى مصلحة أمريكا اقتصاديا كما يرى كثيرون.


والمفارقات هنا كثيرة.. تريد أمريكا المضى فى إجراءات المقاطعة لروسيا إلى آخر مدى، بينما الحلفاء الأوروبيون يتحفظون ويدركون أن فواتير المقاطعة لن تدفعها روسيا وحدها. ستكون أوروبا من أكبر المضارين، وسيدفع العالم كله ـ بعد ذلك ـ أثمانا متفاوتة مع الارتفاع الجنونى فى أسعار البترول والغاز والمواد الغذائية التى يمثل انتاج روسيا وأوكرانيا منها نسبة كبيرة وأحيانا حاكمة للسوق العالمى.


مع الارتفاع الجنونى لسعر البترول، ومع وصول سعر البرميل إلى 140 دولارا وتوقع الوصول لضعف هذا السعر إذا استمرت الأزمة.. تريد أمريكا فرض حظر على استيراد البترول والغاز من روسيا. بالنسبة لها الأمر سهل، وما تستورده من روسيا يمثل 8٪ تقريبا من احتياجاتها.. لكن ماذا عن أوروبا التى تستورد من روسيا 40٪ من احتياجاتها من الغاز و25٪ من البترول؟ وماذا عن تضاعف التكلفة من أى مصدر آخر بينما تذهب الطاقة الروسية الى الصين بسعر مناسب لتخرج أوروبا من أسواق العالم؟


المفارقة الأكبر فى الموقف الأمريكى.. أن واشنطن قد تذهب لاسترضاء «فنزويلا» التى كانت تعتبرها إرهابية وغير ديموقراطية ومعادية و...، لكى ترفع عنها العقوبات مقابل أن تعوضها عن البترول الروسى  !!  ثم..

أن يتغير الحال فى المباحثات من أجل الاتفاق النووى مع ايران، حيث تتلهف أمريكا لإقرار الاتفاق الجديد طمعا فى دور البترول والغاز الإيرانيين بينما تهدد روسيا بتعطيل الاتفاق إذا لم تتلق ضمانات بأن تجارتها مع إيران ستكون خارج المقاطعة المفروضة على روسيا الآن!


الحقيقة الثابتة هى أن المصالح وحدها هى التى تتكلم!!